Close ad

أثرياء الأوبئـة.. منذ ظهور فيروس «سارس» عام 2003

7-9-2022 | 19:35
أثرياء الأوبئـة منذ ظهور فيروس ;سارس; عام   الدولار
شاهيناز العقباوى
الأهرام العربي نقلاً عن

على غرار "أثرياء الحروب" أى الذين استطاعوا تحقيق أرباح طائلة خلال أو عقب اندلاع الحروب.. هناك "أثرياء الأوبئة" الذين حققوا ثراء خلال فترات انتشار الأوبئة، ففى الوقت الذى يقدر فيه مؤشر المخاطر أن الأوبئة تكلف الاقتصاد العالمى قرابة 600 مليار دولار سنويا، وذلك فى السنوات "العادية" التى لا تشهد انتشارا للفيروس على نطاق واسع، حقق الكثير من الأثرياء ثروات طائلة فى ظل انتشار الوباء، لأسباب ربما ترجع إلى زيادة حجم استثماراتهم من جهة أو نتيجة لاستفادتهم من الخدمات الاستثمارية والتسهيلات التى تقدم لتقليل حجم الخسائر، والعمل على الحد من الركود.

موضوعات مقترحة

كشفت دراسة أعدها صندوق النقد الدولى، عن أن "انتشار الأوبئة يكلف الاقتصاد العالمى تقريبا نحو 570 مليار دولار سنويا، أو ما يوازى نحو 0.7 % من حجم الناتج المحلى العالمى". فعلى سبيل المثال، فيروس "سارس"، الذى ظهر فى الصين عام 2003، سبب خسائر للاقتصاد العالمى تقدر بنحو 50 مليار دولار، عبر تأثيره على محركات النمو الاقتصادى الرئيسية فى العالم، كالتجارة والسياحة والنفط. كاشفا عن أن ذلك لم يمنع من زيادة عدد الأثرياء فى الصين وحدها خلال فترات الوباء بمعدلات ملفتة للنظر، هذا فضلا عن ارتفاع ثروات آخرين .

على سبيل المثال، فيروس «ميرس»، الذى انتشر فى كوريا الجنوبية، عام 2015، وتسبب فى تراجع حركة السياحة فى البلاد بنحو 41 %. وفيروس «إيبولا» الذى أصاب اقتصادات دول غرب إفريقيا بخسائر بلغت أكثر من مليارى دولار. هذا فضلا عن مرض "جنون البقر" الذى دفع الاتحاد الأوروبى إلى فرض حظر على واردات اللحوم البريطانية استمر لمدة 10 أعوام. فرغم الخسائر الكثيرة هناك دائما رابحون فى كل مرة، حيث حققت شرائح اقتصادية أرباحا طائلة خلال فترات الأوبئة لاسيما القطاعات التى تعمل فى مجال الخدمات الصحية واللقاحات والخدمات المساعدة فى مكافحة الوباء .
وفى سياق متصل تأتى التأثيرات على مستوى الأسواق المالية متناقضة، فيظهر أن هناك فائزون وخاسرون. فعلى سبيل المثال، أدى «سارس» الى ارتفاع أسهم شركات الأدوية والصيدلة بنسبة %14 فى الصين، وارتفعت ثروة الأغنياء فى الولايات المتحدة الأمريكية من 2.95 تريليون دولار إلى 3.8 تريليون دولار خلال ستة أشهر من بداية وباء كورونا، مما يعنى تحقيق مكاسب بقيمة 141 مليار دولار كل شهر أو 32 مليار دولار أسبوعياً أو 4.7 مليارات يوميا.

وجاء الصعود فى ثروات المليارديرات نتيجة ارتفاع قيمة شركاتهم، والتعافى القوى لسوق الأسهم، وبفضل حزم تحفيز قوية من جانب الحكومات والبنوك المركزية قدمت دعما ملحوظا للشركات الكبرى والأسواق المالية . ويشير مؤشر «بلومبرج» للأثرياء إلى أن 8 من كل 10 أشخاص أكثر تحقيقاً للمكاسب استفادوا بشكل واضح من تداعيات انتشار وباء كورونا وسياسات التباعد والعمل والدراسة من المنزل. مكاسب الأثرياء جاءت بدعم استفادتهم من القوى المشتركة للرقمنة والعولمة، التى تكافئ أصحاب رؤوس الأموال والمقربين منهم، فى حين يتخلف المعتمدون على الأجور الثابتة عن الركب.

والأمر لا يقتصر على الأثرياء فحسب، فعلى سبيل المثال لم تؤثر على أصحاب ما يطلق عليه "وظائف اقتصاد المعرفة" ذات الأجور المرتفعة، التى أثبتت قدرتها على التكيف مع العمل من المنزل بل الكثيرون منهم زادت مستحقاتهم المالية بينما نجح العاملون فى مجالات تتطلب تعليما مرتفعا، وتمنح أجورا عالية فى الحفاظ على أعمالهم فى عصر الوباء والتباعد الاجتماعي

كما يشير معامل «جينى» الذى يرصد التفاوت فى الدخل، إلى ارتفاع الفجوة بشكل ملحوظ فى أعقاب خمسة أوبئة ظهرت فى القرن الحادى والعشرين، كاشفا عن أن زيادة التفاوت فى الثروة تواكب مع أو بعد الأزمات الصحية بصفة خاصة، رغم جهود الحكومات لإعادة توزيع الدخل من الأغنياء إلى الفقراء، بفعل عمليات فقدان الوظائف وصدمات الدخل وتراجع فرص العمل بالنسبة إلى الأقل تعليما والعاملين فى الوظائف الأدنى دخلا.

وكان للأوبئة أيضا تأثير متباين وبشكل ملحوظ على عمليات التوظيف بناء على المستويات المختلفة من التعليم، التى تعد أحد مؤشرات المهارات الشخصية فى سوق العمل، فالحاصلون على مستوى تعليمى متقدم نادرا ما تتأثر وظائفهم بعد الأوبئة، فى حين أن وظائف الأقل تعليما تنخفض بشكل ملحوظ.

ويقول الدكتور محمود السعيد، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الأحداث التاريخية تؤكد على أن كثيرا من الساعين للربح يميلون إلى استغلال حالات الطوارئ والكوارث الإنسانية لتعزيز أرباحهم، وليس بعيدا ما حدث أثناء أزمة كورونا، حيث استخدمت بعض الشركات والنخب فى كل أنحاء العالم الأزمة الصحية لإثراء أنفسهم أكثر، وتوسيع نطاق سيطرتهم الإقليمية، وهناك أمثلة عديدة على ذلك فى مختلف الدول والمناطق منها فى كمبوديا على سبيل المثال، قام عملاق المطاط الفيتنامى "هوانج جيا لاي" بتدمير غابات مقاطعتين أثناء الإغلاق بسبب تداعيات كورونا لزيادة أرباحه، مما أثر على جبلين روحانيين مقدسين للمواطنين، جنبًا إلى جنب مع الأراضى الرطبة، والغابات القديمة النمو، وفى بنما، حدثت زيادة كبيرة فى السطو على الأراضى واستغلال المناجم، فضلاً عن قطع الأشجار والصيد غير القانونيين فى العديد من مناطق كوماركاس (أراضى السكان الأصليين) أثناء الإغلاق. وفى أوغندا، قامت شركات الصناعات الزراعية المدعومة من الشرطة والقوات العسكرية بنزع ممتلكات أكثر من عشرين مزارعا صغيرا، على الرغم من أمر الحكومة بوقف عمليات إخلاء الأراضى أثناء الإغلاق.

وفى غينيا قام مشروع مشترك مملوك من شركتين عملاقتين للتعدين بنقل أكثر من مائة عائلة من أجل توسيع منجم البوكسيت خلال فترة الإغلاق، التى فرضتها الحكومة. وتم نقل القرويين إلى موقع على قمة تل ملغوم يفتقر إلى السكن الملائم والمياه والصرف الصحى، وحيث كانت الأراضى الصالحة للزراعة غير كافية وفرص كسب العيش غائبة إلى حد كبير.

وأوضح أن هذا الميل لاستغلال الأزمات فى تحقيق أرباح ليس وليد اليوم، إنما يحدث دائما وأبدا من أشخاص وجماعات ودول فى الماضى، ففى وقت الأزمات صحية أو غير ذلك نجد أن هناك من التجار كبارا أم صغارا، إما أن يقوموا بزيادة الأسعار بشكل مبالغ فيه، وإما أنهم يحتفظون بالبضائع لإخراجها بأسعار أكبر فى فترات قادمة.
ولم يبتعد الدكتور كريم البرقوقى الخبير الاقتصادى عن هذه الرؤية مشيرا إلى أن مصطلح أثرياء الوباء قريب إلى حد كبير من مصطلح أثرياء الحرب، أى الذين استطاعوا تحقيق ثروات خلال الحروب أو بعدها، وكما هو معروف فإن أسعار السلع فى الأسواق تعتمد على فكرة العرض والطلب، أى لو كانت السلعة المعروضة الطلب عليها قليل ينخفض سعرها، فى المقابل يرتفع السعر فى حالة قلة المعروض مع زيادة الطلب، وهذا ما يحدث فعلا خلال فترات الأوبئة على مر العصور فعلى سبيل المثال وخلال فترت أزمة كورونا ارتفعت أسعار الكمامات ومستلزمات المنظفات على مستوى العالم، حيث تم استغلالها بشكل كبير جدا وحقق الكثير من التجار أرباحا ضخمة .

وأوضح أنه من الناحية السوقية يحدث ما يطلق علية استغلال الفرص لتحقيق أعلى ربحية دون النظر إلى مدى أخلاقية وقانونية هذا الفعل، وعلى أرض الواقع من الصعب جدا خلال فترات الوباء أن تتمكن الحكومات من عمل كنترول لضبط الأسعار على الأسواق إن لم يكن مستحيلا لأن هدفها الأساسى توفير السلعة والحفاظ عليها وحمايتها من الندرة. وهناك نوع من الاحتكارات يطلق عليه "كارتل" والمقصود به سيطرة عدد من رجال الأعمال على نوعية محددة من السلع وحصرها فى دائرتهم وعدم السماح بدخول أعضاء جدد، حتى يتمكنوا من التحكم فى أسعارها فى السوق، وهذه النوعية من التجارة تعتبر الأكثر ربحية خلال فترات الأوبئة والأزمات.

وفى سياق متصل يرى الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، أن صفة الاستغلال هى السائدة فى عالم المال والأعمال أو ما يطلق عليها تحقيق أعلى ربحية فى أقل وقت ممكن، ويبدو أن فترات الأزمات الاقتصادية أو الصحية هى الأكثر مناسبة لتحقيق ذلك، حيث يستغل حاجة السوق إلى سلع خاصة ومحددة ويرفع سعرها لتحقيق المزيد من الأرباح، مستفيدا من التسهيلات التى تقدم خلال الأزمات، فعلى سبيل المثال ورغم سيطرة القطاع الصحى فى تحقيقه لأعلى عائدات خلال فترات الأوبئة التى ظهرت فى القرن الحالى مثل سارس وجنون البقر وغيرهما، هناك قطاعات تجارية أخرى أسهم الوباء بشكله المختلف فى كل مرحلة فى ظهورها وصعودها إلى القمة . فخلال وباء سارس - على سبيل المثال - حقق تجار اللحوم أرباحا كثيرة، وخلال وباء كورونا نجح العاملون فى مجال البرمجة والتكنولوجيا فى الحصول على قصب السبق، وهكذا تنطبق التأثيرات الاقتصادية الإيجابية المختلفة لكل أنواع الأوبئة على مر العصور.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة