سبقت معركة التل الكبير، آخر الحروب الأنجلو مصرية، عدة حروب انتصر فيها الجيش المصري على جيش التاج البريطاني وقاومه مقاومة عنيفة.
موضوعات مقترحة
بدوره يقول المؤرخ محمد محمود زيتون في كتابه "إقليم البحيرة"، إنه في 11 يوليو 1882م وبناء على مؤامرة الخديو توفيق مع الإنجليز للقضاء على ثورة أحمد عرابي، قام الأسطول البريطاني بضرب الإسكندرية، وقام إبراهيم توفيق مدير البحيرة، وهو من الجراكسة بإرسال 500 من عرب البحيرة لحراسة الخديو في قصره بالإسكندرية، بينما هتف الشعب المصري في كل مكان "مين زى العسكر في الطوابي .. الله ينصرك ياعرابى"، بينما خرجت مظاهرات حاشدة في الإسكندرية رفعت هتاف "ياسيمور يا وش القملة.. مين قالك تعمل دى العملة".
أدرك عرابي حينها أن التحرك مهما خاصة بعد أن ألقى الأسطول البريطاني مراسيه على الإسكندرية التي حولها خرابا، واشتعلت الحرائق في الإسكندرية بأمر من محافظها عمر باشا لطفي، فيما اشتعلت الفوضى في طنطا بالغربية أيضا، وكان على عرابي مسؤوليات عدة، منها حفظ الأمن في المديريات، وأن يدافع عن وطنه؛ لذا قرر إرسال ضباط شرطة لطنطا، وقرر عمل خطة استعداداً للحرب، حيث جعل للحرب ميدانين الغربي ومركزه كفر الدوار، والميدان الشرقي عبر قناة السويس.
عرابي يدير المعركة ضد الإنجليز
جمع عرابى المهندسين الحربيين، حيث تم اختيار منطقة كينج عثمان، وقد نجحت الخطة، حيث تمكن العرابيون من الصمود أمام الاحتلال البريطاني لمدة خمسة أسابيع، وقد تم الدفع بمجاهدين جدد من كافة المديريات للدفاع عن مصر، حيث جاء متطوعون من الصعيد، والغربية، والمنوفية، والبحيرة، وتم عمل استحكامات محصنة، تحت إشراف طلبة عصمت قائد منطقة كفر الدوار.
حشد المتطوعين للجهاد
ويقول المؤرخ عبد الوهاب أبو بكر في كتابه "البوليس المصري"، إنه في وقت مهاجمة الأسطول الإنجليزي لمدينة الإسكندرية، في شهر يوليو عام 1882م، كان على الشرطة المصرية التي كانت جزءًا أساسيًا من الجيش أن تقوم بدورها في النضال والدخول في حرب مباشرة مع المحتلين الإنجليز الذين دفعوا بقوات هندية مرتزقة لاحتلال السويس، حيث قام الجيش المصري ببطولات كبيرة، واستطاع عرابي جمع 10 آلاف متطوع للدفاع عن مصر في كافة المحافظات.
احتلال الإسكندرية
وأكد أبو بكر عبد الوهاب في كتابه تاريخ البوليس المصري، أنه عندما سقطت الإسكندرية في يد الإنجليز في 12 يوليو 1882م لجأ الأميرال برشامب سيمور قائد الأسطول البريـطاني إلى استخدام بحارة السفن الإنجليزية لحفظ الأمن وشكل قوات أوروبية من بحارة السفن الراسية، وتم تسريح رجال الجيش والشرطة في مصر بعد التنكيل بهم تمت إدانة 43 رجلاً ما بين بكباشي وجندي نسب إليهم الهياج وجرح الأجانب والاشتراك مع الأهالي في قتل الأجانب، وكانت الأحكام متنوعة في إعدام 13 من الضباط والجنود وتجريد وسجن البعض فيما كان علي عرابي أن يذهب بقواته للتل الكبير.
تضحيات رجال البوليس
ويضيف أبو بكر في كتابه "البوليس المصري" أن مشاركة قوات الأمن في الثورة العرابية لم تكن قاصرة على مدينة الإسكندرية فقد تزعم جنود الإطفاء في دمياط ثورة المدينة فهاجموا القنصلية البريطانية، وأنزلوا السارية التي كان يرفع عليها علم القنصل ونهبوا محل جناب الويس القنصل وقد حكمت المحكمة العسكرية على المتهمين بالأشغال الشاقة في سواكن بالسودان فيما استخدمت بعض المدن في الصعيد السلاح ضد المحتلين رغم قلة عدد المصريين 13) ألفا)، إلا إنهم أوقعوا هزائم بالقوات البريطانية التي كان قوامها 30 ألفا، خاصة في مناوشات كفر الدوار.
الملكة فيكتوريا ترسل ولدها للمعركة
لم يعبأ عرابي والمصريون بمنشورات الخديو التي قررت عزل أحمد عرابي من منصب وزارة الجهادية "الحربية"، إلا إن الإنجليز قاموا بنسف خطوط السكة الحديدية والتلال والأتربة والتحصينات التي صنعها العرابيون، وعاودا الهجوم على كفر الدوار يوم 5 أغسطس سنة 1882م، وتم الاشتباك إلا إن العدو تراجع للإسكندرية مرة ثانية خاصة حين أرسل عرابي اليوزباشى عبد الرحمن محمود من عائلة محمود بالرحمانية ومعه قوات إلى القصاصين، حيث انتصر اليوزباشى محمود عليهم، ورغم ندم الإنجليز على معاودة الهجوم، إلا إن ملكة بريطانيا فيكتوريا، أوفدت ابنها دوق أوف كانوت، ومعه حملة كبيرة لمساعدة ولزلى فتضاعف عددهم.
خديعة ديليسبس
قام المصريون بقتل قطار محمل بالجنود الإنجليزية، ويؤكد محمد زيتون أن الإنجليز يأسوا من هزيمة الميدان الغربي؛ لذا كان عليهم التوجه للميدان الشرقي عبر قناة السويس، وقد حاول أحمد عرابي ردم القناة، إلا إن ديليسبس اعترضه وأقنعه أن الإنجليز لن يعبروا القناة، بعد اتفاق ديلسبس مع الإنجليز والخديو لخيانة عرابى، حيث عبر الإنجليز القناة، ودخلوا فجأة لكفر الدوار، وألحقوا بالمصريين الهزيمة في 13 سبمتبر، بينما مكنهم أتباع الخديو من العبور نحو القاهرة لاحتلالها قبل منتصف سبتمبر 1882م.
كان روتشيلد الإنجليزي اليهودي هو المنتصر الوحيد من هزيمة أحمد عرابي في موقعة التل الكبير، بينما خسرت مصر والعالم حريتها أمام البنوك الرأسمالية.
يقول د. حسين مؤنس في كتابه "باشوات وسوبر باشوات" إن الخديو إسماعيل أغرق مصر في الديون وكانت معظمها غشًا وتزويرًا من الأوروبيين؛ لذا انتقل الصراع هنا بين المصريين والأجانب وهذا ما كانت تخشاه أوربا لذا قامت بعزل الخديو إسماعيل وتولية ابنه توفيق الحكم، وقد أحاط بالأجانب اللصوص ورجال البنوك الانتهازيون لتتأجج الحركة الوطنية المصرية بقيادة أحمد عرابي، مؤكدة أن مصر كانت غنية وذات ثروات لذا تكالب عليها الإنجليز والأوربيين لامتصاص خيراتها.
معركة التل الكبير
وأكد مؤنس إن معركة التل الكبير كانت قاسية، لكن خاضها عرابي ورفاقه بكل بسالة وشجاعة رغم أن عرابي كان وحيدا، فأوروبا ومعها أمريكا الناشئة آنذاك لم ينظروا لثورة عرابي بأنها ثورة محلية وطنية بل وجدوها تمردا عالميا على الاستعمار، لذا كان القنصل الألماني أكثر المعارضين الأوربيين لأحمد عرابي، أما الجنرال الأمريكي شابيه لونج وكان يعمل في الجيش المصري فقد كان يحرض على أحمد عرابي ورفاقه، ويضيف مؤنس أن عرابي خاض المعركة وانهزم ولم يكن له مفر من الهزيمة لكن من العجائب أن الهزيمة عند المصريين هي بداية النصر، ففي كل هزيمة عقبها انتصار كاسح.