راديو الاهرام

أأكتب..؟ ما أنا بكاتب..! (الثالثة)

14-9-2022 | 12:03

(8)
قال لي صاحبي وهو يحاورني: أنا أكثر منك صبرًا، وأعز حِملًا.. ودخل مقالتي وهو عازم على استقراء تفاصيل ما كتبت، وقال: أتحسس وأتشمم في هذه السلسلة (أأكتب ..؟ ما أنا بكاتب..!) (رائحة شيء يحترق، مع أنك ترفع شعارًا منذ زمن بعيد: اخترق حتى لو تحترق!).
 
قلت لصاحبي وأنا أحاوره: أرأيت بالذي كتبت شيئًا ما محددًا؟ وهو - كما أعرفه منذ ثمانينيات القرن الماضي - قارئ عبقري كان يعرفه كبار الصحفيين ورؤساء التحرير في الزمن الصحفي والإعلامي الحقيقي(!!) وكانوا يستشهدون برؤاه ويتخذونها معيارًا، كقارئ صحف عريق، ويقرأ ما وراء السطور، وينفذ إلى ما وراء الواقع، إذ كان  يتمايز بالتداخل، ومن عرف سر التداخل انفعلت له الأشياء.
 
وإذا بالرجل يقرأ عليَّ الكلمات التالية، وها أنا ذا أعيد شريطها، إذ إني أومن جدًا بأنه لا مجال للصوت الواحد، فالتعددية تثري الرؤى، وتغتني بها الأفكار، وتضيء مساحة الإظلام التي تكشفها شمعة الصوت الواحد، تلك التي وظيفتها أنها بقدر ما تنير مساحة محددة من الظلام، فإنها تكشف مدى مساحة الظلام الواسع حولها. 
 
لقد انتهى عصر الصوت الواحد، وولَّى إلى غير رجعة، أو يفترض ذلك، وتجمد قطب الفكر الأحادي، أو يفترض ذلك أيضًا، وصارت التعددية الصوتية، أكثر الوسائل التي تفسر الواقع من عدة وجهات نظر متراكبة في آن واحد، ولا تعتمد على وجهة نظر واحدة أو وحيدة.. ذلكم أن تداخل الأصوات وتشابكها، وحتى اشتباكها، سمة المجتمعات التي تستحق الحياة.
 
فماذا قال صاحب هذا الصوت..؟
 (9)
كن كالشمعة.. لا تخشَ أن تكون شمعة تضيء للآخرين، فالشمعة تعرف قيمتها عندما يحل الظلام، ونور الشمعة الصغير يطرد عالمًا من الظلمات.
 
كن كالشمعة.. تحترق من أجل الآخرين فلن يضيع نورك هباء، سيلجأ إليك الفقراء وستسمع شكوى المتعبين في الليل، فالعتمة ليس لها عينان، سيلجأ إليك التائهون لتنير لهم الدرب، ستكون شاهدًا على همسات المحبين الذين يحتاجون شمعة تمنحهم الرومانسية والطمأنينة، وتعطر لهم الأجواء..
 
كن كالشمعة.. شمعة بابتسامتك، شمعة بعطائك، شمعة بمواساتك للمجروحين، شمعة بنور الله في قلبك، فالشمعة تظل تضيء حتى آخر لحظة، كن شمعة تضيء للآخرين، وسيعمل الآخرون أن يظل رأسك مرفوعًا، فالشمعة لا تضيء إلا ورأسها مرفوع نحو السماء.
 
كن كالشمعة.. فالشمعة لا تتأثر بالضجيج ولا بالصراخ ولا بالحقد ولا بجيوش الظلام، الشمعة تتأثر بالمحبة، بنفخة روح هادئة عندما يقرب الآخرون وجوههم منها كأنهم يهمسون، شكرًا لك أيتها الشمعة كن كالشمعة.. تضيء للآخرين، وسيكون لك قيمة، ولحياتك معنى، سيتهافت عليك المحتاجون ليأخذوا قبسًا من نورك يشعل شموعهم، سيتراكض الناس للبحث عنك عندما يحل عليهم الظلام، فالشمعة تكبر، وتكبر قيمتها عندما يكبر الظلام.
 
كن كالشمعة.. ولا تخش الاحتراق، فلن يقصر عمرك عندما تشتعل من أجل الآخرين، سيبقى وهجك في القلوب، وسيحتفظ بك المخلصون في أعز مكان، حتى تضيء لهم من جديد، كن كــ الشمعة.. ولن تنطفئ..».
 
(10)
نعم.. سمعنا وأطعنا، يا صاحب هذه الكلمات الذهبية، وإن كان سيأتي وقت، تنطفئ شمعة كل إنسان منا، وهذا حتمي طبعًا، ولكن أليس استمرار شعلتنا هو بإعطاء ما تعلمناه وما كسبناه للآخرين، وعندها ستمتد شعلتنا من خلال الآخرين، وسيضيف عليها الآخرون من ذواتهم، وبذلك تكبر وتنتشر هذه الشمعة. 
 
(11)
ومن نور الشمعة إلى وهج الشمس في عالم الكلمة والقلم والألم.. ثمة علامات استفهام.. وتعجب.. وأشياء أخرى.. جديرة بالدعوة للتأمل والتحديق فيها.. لعلها تروي القلوب الظمآنة والماء ينساب أمامها زلالا(!!) وتجادل الأرواح الشاردة في هجير الحيرة واليقين المراوغ.. وتحاور العقول التي تعاني من طغيان اللامعقول على المعقول..! 
 ،،،،،، 
والى الملتقى مع عذوبة وعذابات أخرى من هذه السردية.. إن كان في القلم والعمر..  بقية أو بعض بقية...!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة