- د. هالة يسرى: معاهد ومراكز متخصصة ترصد ظواهر الميكروبات والأوبئة الناتجة عن تغير المناخ
موضوعات مقترحة
- د. عبد المسيح سمعان: الوعى وترشيد استخدام الموارد الطبيعية أمر غاية فى الأهمية
- د. أمل سعد: التعرض للحرارة بطريقة مباشرة يعرض الإنسان لضربة شمس
- د. سيد صبرى: علم النفس المناخى يهدف لفهم آثار التغيرات
هل هناك علاقة مباشرة بين تغيرات المناخ والصحة والأمراض، التى أصبحنا نعانى منها؟ وهل حقاً اختلفت طبيعة الأمراض عن السنوات الماضية ؟ وهل ظهرت أمراض حديثة لا نعرفها؟، إنها أحدث القضايا انتشارا وتهديدا فى عصرنا الحالى، مع آثار بعيدة المدى فى القرن الحادى والعشرين، فمن المتوقع أن يترتب على تغير المناخ آثار غير مسبوقة على الأماكن التى يستطيع الناس الاستقرار فيها، أو الزراعة، وبناء المدن، والاعتماد على النظم الإيكولوجية الفاعلة للخدمات التى يقدمونها فى العديد من الأماكن، وتؤدى تغيرات درجات الحرارة، وارتفاع مستوى سطح البحر إلى وضع النظم الإيكولوجية تحت الضغط، والتأثير على حياة وصحة الإنسان، حول هذه القضايا المهمة كان لـ «الأهرام العربى» هذا التحقيق:
توضح الدكتورة هالة يسرى - أستاذ علم الاجتماع، ورئيس قسم الدراسات الاجتماعية بمركز بحوث الصحراء - أن الأبحاث العلمية أثبتت مدى الارتباط الفعلى بين التغيرات المناخية، ووجود تأثيرات على كل شىء فى جوانب حياتنا المختلفة، وانتشار الأمراض بشكل كبير.
نحن نتحدث عن ارتفاع ملحوظ بدرجات الحرارة، فى الكرة الأرضية على مستوى العالم، فقد وصلت درجة حرارة الأرض إلى 1.2 درجة مئوية، وهذا الارتفاع يحاول العالم من خلال قمة المناخ المقبلة الوصول لحل له، والنجاح فى خفض هذه الدرجة، فهناك معاهد ومراكز صحية متخصصة تعمل على رصد ظواهر الميكروبات والأوبئة، الناتجة عن تغير المناخ وتقوم بنشرها، وثانى تأثير ملحوظ للتغيرات المناخية، هو النقص فى المياه العذبة التى تتسبب فى حدوث وفيات للعديد من البشر، ويتسبب نقص المياه فى قلة معدلات النظافة، بسبب عدم وجود مياه جارية، مما يؤدى إلى حدوث العديد من الأمراض الجلدية والجفاف، كما يؤثر تغير المناخ على صحة الإنسان بطرق عديدة، وتشمل الآثار الصحية لهذه الاضطرابات زيادة أمراض الجهاز التنفسى، والقلب والأوعية الدموية، والإصابات والوفيات المبكرة، المتعلقة بظواهر الطقس المتطرفة، وهناك بعض الفيروسات التى تظهر فى الأجواء الحارة، يصعب السيطرة عليها، والواقع أن العواقب البيئية لتغير المناخ، مثل ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة حالات الجفاف، والأعاصير المدارية، والفيضانات، وحرائق الغابات، وتملح الأراضى وتصحرها، هى أحد مسببات التغيرات المناخية وجميعها تؤثر على صحة الإنسان وحياته.
كما تسببت الأنشطة البشرية المختلفة، فى الدول الصناعية الناتج عنها الكثير من الانبعاثات الكربونية، فى انهيار الجليد بالقطب الشمالى بالتدريج على مدار السنوات، كما تسبب ذلك فى تهديد جزر بالاندثار، وهناك تأثير على الحيوانات والزراعة وعلى كل عوامل الحياة التى تساعد فى الاستمرار.
وقد بدأنا فى رصد هذه الظاهرة منذ السبعينيات، وبدأ العلماء فى رفع أصواتهم من خلال نشطاء البيئة ومراكز الرصد، وتأثيراتها على الأرض والفضاء وعلى كل شىء، وبدأت الهيئة الحكومية للتغيرات المناخية بتجميع الأبحاث العلمية المنشورة لدراستها، والاستفادة منها وإعداد منشورات علمية عالية المستوى، ولها معامل تأثير قوى على المتخصصين والمسئولين، ويقومون بتصنيفها، من خلالها يتم إصدار تقارير تقدم إلى قمة المناخ للاستفادة منها، فنحن نأمل من خلال القمة المقبلة فى أن تقل درجة الحرارة بالكرة الأرضية.
ويقول الدكتور عبد المسيح سمعان، أستاذ التربية البيئية فى جامعة عين شمس، ورئيس لجنة الجغرافيا والبيئة فى المجلس الأعلى للثقافة، إن وعى الإنسان وترشيده فى استخدام الموارد الطبيعية، ومنها الطاقة والمياه والغذاء أمر غاية فى الأهمية، للمساهمة فى تخفيف حدة التغيرات المناخية، والانتهاء من تنفيذ مبادرة زراعة 100 مليون شجرة، التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى، خصوصا مع الإعلان عن قمة المناخ (كوب 27) الذى تستضيفه مصر فى مدينة شرم الشيخ، فى شهر نوفمبر المقبل، ومن أهم العوامل المؤثرة فى التغير المناخى ومنها العوامل الطبيعية، وهى الشمس والرياح والأمطار، وعوامل الجاذبية تستطيع التكيف مع نفسها وهو أمر لا خطر منه، لكن تأثير العوامل البشرية هى الأهم والسبب الرئيسى فى ظاهرة تغير المناخ، متمثلة فى زيادة ثانى أكسيد الكربون الناتج عن الصناعة وعوادم السيارات، بسبب استخدام الوقود الأحفورى، الناتج من الأنشطة الإنسانية التى تحترق والمخلفات فى الشارع، والقطع الجائر للغابات التى تعد رئة الأرض، حيث تمتص ثانى أكسيد الكربون وتنتج الأكسجين، وبالتالى لابد من زيادة الغابات وليس قطعها لعمل توازن بيئى للأرض والمناخ.
كما أن هناك خطورة لثانى أكسيد الكربون، على ظاهرة تغير المناخ والاحتباس الحرارى، خصوصا فى زيادة نسبة الأخير فى الغلاف الجوى عن معدلاته الطبيعية من 28 جزءا من المليون إلى تضاعفه، وزيادة الآن إلى 400 جزء فى المليون، ومتوقع أن تصل إلى 500 جزء فى المليون قريباً، وهذا الأمر أيضا هو السبب فى الاحتباس الحرارى، حيث يقوم ثانى أكسيد الكربون بحجز أشعة الشمس داخل الغلاف الجوى، ثم يمتنع عن انعكاسها وخروجها من الغلاف تماما، مثل نظرية الصوب الزراعية وتغير مواسم الزراعة بداخلها، بسبب حبس أشعة الشمس داخلها، فمنذ عام 1860 زادت حرارة الأرض 1,2، الأمر الذى قد يراه البعض بسيطا، لكنه خطير جدا على الكائنات الحية والنظم البيئية، لدرجة أن العالم يصارع حتى لا تزيد درجة حرارة الأرض على 1,5 كحد أقصى.
وعن أهم مظاهر الاحتباس الحرارى، يقول: إنها تظهر بقوة فى ذوبان الكتل الجليدية فى القطبين الشمالى والجنوبى، وارتفاع مستوى سطح البحر والذى قد يسبب غرق بعض المناطق الساحلية، وزيادة حدة الأعاصير وتغير فى حجم واتجاه الأمطار، فمنذ عام 2015 بدأ العالم يتحدث عن التكيف مع تغيرات المناخ، كما أن مصر قد وقعت أخيرا على اتفاقية الحد من غاز الميثان، وهو ضمن أسباب تغيرات المناخ وينتج من المخلفات الزراعية وروث الحيوان، ومن الآثار المترتبة عن تغيرات المناخ، ظهور أزمة غذاء لعدد 7 مليارات ونصف المليار نسمة على مستوى العالم، بسبب التأثير على الإنتاج الزراعى ومحاصيله، كما ستتأثر العوائل البيئية ويحدث ما يسمى بظاهرة الانقراض لبعض الكائنات، مما يؤدى إلى اختلال فى توازن الطبيعة، وعلى سبيل المثال التأثير على الشعاب المرجانية، والتسبب فى تغيير لونها إلى الأبيض بسبب سخونة مياه البحار، كما أنها سوف تؤثر على صحة الإنسان، وتتسبب فى تفشى الأمراض الخطيرة والأوبئة، ومنها على سبيل المثال وباء الملاريا، وضربات الشمس وغيرها.
ويقول الدكتور سيد صبرى، الخبير البيئى، إن الحالة النفسية للإنسان تختلف وتتفاعل مع تغييرات الفصول الأربعة، مثل الاكتئاب فى فصل الشتاء والخريف، وهو الأمر الذى تمكن الإنسان من التكيف معه وتوقعه، لكن التغيرات المفاجئة والسريعة للمناخ، وأزمة المناخ الخطيرة وما يترتب عليها من آثار، تترك عظيم الأثر على الحالة النفسية للإنسان، لدرجة استدعت وجود فرع جديد من فروع علم النفس وهو: علم النفس المناخى.
فإن علم النفس المناخى، أحد المجالات المستحدثة فى علم النفس، ويهدف لفهم آثار التغيرات التى تطرأ فى الحالة النفسية للإنسان، نتيجة التغير المناخى، وإلى تعزيز سبل التواصل مع الجمهور وصناعة رأى عام بشأن تغير المناخ وآثاره النفسية.
والتغير المناخى المفاجئ يغير المزاج العام، والحالة النفسية عند معظم سكان الكرة الأرضية، وبدأت تظهر مصطلحات جديدة مثل: الغضب البيئى والكآبة البيئية، وهى مشاعر غضب واكتئاب وحزن شديد، موضحاً أن التأثيرات النفسية الناجمة عن التغير المناخى تأخذ أشكالاً مختلفة، مثل الإصابة بالإجهاد الناجم عن ظروف الطقس.
ويضيف صبرى، قد تؤثر أيضاً التغيرات المناخية فى رفع معدلات الانتحار فى عدد من البلدان حول العالم، فى ظل ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب الحاد. كما أن التغير المناخى يسهم فى زيادة معدلات العنف وضعف الوظائف الإدراكية، علاوة على الأرق و الهوس الاكتئابى.
وتقول دكتورة أمل سعد أستاذ صحة البيئة، والطب الوقائى ورئيس شعبة البيئة السابق بالمركز القومى للبحوث: التغييرات المناخية من أهم المشاكل الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة، ومن تأثيراتها المباشرة التعرض للحرارة بطريقة مباشرة، التى تؤثر على الجسم وحدوث ضربة شمس أو ضربة حرارية وهو الاسم العلمى لها، بسبب فقد الشخص للسوائل نتيجة العرق الشديد، ويحدث جفاف وعدم تركيز ويسبب فى بعض الأحيان الوفاة، والعلاج السريع هو أن يتم إنقاذ الشخص عن طريق الكمادات الباردة وليس المياه المثلجة، ومن الأشخاص الأكثر عرضة لهذه الضربات رجال المرور، وأيضاً من الممكن أن تحدث ضربة حرارية للشخص، وهو بداخل المنزل بسبب وجوده فى أماكن مغلقة، لا تتعرض للتهوية، ويتعرض كبار السن والأطفال، لهذه المشكلة لأنهم لا يشعرون بالعطش، ويوجد مركز بالمخ مع الأطفال، لا يحدث تدريب لهذه المراكز وبالتالى لا يشعر الطفل بالعطش ، ومع كبار السن يحدث ضعف لهذه المراكز، مما يتسبب فى حدوث جلطات، وأيضا للحوامل ترتفع درجة حرارة الجسم، ولعدم أخذ السوائل تدخل فى نفس الأعراض، ويحدث إجهاض وتسمم حمل، لو لم يتم إنقاذها فى الوقت المناسب.
والنصحية أنه لابد على كل شخص أن يتناول سوائل طوال الوقت ويشرب المياه، وهناك تأثيرات غير مباشرة، حيث تتسبب درجات الحرارة الزائدة فى نمو الحشرات الناقلة للأمراض، خصوصا الأمراض الناتجة عن وجود الباعوض الذى ينقل الأمراض من خلال إنسان لإنسان، ومن أشهرها الملاريا ومن حسن الحظ أننا تخلصنا منها فى مصر، لكن فى السودان توجد بؤر لانتشار الملاريا، التى تنتقل من خلال إنسان أو حيوان، وبالتالى تنقل البعوضة من الشخص المصاب إلى السليم، ووزارة الصحة العالمية تقوم بعمل توعيات ونشرات للمراكز الصحية وتتبنى حملات للقضاء عليها، وأيضا الأمطار غير المحسوبة ووجود أمطار بعنف فى مكان ما، وفى أماكن أخرى جفاف، وتزداد البرك، وبالتالى يزداد نمو البعوض والحشرات التى تنتشر حول البرك، مما يساعد فى نشر الأمراض، كما أن الحرارة تسرع من دورة حياة الطفيلى والفيروس فى جسم الحشرة مع الحرارة، وتزيد معها سرعة تكاثر الحشرة، وهناك مرض البلهارسيا، فقد قمت بنشر بحث فى عام ٢٠١٤ عن انتشارها والعوامل الوراثية لها، وكيف بدأت تظهر الحالات فى مناطق غير الصعيد، وفى وجه بحرى أكثر، وتأثير درجات الحرارة على القوقع الوسيط الناقل للبلهارسيا، وهى تنتقل عن طريق البويضة، وبعد ذلك ينتشر من خلال استعمال الشخص للترع، وكان سبب تغيير مكانها من الترع إلى النيل، هو أيضاً بسبب ارتفاع الحرارة والتكاثر، ووجدنا حالات مرضية لبعض الأشخاص العاملين بمناطق البحر الأحمر وسيناء، وعندما بحثنا وجدنا أنهم عمال وفلاحون من قرى بالصعيد مصابون بالبلهارسيا انتقل للعمل بسبب ملوحة الأرض الزراعية، وهجرة الفلاح للأرض والبحث عن مصدر رزق آخر له فى أماكن أخرى.
فقد انتبهت وزارة الصحة، إلى الاهتمام بالأماكن غير المعروفة على الخريطة، وهى من الأمراض المتوطنة فى مصر منذ القدم.
ففى الخارج اختلف المناخ، وفى أوروبا تحديدا بدأت تظهر مشاكل صحية أخرى، وبدأ الاهتمام بقارة إفريقيا لارتباط ارتفاع درجات الحرارة بها بأمراض القلب، مما يؤدى إلى حدوث قصور فى الدورة الدموية، فنحن فى مصر لا توجد لدينا إحصائيات محددة عن هذا الموضوع، ونعمل على وجود توصيات بها لحماية صحة الإنسان.