مَنْ يَفعَلِ الخَيرَ لاَ يَعدَم جَوازِيَهُ
لاَ يَذهَبُ العُرْفُ بَينَ اللَهِ وَالنَّاسِ
(الحطيئة)
تحتفل مصر فى سبتمبر من كل عام بعيد الفلاح، والذى يواكب ذكرى صدور قوانين الإصلاح الزراعى، والتى كانت إحدى نتائج ثورة يوليو 1952، وأيضًا يواكب يوم وقوف أحمد عرابى ابن قرية هرية بمحافظة الشرقية أمام الخديو توفيق ناقلًا إلى الخديوى مطالب الشعب..
والفلاح قبل 1952 كان يعانى أشد المعاناة، حيث كانت أغلب الأراضى الزراعية يتم توزيعها إقطاعيات وهبات ممنوحة من (جناب الخديوى) إلى كبار (باشوات وبكاوات) مصر، وذلك كان نظامًا قام به محمد على باشا فى طريقه إلى السيطرة الكاملة على الأراضى الزراعية، والتى كانت خاضعة تحت إدارة المماليك، فضلًا عن طبقة كانت تسمى (الملتزم)، وهو الشخص الذى كان يقوم بجمع الضرائب المقررة على الأراضى الزراعية وتوريدها إلى الحكومة، وشيئًا فشيئًا استطاع محمد علي إنهاء ما يسمى بنظام الملتزم، وما يطلق عليه نظام (الوسية).. وطوال حقبة حكم أسرة محمد علي كان نظام تملّك الأراضى الزراعية، بل ونزعها تحت السيطرة المباشرة للخديوى.. يهب هذا مساحات هائلة من الأراضى الزراعية، وينزع من ذاك..
ولهذا كان هيكل ملكية الأراضى الزراعية فيه خلل كبير، ومن هنا جاءت كلمة الإقطاعيات، وهى كانت مساحات مقطوعة من الأراضى الزراعية، تقع تحت إشرافه ومن ثَمَّ ملكية (باشا أو بك)، ولهذا أطلق عليهم الإقطاعيون..
حتى جاءت ثورة 23 يوليو ووضعت حدًا فاصلًا، وتحديدًا تدريجيًا لملكية الأراضى الزراعية، وتوزيع هذه الأراضى على صغار المزارعين والقائمين بعملية الزراعة الفعلية، ومن هنا جاء عيد الفلاح..
وهذا السرد يوضح حقيقة الأوضاع التى كان يعيش فيها الفلاحون قبل ثورة 23 يوليو 1952، ذلك على مستوى ملكية الأراضى، فما بالك بمستوى المعيشة أو الخدمات التى كانت توجد فى الريف المصرى..
هذا الريف الذى ظل لسنوات طوال مصدرًا للهجرة الداخلية من الريف إلى المدن، والتى قام بدراستها العديد من أساتذة علوم الاجتماع عن أسباب هذه الهجرة..
فعلى الرغم من القرية المصرية كانت هى مصدر الخير من كل المنتجات الزراعية، وأيضًا كانت مصدر الرجال الذين يلتحقون بالجيش ويقدمون أرواحهم فداء لمصر، ومصدر الأيدى العاملة التى حفرت قناة السويس، وأيضًا ساهمت فى حفر وبناء السد العالى.. إلا أن هذه القرية ظلت سنوات طوال تعانى من غياب أى عملية من عمليات التنمية.. فلا توجد مياه شرب نظيفة أو كهرباء منتظمة، ولا توجد أنظمة صرف صحى، ولا توجد رعاية صحية أو اجتماعية، ولا توجد مدارس لمختلف مراحل التعليم، وأيضًا لا توجد دور ترفيه مناسبة..
هذا كان حال القرية قبل 1952، واستمر هذا الحال إلى ما بعد 1952، إلا فى محاولات محدودة لإدخال بعض الخدمات إلى بعض القرى الرئيسية هنا أو هناك..
وظلت القرية المصرية مصدر الخير هى أيضًا بؤرة الفقر، وتعاقبت الأنظمة المختلفة، وظلت القرية كما هى.. إلا من محاولات فردية محدودة لتطوير بعض القرى، حتى أصبح تطوير القرى الأكثر احتياجًا مصطلحًا يتردد وللأسف بدون خجل..
إلى أن بادر الرئيس عبدالفتاح السيسي، ووجه بتحويل مبادرة "حياة كريمة" إلى تطوير وتحديث كامل القرى المصرية، وليست قرية هنا أو قرية هناك مثلما كان يحدث فى العهود السابقة..
مبادرة "حياة كريمة" تتحمل التنمية الشاملة للمجتمعات الريفية كلها، من خلال مراحل متعددة تشمل تنمية وتطوير 4584 قرية و28000 تابع فى 175 مركزًا و20 محافظة، وتخدم 58 مليون مواطن بما يقارب 60% من سكان مصر..
مبادرة هى الأكبر من نوعها التى تتضمن تطوير حياة الفلاح بالفعل من مختلف جوانبها.. تنمية شاملة للريف بهدف القضاء على الفقر متعدد الأبعاد، والارتقاء بالمستوى الاجتماعى والاقتصادى والبيئى للأسر بريف مصر..
ووسط كم من التشكيك اعتاد عليه المصريون فى الفترة الأخيرة، انطلق المشروع وراحت ألسنة المشككين هنا وهناك تتوقع توقفه، أو عدم استمراره، وللأسف صدَّق بعض أهالينا من الفلاحين حملات التشكيك، حتى وصل إلى أن بعض القرى التى نزلتها بالفعل معدات مشروع حياة كريمة، كان أهل هذه القرى يحرسون هذه المعدات خوفًا من أن يأتى الصباح وتعود المعدات إلى مكانها.. ودارت عجلة المشروع، وبدأت تظهر نتائجه فى كل قرية دخل إليها..
مشروعات صرف صحى، وتوصيل غاز طبيعى، وبناء مدارس أو تطوير القائم، وبناء وحدات صحية جديدة أو تطوير القائم بالفعل، وتطوير مراكز الشباب، وإقامة المجمعات الزراعية المتكاملة، لتقديم الخدمات الزراعية إلى الفلاحين..
هذا كان حال الفلاح قبل وبعد 1952، وهذا ما تقوم به الدولة اليوم للفلاح..
فكل عام والفلاحون بخير.. وكل الشكر لكل من يساهم فى توفير حياة كريمة للمواطن المصرى على كامل الأرض المصرية، السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، والذى لا يدخر جهدًا أو وقتًا فى الدفاع عن مصر، وفى رفع المعاناة عن أبناء الشعب المصرى، وحماية مقدراته والتخطيط لمستقبله..
فالفارق كبير بين مَنْ يعمل ليبنى ويعمر ويصلح، وبين مَنْ يعمل ليفسد.. فصدق الله العظيم الذى قال (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
وَللهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.
حَفِظَ اللهُ مِصْرَ وَحَفِظَ شَعْبَهَا وَجَيْشَهَا وَقَائِدَهَا..