Close ad
4-9-2022 | 16:24

أيام قليلة وسيبدأ الموسم الدراسي. لا حديث الآن في كثير من بيوت المصريين سوى عن أقساط المدرسة، وحجز الدروس الخاصة للعام الجديد، ورغم التكالب على شراء الكتب الخارجية، إلا أن ذلك لن يحول دون الإصابة بحمى السؤال عن موعد استلام "كتب الحكومة"، ومن بين الكتب، سوف تجد كتابًا إن تأخر، فلن يشعر أحد في الأغلب بقلق إثر تأخره، وذلك إن قورن بأي كتاب آخر، هذا الكتاب هو "كتاب الدين"، فالنجاح بالمادة مضمون، ودرجاتها لا تُحتسب بالمجموع.
 
نهاية ثمانينيات القرن العشرين، كنت طالبًا بمدرسة السكاكيني الابتدائية وسط القاهرة، حين لُقنت أن التربية الدينية مادة نجاح أو رسوب، لكن درجاتها لا تضاف لمجموع الدرجات؛ نظرًا لعدم الثقة في المدرسين المسيحيين الذين سيمنحون طلابهم العلامة الكاملة بالدين المسيحي، رغبة منهم في نصرتهم وتفوقهم على الطلبة المسلمين! وبغض النظر عن طفولية هذه الأسطورة المعبرة عن الواقع الطائفي بتلك الحقبة، والتي رُويت عليَّ بحي الظاهر في قلب العاصمة المصرية ولم أتعرف عليها بالكهوف الأفغانية، إلا أن الأعوام التي توالت جعلتني أنفض عن خيالي كل هذا الهراء، وأتأمل سعيًا نحو ماهية سبب عدم احتساب درجات الدين بالمجموع الكلي! كثيرًا ما تساءلت: هل هذا نابع من الدفع بأن مصر دولة مدنية، وبناءً عليه لا يمكن إقحام "مدى إلمام الطلبة بالأمور الدينية" كمسطرة لتقييم تحصيلهم الدراسي في دولة غير كهنوتية؟ هل الإبقاء على مادة الدين في الجدول المدرسي على هذا النحو "الموجود وغير الموجود" دافعه هو الإبقاء على لمسة عقائدية فوق وجه العملية التعليمية، والبرهنة على أن الدولة لا تحارب الدين كما يروج بعض خصومها؟ على صعيد آخر يرى البعض أن حصة الدين هي الفعل الذي ينثر بذور الفرقة منذ البدء بين المصريين صغارًا، وهنا يرد آخرون قائلين إن حصة الدين وفقًا للمحتوى الوسطي في الكتب المدرسية هي صمام الأمان المُحصن للدارسين من الانحراف عن الدين أو الانحراف بالدين.
 
المدقق رُبما قد يلحظ شبه توافق من الجميع على بقاء حصة الدين على ما هي عليه! لا أعتقد أن أحدًا سوف يتجاسر رسميًا على إلغائها! وليس من الحكمة دخول معركة شديدة الحساسية ولا طائل من ورائها كتلك المعركة! أما خصوم الدولة المنتمون لليمين المتطرف "الإرهابي منه أو حتى غير المسلح"، هؤلاء على تنوع صنوفهم رُبما يروقهم بقاء حصة الدين على حالها، هذا الوضع يمنحهم استمرارية التواجد عبر كتبهم ومختلف قنوات بثهم كمصدر رئيس للمادة الدينية. وفي عالم آخر، أولياء الأمور بالأغلب مناصرون لخروج درجات أي مادة من إجمالي المجموع المحتسب خاصة بالأعوام المفصلية، ولا استعداد عندهم لتحمل مزيد من أعباء مادة جديدة مضافة. إن الطبقة الوسطى المصرية التي تتحمل حاليًا العبء الأكبر في حقبة إعادة البناء وسط عالم يتعارك، ليس من بين ما يؤرقها على الإطلاق إشكالية حصة الدين بين الواقع والمأمول! كما أن أحدًا غير مؤهل الآن "نفسيًا أو اقتصاديًا" من بعد الاتفاق مع الأساتذة "سلطان التاريخ وزهرة الفلسفة وملك الكيمياء وإمبراطور الفيزياء"، إلى البحث عن "حوت الدين"! هذا كله فضلًا عن المعرفة الضمنية لدى سائر الأطراف بأن المدرسة قد تكون مصدرًا للأخلاق لكنها ليست مصدرًا معتبرًا للدين، وأن مَن يرغب تعليمًا ذا صبغة دينية فعليه التوجه لمعاهد الأزاهرة. الجميع يدرك أن الدين نستقيه من البيوت بأنواعها، المساجد بمختلف رجالها، القنوات بتوجهاتها، الإذاعات حسب مصادر بثها، المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل بألوانها، هكذا رُبما صرنا مسلمين نحمل في صدورنا نسخًا مختلفة من ذات الدين.
 
هذه الكلمات ليست دعوة إلى إلغاء مادة التربية الدينية، وليست مطالبة بإضافة درجاتها إلى المجموع، فأنا لست متخصصًا بالحقل التعليمي، لكن المتدبر في حالها منذ سنوات، قد يتسرب إليه خاطر أن وضعها هكذا "بين بين" رُبما هو بشكل من الأشكال، عرض من أعراض الاشتباكات "الدينية/ العلمانية"، وضع أشبه بصفقة سرية بين سدنة التراث ونخب التنوير، إثر تنازع طويل الأمد وغير محسوم، ولا أظن أنه سوف يُحسم قريبًا، سيَّما إن استمر تفضيل الجميع لأنصاف الحلول.
 
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر:

twitter.com/sheriefsaid

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: