الرغيف.. كان يُعد بمثابة (قَمَر الغلابة) في سماء عوالمهم أينما كانوا على ظهر البسيطة: مياهها ويابسها! وهذا أيام كانت "مصر المحروسة " تسمَّى ــ بكل الصدق ــ (سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية) في الزمن القديم؛ بل حظيت بعد ذلك بلقب (سلة غذاء العالم)!
ولكن.. ماذا حدث؟ ولماذا انقلب المثلث على أم رأسه؟
أصبح الرغيف "شمسًا" و"قمرًا" في سماء كل شعوب العالم في مشارق الأرض ومغاربها؛ الأغنياء منهم والفقراء؛ بل أصبح رمزًا لاستبيان حالة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؛ ولا أبالغ إذ أقول: بل انعكست ظلاله على حالة الفن والفنانين من المبدعين والشعراء!
والحديث عن "الرغيف" رمز الاستقرار ورخاء الأحوال؛ يشدُّنا إلى ضرورة الولوج إلى صُلب مكونات هذا الرغيف.. وهو "القمح"؛ الذي يُعد أهم مكوِّن غذائي على مستوى العالم، ليس فقط في الطعام بل يدخل في صناعة الكثير من العلاجات والمواد الطبية، كطعام يُستخدم في صناعة الخبز الغني بمادة "الجلوتين" التي تجعل العجين مرنًا وتعطيه مذاقًا جيدًا، والمكرونة التي تُصنع من حبوب القمح الخشنة والأقل جودة، كما يستخدم كمكون ضمن صناعة أعلاف الحيوانات.
ولعلي أستطيع التفسير لهذا الانقلاب النوعي في حياتنا الاجتماعية في مصر ـ بل العالم العربي أيضًا ـ والحديث عن التحول القهري من "سلة غذاء العالم " إلى دولة مستوردة للكثير من المواد الغذائية التي تضمن الاستقرار المجتمعي والاقتصادي.. والسياسي!
وهنا.. يقفز السؤال البديهي والمنطقي؛ وهو السؤال الذي تبحث عن إجابة شافية له الإدارة الوطنية المصرية بقيادة الرئيس/عبدالفتاح السيسي.. فكانت البداية ــ منذ فترة هي ما أراه ــ من زاويتي ــ صرخة للصحوة الزراعية.. تلك الصرخة التي جاءت بتوجيهات الرئيس السيسي؛ بالإسراع بإعادة النظر في السياسة الزراعية؛ بداية من الأمر الفوري بإزالة التعديات على الأراضي الخصبة في قلب دلتا النيل؛ وشمال وجنوب الوادي واستغلال مشروع "توشكى" والمساحات الصحراوي الشاسعة بالوادي الجديد؛ كي يعتدل "الميزان" في تركيبة المحاصيل الزراعية التي تمس حياة وأنفاس الملايين من المصريين؛ وانتظارًا لحصاد ماينعكس من رفاهية على حياتهم وحياة الأجيال الصاعدة: اجتماعيًا واقتصاديًا.. وسياسيًا!
ولنستعرض سويًا خلاصة التوجيهات والتوجهات التي قام بها فخامة الرئيس السيسي؛ ولم تكن تلك التوجيهات وليدة اللحظة.. بل جاءت متواترة منذ اللحظات الأولى لقيادته المجيدة في الثلاثين من يونيو؛ والقضاء على خفافيش الظلام التي قامت بالتجريف لكل مقومات الحياة على أرض مصر!
ولعلي أتيت بمصول "القمح" كمجرد رمز مهم في الحياة الاجتماعية؛ ولكن جاءت التعليمات لتشمل كل المنتوجات الزراعية على المستوى الإقليمي والقومي.. لتتوالى الإنجازات والطفرات التي تحققت في القطاع الزراعي ومجالاته العديدة من إنتاج نباتي وداجني وسمكي؛ إضافة إلى المشروعات التنموية العملاقة التي ظهرت على الخريطة المصرية خلال السنوات العشر الفائتة؛ تلك المشروعات التي أسهمت في تحقيق ما نراه الآن من نهضة زراعية شاملة؛ تضمن استمرار تدفق تيار التنمية الزراعية في نهر الحياة المصرية.
ولم يقتصر الأمر على التوجيهات بإعادة النظر في تركيبة المحاصيل الزراعية.. بل قامت الدولة بالدعم للصادرات الزراعية من "فوائض" المحاصيل؛ إلى جانب البرنامج القومي لإنتاج "البذور" لتقليل وتحجيم فاتورة الديون الخارجية؛ بالإضافة إلى زيادة الدعم للفلاح ـ تحقيقًا لمبدأ الأرض لمن يزرعها، وأيضًا تقديم الدعم لمربي الثروة الحيوانية في المزارع ومصانع الألبان ومشتقاتها.
وبكل الفخر والاعتزاز.. نرى الآن على الساحة المصرية أكثر من 320 مشروعًا زراعيًا تنمويًا عملاقًا بتكلفة ـ بحسب الأرقام والإحصائيات ـ ما يقارب من 40 مليار جنيه هذا إلى جانب مشروع "الدلتا الجديدة" الذي يُعد أضخم مشروع استصلاح في منطقة الشرق الأوسط للتوسع الأفقي؛ وتتجاوز التكلفة الـ 250 مليار جنيه؛ هذا.. مع استكمال المشروع القومي لتنمية البحيرات والمشروعات العملاقة في مجال تنمية الثروة السمكية بمنطقة غليوم وشرق التفريعة.
وللأمانة الوطنية والتوثيق للأجيال الصاعدة؛ لم تتوقف المشروعات التنموية الزراعية والصناعية؛ مذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي زمام القيادة الوطنية المصرية؛ ففي البداية أطلق الرئيس مايسمَّى بالمشروع القومي لاستصلاح المليون ونصف المليون فدان لبناء مجتمعات عمرانية جديدة قائمة على الزراعة من واحة الفرافرة في ديسمبر 2015.
ويشمل مشروع المليون ونصف المليون فدان 13 منطقة في 8 محافظات، تقع في صعيد مصر وسيناء، طبقًا لحالة المناخ وتحليل التربة ودرجة ملوحة المياه هي، قنا، أسوان، المنيا، الوادي الجديد، مطروح، جنوب سيناء، الإسماعيلية، والجيزة، وتم اختيارها بعد دراسات متعمقة، بحيث تكون قريبة من المناطق الحضرية وخطوط الاتصال بين المحافظات وشبكة الطرق العملاقة التي تتحول إلى "أخطبوط هائل" على خريطة مصرنا المحروسة.
إنها الصحوة الزراعية الحقيقية؛ التي تهدف إلى أن تعود مصرنا الحبيبة مرة أخرى ـ بحق ـ سلة غذاء العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر