يعد قطاع الزراعة قطاعًا حيويًا لتحقيق الأمن الغذائي المصري من خلال توفير المحاصيل الإستراتيجية، والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، المساهمة في النقد الأجنبي من حيث الصادرات السلعية واستيعاب عدد كبير من العمالة، حيث يشكل نشاط الزراعة والصيد والغابات نحو 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر، ويحقق قطاع الزراعة معدل نمو بنسبة 3.7%، ويستوعب أكثر من 25% من إجمالي القوى العاملة، وبلغت الصادرات الزراعية المصرية خلال عام 2021 حوالي 5.2 مليون طن، بقيمة 2.2 مليار دولار أي ما يعادل أكثر من 33 مليار جنيه مصري، لذا يعتبر هذا القطاع مسئولًا عن 18% من إجمالي الصادرات المصرية.
ومن ناحية أخرى تعتبر مصر إحدى الدول المستوردة للغذاء، فهي تستورد جميع السلع الغذائية الأساسية، وتصدِّر فقط الخضر والفاكهة، وفي المحصلة تستورد 60-70% من غذائها، وتعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، إذ تستورد أكثر من 10 ملايين طن، تمثِّل 58% من استهلاكها الكلي، وتستورد 50% من الذرة، و87% من زيت الطعام، و20-30% من السكر، و90% من الفول، و99% من العدس.
وتشير المحاور التالية لتكوين رؤية نحو ثورة زراعية شاملة لتحقيق الأمن الغذائي المصري:-
المحور الأول: التوسع الرأسي لزيادة إنتاجية المحاصيل الإستراتيجية
ويتحقق ذلك من خلال توجيه برامج تربية المحاصيل لإنتاج واستنباط أصناف متحملة الإجهادات البيئية غير الحيوية مثل الجفاف والملوحة والحرارة وتصميم برامج تربية لتحمل الإجهادات البيئية المتعددة معا مع استنباط أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية وقصيرة العمر وتستهلك قدرًا أقل من الأسمدة والمخصبات الزراعية والمياه لتعظيم الإنتاجية وتقليل الأسمدة واستخدام الكيمائية وتقليل استهلاك المياه، وتعظيم العائد من وحدة الأرض والمياه المتاحة، مع ضرورة تغيير التركيب المحصولي لتشجيع زراعة المحاصيل التي لا تحتاج كميات مياه كبيرة، مع الحد من زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه بكثرة مثل قصب السكر، والأرز، والموز، وإدارة الممارسات الزراعية بصورة جيدة وصحيحة مع إيجاد طرق بيولوجية بسيطة منخفضة التكاليف للتحكم في التأثير الضار للملوحة والجفاف والحرارة وتغيير المناخ.
المحور الثاني: التوسع الأفقي لزيادة الرقعة الزراعية
ويمكن تحقيق ذلك من خلال الحفاظ على الرقعة الزراعية القائمة حاليًا والعمل على زيادتها بواسطة مشروعات جديدة تضيف إلى رصيد القطاع الزراعي وتسهم في زيادة معدلات الإنتاج، بما يتفق مع إستراتيجية التنمية المستدامة في القطاع الزراعي، واتخذت الدولة المصرية خطوات كبيرة من خلال المشروعات الزراعية القومية مثل: مشروع المليون ونصف المليون فدان وتنتشر مساحته البالغة 1,5 مليون فدان على مواقع مختلفة يقع معظمها في الوادي الجديد والمنيا وتوشكى، ومشروع الدلتا الجديدة والذي يضم في نطاقه مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي، ويقع في غرب الدلتا القديمة بالساحل الشمالي الغربي منطقة محور الضبعة يرتكز المشروع على استصلاح واستزراع نحو 1.5 مليون فدان، كذلك مشروع إنشاء 100 ألف صوبة زراعية في نطاق مشروع المليون ونصف المليون فدان، مع ضرورة حماية الأراضي الزراعية والحفاظ على الرقعة الزراعية من خلال حظر البناء على الأراضي الزراعية أو تجريفها أو تبويرها أو حتى تركها بدون زراعتها لموسم زراعي واحد.
المحور الثالث: الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية الزراعية
يمكن تبني أنماط زراعية مستدامة وذكية مناخيًا تُركّز على الاستثمار الأمثل لوحدة الأراضي الزراعية وجودة المنتج المحلي وتعزيز قدرته على المنافسة، وتستند في مجملها إلى التقنيات والحلول المبتكرة، مع رفع كفاءة استخدام مياه الصرف الزراعي والصرف الصحي المعالج مع اتخاذ التقنيات والتدابير اللازمة لإدارة استخدام هذه النوعية من المياه في الأراضي المختلفة، وكذلك اختيار المحاصيل الملائمة للاستفادة من نوعية المياه، وتأهيل البنية الأساسية والداخلية لمنظومة المجاري المائية من الترع الرئيسية والفرعية والرياحات على مستوى الدولة من خلال المشروع القومي لتأهيل الترع والمشروع القومي لتطوير الري.
المحور الرابع: الإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات الزراعية
يتم تعزيز القدرة على الإدارة المتكاملة للآفات والأمراض من خلال وضع إستراتيجية لاسترجاع وظائف النظم الإيكولوجية – الزراعية الطبيعية من خلال تشجيع انتشار الأعداء الحيوية للمسببات المرضية، مع وضع برنامج إرشاد لنشر تقنيات الإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات، وإيجاد حوافز تسويقية لإنتاج المزارعين المتبنين لهذه التقنية، خاصة التقنيات الحيوية لمكافحة الأمراض والآفات، وإدماج التقنيات التكنولوجية في المكافحة من خلال تصميم تطبيق إلكتروني للهواتف الذكية يساعد المزارعين على رصد الآفات وتصويرها وتحديد موقعها ومشاركة المعلومات مع المتخصصين للتعرف على نوع الإصابة والتوجيه بالعلاج المناسب مع إنشاء خرائط لأماكن توزيع أهم آفات المحاصيل الرئيسية وتحديد مستوى انتشارها باستخدام نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد.
المحور الخامس: الإرشاد الزراعي وتنفيذ التحول الرقمي في قطاع الزراعة
يتحقق ذلك من خلال تفعيل دور الإرشاد الزراعي بهدف ترشيد استخدامات المياه والحفاظ على التربة من التدهور وتعظيم العائد الاقتصادي لوحده الأرض والمياه مع إنشاء قاعدة بيانات زراعية شاملة لتجميع بيانات الزراعة الذكية لكل المساحات المزروعة والتي يمكن استغلالها في تطوير المعاملات والآلات والبرمجيات الزراعية، والعمل علي إعداد خرائط الإنتاجية للمحاصيل المزروعة، وذلك بغرض حساب الإنتاج وتحديد المناطق ذات الإنتاجية المتدنية للكشف عن أسبابها ومعالجتها بالموسم المقبل باستخدام نظم المواقع الجغرافية وصور الأقمار الصناعية.
المحور السادس: تقليل الفقد والهدر أثناء الحصاد والتداول والتخزين
يمكن تقليل الفقد والهدر بدايةً من الإنتاج والحصاد، مرورًا بالتخزين، ومن ثم التجهيز والتعبئة، ثم النقل والتوزيع، وأسواق التجزئة والجملة، وصولًا إلى المستهلك في المنازل والفنادق والمطاعم، واستحداث منصــات مختلفة مـن الذكاء الاصطناعــي لربـط المستودعات والصوامع والبنية التحتية اللوجستية للمتابعة الدقيقة للحالة الصحية للحبوب والبذور والمواد المخزنة لتقليل الفواقد، أيضًا يجب العناية بعمليات النقل الآمن، مع أهمية أن تتم التعبئة في عبوات سليمة غير ممزقة، كذلك يفضل عدم استخدام العبوات المصنوعة من البلاستيك؛ حيث إنها تؤدي إلى رفع درجة حرارة الحبوب وزيادة رطوبتها.
وأخيرًا تسعى هذه الرؤية لتحقيق الأمن الغذائي، وفقًا لما تشير إليه منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) بأنه "توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة"، ويختلف ذلك عن المفهوم التقليدي للأمن الغذائي الذي يرتبط بتحقيق الاكتفاء الذاتي باعتماد الدولة على مواردها وإمكاناتها في إنتاج احتياجاتها الغذائية محليًا، لتكون محصلة الرؤية هي ضمان حصول جميع المواطنين بشكل مستدام على الأغذية الكافية والآمنة والمغذية التي تلبي احتياجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية لأجل حياة نشطة وصحية.
* أستاذ الموارد النباتية – كلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة