Close ad

حدث بالفعل.. المرأة غير ملزمة

8-9-2022 | 14:32

زحام الأفكار أمر رائع، ظاهرة صحية بكل تأكيد حتى ولو استغلها البعض من محترفي وضع السم في العسل، أمر عادي لا هو غريب ولا جديد، قد يبهرك الشيطان بإتقانه في عمله، لكن يبهرك أكثر أن تراه شاعرًا بالعجز والضعف أمام شياطين الإنس وهم يتشدقون بالمبادئ والأخلاقيات، ويتسابقون للدفاع عن الحقوق والحريات، لينشروا فكرًا مريضًا نتيجته الوحيدة والمؤكدة هى الخراب المستعجل، يتمون عملهم ويحققون هدفهم في مجرد "تويتة" أو "ترند" في حين يستغرق الأمر من الشيطان جهدًا كبيرًا ووقتًا طويلًا. 

آخر تقليعة أثارها هؤلاء هي عبارة "المرأة غير ملزمة"، كلام فضفاض لا طائل منه، أسعدني كثيرًا الرد عليه بمنتهى الموضوعية من نساء أدركن معنى الحياة والمشاركة والمودة والرحمة.

نساء أدركن الهدف من وجودهن وعملن على تأهيل أنفسهن ليصبحن أمهات صالحات، هو أمر لو تعلمون عسير، لأن ثقافة كيف أكون أبًا وكيف تكونين أمًا هى ثقافة مفتقدة فى مجتمعاتنا إلى حد كبير، وما توارثناه عن الآباء لا يكفي فالأمور في تطور مستمر، وبما يتطلب تعليمًا وتثقيفًا لكل من يقبل على الزواج، وربما قبل ذلك بكثير، حتى يكون نتاج العلاقة الزوجية أسرة سليمة البنيان واضحة المعالم.

وبمناسبة موضة "المرأة غير ملزمة" التى أصبحت على كل لسان، أذكر اليوم بعض المواقف - التى قد تبدو للبعض بسيطة وعادية - للسيدة أميمة سلطان، أذكر اسمها لتأكيد الوقائع، وأنها ليست من بنات أفكاري، سيدة مصرية أنهت تعليمها الجامعي وعملت محامية وشهد لها زملاؤها بالتميز، عند زواجها وضعت الأولوية لأسرتها وألزمت نفسها "بنفسها" بالقيام بدور الزوجة والأم أولًا، ثم يأتى العمل في المرتبة الثانية.

أحكى عن الأم التي تتابع وتراقب وتصلح أحوال أبنائها ولا تقول أنا غير ملزمة، فى أحد الأيام يعود إليها ابنها الصغير ذي السنوات الأربع من مدرسته ويحكي لها أن أحد زملائه جاء إليه ليلعب معه لكنه رفض، سأله زميله: مش إحنا أصحاب؟ فرد عليه متجهمًا: لا لسنا أصحابًا، سألته الأم ولماذا قلت له ذلك؟ قال لها لأننا فعلًا مش أصحاب.. قالت لكنكم زملاء فى نفس الفصل، وهل كنت تغضب لو ذهبت لتلعب معه، وفعل معك نفس ما فعلت؟ قال أكيد، قالت له يبدو أن زميلك يحبك كثيرًا ويفضلك على الآخرين، ويريد أن تصبحوا أصدقاء، لذلك أتى إليك وطلب اللعب معك، أعتقد لو صالحته واعتذرت له سوف يكون في منتهى السعادة.. أعتذر له! ولماذا أعتذر، أنا لم أخطئ، قالت طالما أنك لا تقبل أن يفعل بك مثل ما فعلت به فهذا يستوجب الاعتذار، ما رأيك؟ صمت الطفل ثم نظر إلى أمه مبتسمًا.

فى اليوم التالي تذهب السيدة أميمة إلى المدرسة، وتخبر الناظر بما حدث، وتطلب منه أن يحضر الطفلين ليعتذر ابنها لزميله عما بدر منه، أتى الطفلان فأخرجت الأم من حقيبتها كيسًا من الحلوى قدمته لزميل ابنها قائلة: «إن صديقك يريد أن يصالحك فما رأيك»؟ ابتسم الطفل وأومأ برأسه موافقًا، فطلبت من ابنها أن يقبل زميله ويمسك بيديه ليعودا إلى فصلهما.

أنهت الأم مهمتها والتفتت لتجد ناظر المدرسة ينظر إليها بتعجب ثم يقف شاكرًا إياها متمنيًا أن تفعل كل الأمهات مثلها، وقال الحقيقة أي أم كانت سوف تتغاضى عما بدر من ابنها وتقول أنها تصرفات أطفال، بل هناك من قد تبرر لابنها ما فعل وتبحث عن أخطاء لزميله، ابتسمت وقالت يا حضرة الناظر ما فعلته هو الأمر الطبيعي الذى يجب على كل أم أن تفعله، وعامة كل شخص يجني ما زرعت يداه.

نفس الأم تستقبل "حماها" في منزل والدها، ذهب للاطمئنان عليها بعد وضعها طفلتها الثانية، كان الطفل الأول ما يزال في الثانية من عمره، هو أول حفيد وبالتالي له عند جده أولوية لم ينافسه فيها أحد، أول فرحة كما يقولون وكان الجد متعلقًا به إلى أقصى درجة.

فوجئ الأب بزوجته تطلبه على الهاتف لتخبره أن الطفل قد ثار ثورة لا يعلمون لها سببًا وأصابته نوبة من البكاء الشديد وعندما حاول الجد أن يهدئ من روعه ثار فى وجهه باكيًا وصارخًا ومصممًا أن يرحل الجد على الفور، لم يدر الأب ماذا يفعل، طلب من الجد أن يضرب الحفيد لكنه رفض وكاد أن يبكىي، ثم تركهم وعاد إلى بيته.

لكن أين "غير ملزمة" في تلك الحدوتة؟ 

مرة أخرى الزوجة على التليفون تخبر زوجها أنها لا تستطيع النوم وقد حدث ما حدث، لابد وأن تراضي "حماها"، لن تتركه حزينًا مما فعله حفيده، ضحك زوجها وأكد لها أن أبيه قد يحزن لبكاء الحفيد، لكنه لن يغضب منه أبدًا، لكنها صممت، قال لها إنتي قد وضعتي طفلتك منذ أسبوع، وكانت ولادتك قيصرية ولم تتعافِ بعد، قالت لا سوف أذهب، وفوجئ الجد وهو يفتح الباب بزوجة ابنه تحمل طفلها على يديها، وعلى وجهها آثار التعب والإرهاق، صرخ في وجهها لماذا تحركتي من سريرك؟ قالت جئت لكي يصالحك حفيدك، نظر إلى الحفيد فوجده يبتسم له بعد أن هدأ وعاد إلى طبيعته، ابتسم الجد وقال له: «إزيك يا حبيبى أنا مين»؟ قال له: «إنت جدو حبيبى»، وعادت المياه إلى مجاريها.

نفس الأم تتابع أبناءها فى دراستهم، تعرف أسماء المعلمين وطباعهم، طفلتها صاحبة الأنشطة المتميزة في المدرسة كانت محبوبة من مدرسيها وتحكي لأمها عنهم دومًا.

وجاءت حفلة عيد الأم وتفاجئ الأم ابنتها بقصيدة شعر كتبتها لها تتضمن أسماء كل المدرسين بتخصصاتهم وسماتهم المميزة، وتقف الابنة في الحفل لتفاجئ الجميع بذلك، وينتهي الحفل بتكريمها، وصورة جميلة لناظر المدرسة وهو يحييها ويقبل يديها أمام الجميع. 

تحية لكل أم عرفت دورها وأتقنته لتلقن كل الألسنة الماجنة درسًا حول التكامل والتعاون والمودة والرحمة في بناء الأسرة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة