Close ad

متعاطي المخدرات وقسوة الفصل من الوظيفة

5-9-2022 | 15:18

لقد كتبت في محراب هذا الموقع العريق مقالًا بعنوان (المخدرات جريمة فى حق الوطن)، متصديًا فيه للسلوك السيء لظاهرة تعاطي المخدرات والاتجار فيها بصفة عامة، أو تعاطيها وتنظيم استعمالها بين من يشغل الوظائف العامة فى الدولة بصفة خاصة، دون وجود لعذر طبيٍّ أو سببٍ من أسباب الإباحة التي تأتي من خلال شهادات أو توصيات طبية تم توقيعها من جهات رسمية، ومن ثم يضحي معه وقف الموظف عن العمل مدة معينة وفى حالة العود يتم إنهاء خدمته بقوة القانون، لعدم إقلاعه عن تعاطي المخدرات بعد ثبوت إيجابية عينة التحاليل، حتى استحدث المشرع القانون رقم ٧٣ لسنة ٢٠٢١ في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، وأن الغاية التى تغايها من صدوره لهذا القانون، هو وضع ضوابط قانونية لجعل عدم تعاطي المخدرات كشرط من شروط الصلاحية للتعيين في الوظائف والاستمرار فيها، ومن هنا يتعين على العاملين في الدولة الالتزام والتقيد بنصوصه كمنطق سليم تكفله الدولة حماية للموظف والوظيفة العامة من تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات بين العاملين فيها، وهذا ما تقتضيه مصلحة العمل المستمدة من نصوص هذا القانون، حيث تنص الفقرة "الثانية" من المادة "الرابعة" منه وفي حالة إيجابية العينة يتم تحريرها وإيقاف العامل بقوة القانون عن العمل لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر…

بمقتضى هذه المادة يتم عمل تحليل فجائي للعامل أو المترشح للترقي للوظائف أو التعيين فيها، وإذا ثبت تعاطيه نتيجة التحليل الاستدلالي أو الكشف الطبي عليه يتم إنهاء خدمته بقوة القانون، وكان من الضروري أن يصدر المشرع المصري هذا القانون وتبرير ذلك هو حماية أرواح البشر والمرافق الاقتصادية للدولة، لأن تعاطي الموظف للمخدرات يشكل أكبر جريمة وأشدها خطورة، إذا تعلقت بحياة الإنسان وحماية مركز الدولة الاقتصادي حال خطر أو ضرر محتمل الوقوع، مثل سائق القطارات أو السيارات أو العاملين في الأعمال الخطرة في قطاع البترول والكهرباء... والأطباء وأطقم التمريض.. إلخ بمعنى كل من يملك العلم والخبرة المهنية وتعاطي مخدر فهو ليس حاضرًا للذهن، لأنه ليس أمينًا على حياته وحياة ومصالح الآخرين، فيجب نقل الموظف إلى أعمال أخرى معينة، وعدم ممارسته هذه الأعمال المذكورة حتى لو تعافى من تعاطي الحبوب المخدرة لأنه غير أهل لها، واختيار بدلًا منهم ممن يصلحون لتولى الوظائف العامة والأجدر بها.

لاشك أن المخدرات أصبحت خطرًا على سلامة الإنسان وأمن وسلامة الموظف في نفسه، لأنها تستهدف حياته ومصالح مرافق الدولة العامة،ومن الأخطاء التى أدت إلى نتيجة الكوارث وحوادث الطرق والقطارات كانت نتيجة تعاطي السائقين للمخدرات حتى إن مصر من أوائل الدول تسجيلًا لهذه الحوادث رغم ما تشهده من أعظم بنية تحتية متطورة في الطرق والكبارى، ومن أجل ذلك لابد من الكشف الدورى الفجائي على العاملين في الدولة لمعرفة مدى تعاطيهم للمخدرات من عدمه، وإذا ثبت تهربه أو قام بالغش في عينة التحليل أو وجد محاباة وحماية من رؤسائه ضعفاء النفوس، أو أى حائل يعوقه من التحليل دون عذر مقبول، فهو بذلك قد ركن بإرادته إلى جريمة الإضرار العمدي بالأرواح والمال العام والجهة التي يعمل بها فمن أجل ذلك يتحتم على الإدارة إنهاء خدمته هو وكل من تستر عليه من رؤسائه حماية لسلامة وأرواح ومصالح المواطنين.

وبناءً على ما تقدم من نصوص القانون، نجد أن المشرع يريد نقاء الوظيفة العامة من كل ما هو مستمر في تعاطي للمخدرات وعدم الإقلاع عنها، ويكون هداه السبيل إلى الأحق والأجدر لمن يستحقها من الموظفين العموم، وإذا نظرنا إلى القانون فنجده محل نظر لأن المشرع لم يفرق بين المدمن والمتعاطي وهل كان يصعب عليه أن يقررها صراحة في معرفة هذا التفريق، لأن المتعاطي هو شخص عادي يمارس حياته الطبيعية يتناول المواد المخدرة في أوقات ومناسبات معينة، ولكن قد يخطئ خطأ جسيمًا ولا يدرك ماذا يفعل ويتحول إلى مدمن، أما المدمن فهو نقيض المتعاطي تمامًا؛ لأنه يفقد حواسه الأخلاقية والعقلية دون التحكم في انفعالاته العصبية والمزاجية، ومن الجائز أن يكون ذلك زريعة يلجأ إليها الموظف المفصول إلى القضاء كحق دستورى لكى يحكم له بالعودة إلى العمل مرة أخرى، إلى جانب أيضًا بأن مدة الثلاث شهور التى منحها القانون للعامل لتطهير جسده من المخدرات حتى لا يفقد وظيفته ليست كافية، لأن الجسم يستغرق وقتًا طويلًا للتخلص من هذه السموم مما يجعل آثار المخدر باقية في التحليل، ثم كان من الأولى على المشرع أن لا يمس حياة العامل المخطئ المتعاطي بجزاء إنهاء خدمته بالفصل منها ولما له من قسوة على العامل وأفراد أسرته، أو قد تكون حالة الفصل من الخدمة لها دور في تغيير سلوكه الإجرامي يهدد الأمن والسلام الاجتماعي، وتنتشر جرائم القتل والسرقة والمخدرات... لأن الدستور ينص للحفاظ على الأمن القومي واجب، والتزام الكافة بمراعاته مسئولية وطنية، يكفلها القانون... وإن كنا نأمل من المشرع أن يسلك مسلك الجزاء من الناحية المادية، مثل الحرمان من الحوافز أو خصم جزء معقول من الراتب أو حرمان مؤقت من العلاوة السنوية، أو تأخير ترقية أو نزوله درجة وظيفية، كل هذه الجزاءات المادية سوف تجعله محل ازدراء وسط زملائه من الموظفين؛ مما يجعله يسرع في الإقلاع عنها والتعافى منها وهذه تعد قرينة جدية لمدى حسن نية الموظف في التخلص من هذه السموم التى فيها هلاك للمال والصحة والأخلاق، وإن ثبت عدم جدية الموظف وتمادى وأغواه شيطانه في الإسراف في تعاطيه للمخدرات فهو غير جدير بحماية الدولة له ولا يستحق الوظيفة العامة فجزاء له إنهاء خدمته، ويكون بذلك قد حققت الدولة التوازن بين سلامة الأمن الوظيفي للعامل من جهة وتحقيق المصلحة العامة من جهة أخرى فهذا التوازن يحقق التلاحم والتجانس والارتقاء بالوظيفة العامة، لأن الهدف من صدور القانون هو تحقيق الصالح العام.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة