راديو الاهرام

الفنان محمد عبلة.. ووسام "جوته"!

13-9-2022 | 15:10

(... إنهم رواد شجعان في مجتمعاتهم؛ أسسوا روابط مثمرة مع أطراف ثقافية ناشطة في كل أنحاء العالم...).
 
هذه العبارة الرائعة جاءت ضمن كلمات السيدة/كارولا لينتس.. "رئيس معهد جوتة"؛ لتقوم بتفسير حيثيات منح وسام الشاعر الألماني "يوهان جوته"؛ للفنان التشكيلي المصري/محمد عبلة؛ والذي يُعد أول فنان تشكيلي عربي يحصل عليه ــ وهو أرفع وسام تمنحه للشخصيات المؤثرة في مجالها ــ وقد حازه من قبل "الشاعر أدونيس" من سوريا، و"الدكتور عبدالغفار مكاوي" من مصر.
 
 ولكن.. وسط كل هذه الاحتفالية؛ وفرحتي واعتزازي بالحدث الجميل؛ كانت سعادتي الشخصية في هذا المشهد الذي يُثلج الصدر؛ ويطمئننا على مستقبل الفن والفنون في مصرنا المحروسة؛ ويرد ـ بقوة ـ على خفافيش الظلام والجهل الذي يزعجهم ويقض مناماتهم؛ كل الفعاليات التي تهتم بالفنون بشكلٍ عام؛ ويتلخص المشهد في قيام الدكتورة/نيفين الكيلاني ـ وزيرة الثقافة المصرية ـ باستقبال الفنان التشكيلي/محمد عبلة! وأين؟ في مطار القاهرة الدولي؛ وذلك عقِب وصوله من ألمانيا بعد حصوله على وسام (جوته) الذي يُعد أهم جائزة للسياسة الثقافية الخارجية؛ وكان برفقتها كلٌ من: الدكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، وسوزانا هون، المدير الإقليمي لمعهد جوته في إفريقيا والشرق الأوسط، والدكتورة حنان سمير عبدالعظيم الأستاذ بالمعهد العالي للفنون التطبيقية.
 
 وللقاري ــ غير المتخصص ــ كل الحق في أن يتوجه إلينا بالأسئلة عن: من هو (جوته)؟ ومن هو (محمد عبلة)؟
 
ولأنني مصرية أعتز بمصريتي؛ سأبدأ بالتعريف بصاحب التكريم؛ الفنان التشكيلي المصري الأصيل/محمد عبلة؛ ولا تتعجبوا من هذا اللقب ـ الذي قد يبدو غريبًا على الأذن المصرية ــ الذي يأتي في معاجم اللغة العربية بأنه: اسم عَلَمْ مؤنث عربي؛ ولكنه يعني: الضخم أو الممتلئ؛ أو هو الصخرة؛ وفي تفسير آخر: العَبْلُ.. هو الضَّخْمُ من كلِّ شيء! وبما أن الشيء بالشيء يُذكر.. لعلنا نتذكر الآن اسم (عبلة) الذي اشتهرت به محبوبة الفارس "عنتر بن شداد"! فبحر اللغة العربية عميق بلا شطآن؛ فهناك معانٍ كُثُر لهذا اللقب؛ ولكن هذا ليس مجالًا لحديثنا الآن!
 
فالفنان التشكيلي محمد عبلة.. خرج إلى بحر الحياة في محافظة الدقهلية؛ وثوار يوليو 1952 في بدايات وضع أسس ومعايير انطلاق مصر الثورة نحو المستقبل؛ فهو من مواليد 27 سبتمبر 1953؛ وكانت المدرسة الأم التي وضع بها أول لمسات لوحاته؛ هي كلية الفنون الجميلة/جامعة الإسكندرية؛ وحصل منها على شهادة بكالوريوس الفنون الجميلة ـ قسم تصوير ـ 1977؛ ثم الحصول على: دبلوم كلية الفنون الجميلة في العام 1978؛ ثم درس في كلية الفنون والصناعات (نحت) بزيورخ ـ سويسرا في العام 1981.
 
 عمل مديرًا لقاعة الفنون التشكيلية بالأوبرا عام 1990، وأستاذًا زائرًا للفنون بمدرسة أوربرو السويد، كما كان رئيسًا لمجلس إدارة أتيليه القاهرة عام 2010؛ وشارك في العديد من المعارض الدولية في: الشارقة، فنلندا، سويسرا، اليابان، الكويت، بينالي القاهرة، بينالي دول البحر المتوسط بالإسكندرية، الأرجنتين.
 
ولإيمانه بدور الفنان الحقيقي داخل نسيج المجتمع؛ وبأنه لابد أن يكون كالشجرة وارفة الظلال والثمار التي تستمد شرايين الحياة من تربة الوطن والمجتمع؛ والمشاركة الجادة والصادقة في أفراحه وأتراحه؛ ومعرفته بدور الفن الجاد في العمل على ازدياد الثقافة المعرفية وارتفاع الذائقة الجمالية لدى كل الشرائح البشرية بمختلف ثقافاتها وطبقاتها في تركيبة المجتمع؛ فالإبداع: مقاومة لكل أشكال القُبح والخنوع والخضوع لسلطات القهر والاستبداد لشرائح المجتمع كافة. 
 
ومن هذا المنطلق والمنطق الذي لا يتزعزع؛ كان له شرف المشاركة وسط الثوار في الأيام الأولى لثورة 25 يناير؛ والإضاءة على الدور الذي لعبه الفنانون والمبدعون في اعتصامهم الشهير بوزارة الثقافة المصرية؛ وتسجيل اعتراضهم على "توزير" أحد قيادات الإخوان على "وزارة الثقافة"؛ بل قام بتوثيق تلك الثورة عن طريق رسم اللوحات الجدارية في مدن مصر وربوعها، الأمر الذي كان له أكبر الأثر في تلك النجاحات التي حظيت بها ثورة يونيو إلى يومنا هذا.
 
 والفنان محمد عبلة أجاب عن سؤال: كيف ترى المسئولية المجتمعية للفنان؟ فقال: يحزنني إلغاء حصص الرسم والموسيقى والألعاب من المدارس، فكثير من الطلاب كانوا يحبون الذهاب إلى المدرسة لممارسة هذه الهوايات، إذن فهي دعوة صريحة لإعادة النظر في شكل المناهج الدراسية في مراحل التعليم كافة؛ لإيقاظ المَلَكات الفنية والإبداعية في روح الأجيال الصاعدة في مصرنا وعالمنا العربي.
 
أما عن من هو صاحب الوسام: فهو الشاعر الألماني "يوهان جوته".. الذي نشأ في مدينة فرانكفورت في أغسطس من العام 1749، وتوفي في مارس من العام 1832؛ وكان شاعرًا وعالمًا وواحدًا من أهم مبدعي الشعر باللغة الألمانية، ومن أشهر أعماله: "آلام فيرتر، وفاوست، ومن قصائده بروميثيوس، المرثيات الرومانية، والديوان الغربي والشرقي"، والذي ظهر فيه تأثره بالفكر العربي والفارسي والإسلامي!؛ ويُعد في ألمانيا وخارجها ممثلًا للفكر الألماني، ومُجّد في الإمبراطورية الألمانية باعتباره الشاعر القومي الألماني والمعبّر عن "الجوهر الألماني".
 
وأخيرًا.. لا يسعنا إلا تقديم كل التهنئة للفنان القدير محمد عبلة على نيل هذا التكريم المستحق؛ ونثمن الدور البارز الذي قامت به الدكتورة "نيفين الكيلاني" في الاحتفاء بالفنان المكرم في مشهد رائع في الساعات الأولى من توليها قيادة وزارة الثقافة المصرية؛ ونشيد بتصريحها المبشر في الإعلان عن إيمانها بدور الثقافة والفنون ؛ ومدى التأثير الإيجابي في مسيرة المجتمع نحو الارتقاء بالذائقة الجمالية والمعرفية.

وتحيا مصر بقلوب أبنائها الشرفاء من المبدعين.
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: