قد يبدو للبعض أن عنوان المقال صادم، ولكنه واقع عالمي، وله مكانة دولية ونصيب يعتد به، حيث قد تصل حجم تجارة الحشيش العالمية إلى قيمة الـ تريليون دولار، وهو ما يمثل نحو 40% من حجم تجارة المخدرات العالمية والتي تصل قيمتها إلى قرابة الـ 2.7 تريليون دولار، وعلى الرغم من عدم مشروعية تلك التجارة إلا أن حجم تداولها في تزايد مستمر، ليتنوع الاستخدام الدولي ما بين استخدام ترفيهي أو بغرض الاستخدام الصناعي وبخاصة صناعة الأدوية، وفي هذا الإطار تنوعت مشروعية وإجازة تداول الحشيش ما بين عدم إجازته وفقًا لقانون الدولة وبالتالي يتم تجريم تداوله، وما بين إقرار إجازة تداوله وتحديد مجالات استخدامه وأماكن زراعته، ومن ثم تقنين تعاملاته.
ومن أهم الدول التي تقنن استخدام الحشيش في التعاملات الترفيهية والصناعات وبخاصة الصناعات الدوائية هي الولايات المتحدة الأمريكية إذ تصل عدد الولايات المسموح فيها تداوله إلى حوالي 40 ولاية، كما تجيز كل من فرنسا وألمانيا تداول الحشيش، وكذلك كل من النمسا وكندا وهولندا ونيوزيلندا والهند وإيطاليا واليابان وكوريا وبولندا ورومانيا وشيلي والصين وسلوفينيا، والسويد وسويسرا وتايلاند وتركيا والدنمارك وفنلندا وأوكرانيا وأستراليا، إلا أن المتربع على عرش تجارة الحشيش الدولية هي فرنسا لتتحكم في قرابة 70% من حجم تجارة الحشيش العالمية وفقًا لأحد المواقع الإلكترونية، يليها الصين بنصيب 25% وتتوزع النسبة الباقية بين الدول التي تجيز استخدامه.
ومن الجدير بالذكر أنه إذا ما نظرنا إلى أكبر الدول المستهلكة للحشيش سنجدها تختلف تمامًا عن تركيبة الدول المنتجة والمصدرة له، وإذ ربما لا تجيز تداوله قانونًا على أراضيها، لتنضم مؤخرًا دولة المغرب إلى قائمة الدول التي تجيز قانونًا زراعة الحشيش وتحدد استخداماته في الأغراض التصنيعية وتحدد مناطق زراعته، بينما يظل استعمالها لأغراض "ترفيهية" محظور، لتصبح المغرب ووفقًا لعدد من التقارير، أكبر منتج ومصدر للحشيش على مستوى إفريقيا، وأكبر مورد للحشيش إلى أكثر من 17 دولة أوروبية، ولا يوجد إحصائيات دقيقة حول حجم الصادرات إلى تلك الدول، ولكن هناك بعض الدراسات أشارت إلى تقديرات تقترب من 700 طن بقيمة تصل إلى حوالي 25 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 42 مليار دولار بالتوسع بدرجة أكبر في التصدير إلى الأسواق الاوروبية، هذا وتراهن المغرب على استغلال الفرص التي تتيحها السوق العالمية للحشيش، بل وتسعى إلى استقطاب الشركات العالمية المتخصصة في هذا الميدان الصناعي والطبي، ومن خلال تقنين تلك الأنشطة تبرر المغرب تقنين تلك التجارة بالاستناد إلى رغبتها في تحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات، إذ يعمل في تلك الزراعة قرابة المليون شخص مغربي، وكذلك خلق فرص عمل في الصناعات القائمة على هذا المنتج الزراعي، وهو الأمر الذي ينعكس على الاقتصاد ككل من خلال ضم عوائد تلك الأنشطة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة حصيلة الضرائب وجذب نقد أجنبي، لتعامل تلك الأنشطة مثل باقي الصناعات.
ومن الجدير بالذكر أن المغرب قد أقرت إجازة زراعة تلك النبتة بغرض استخدامها في الصناعة أسوة بالعديد من الدول، وذلك بعد قرار الأمم المتحدة بسحب القنب الهندي (الحشيش) من لائحة المخدرات الأكثر خطورة، وهو الأمر الذي ينبئ بالتوجه العالمي الذي يمهد له القرار الأممي الطريق أمام الاستعمالات الطبية لهذه النبتة، إذ امتدت استخدامات تلك النبتة إلى العديد من الصناعات مثل صناعة الورق، والمنسوجات، والتي تقترب في جودتها من القطن والكتان، وتعد نبتة القنب واحدة من أسرع المصادر الطبيعية المعروفة نموًا، وتتماشى مع فكرة المستقبل الأخضر وهو هدف تزداد شعبيته يومًا بعد يوم، كما أنه نبات لا يتطلب الكثير من المبيدات، بالإضافة إلى التوسع في استخداماته الطبية وصناعة الأدوية المخصصة لعلاج حالات الصرع والسرطان واضطراب الوزن، وبعض أنواع السكر والأمراض النفسية والعصبية، وتتراوح عدد المركبات الطبية أو الصناعية التي يتم استخلاصها من القنب ما بين 80 إلى 100 مركب كيميائي. وعلى الرغم من الجوانب الإيجابية التي يمكن ترويض تلك النبتة في اتجاهها، واتساع نطاق حجم تداولها واستخداماتها إلا أن أغلبية التوجهات الدولية تميل إلى حظر التداول الصريح لها، ويقال أن سبب تلك التوجهات العالمية نابع من تحكم عدد من الأسر عالميًا في تلك التجارة والصناعة والمعروفة باسم "المافيا"، وبالتالي حظرها يدعم زيادة حجم أرباحهم الناتج عن زيادة أسعار منتجاتهم نتيجة الحظر، إلا أن المؤشرات الدولية الراهنة تميل إلى إمكانية إجازتها قانونيًا، كما أن الخطوات الدولية المتخذة تسير في اتجاه يعجل من النمو السريع لتلك الصناعة بشكل أكبر، إلا أنها مازالت تحتاج إلى دعائم أهمها وجودبيئة تنظيمية دقيقة، وأطر بحثية وابتكارية متطورة.
* خبيرة اقتصادية
[email protected]