توصل أكثر من 1360 خبيرًا من مختلف دول العالم، إلى أن إيقاع ووتيرة الاستخدام البشري للأرض، خلال الخمسين عامًا الماضية، كان أكثر سرعة وكثافة من أي فترة زمنية أخرى في التاريخ البشري، وأن هذا التسارع الكثيف للاستخدام، سببه تلبية الاحتياجات المتزايدة والمتسارعة من الغذاء والمياه النظيفة، وتلبية لاستخدامات الخشب والألياف والوقود، ونتج عن هذا كله فقدان كبير وجوهري لا يمكن إصلاحه في مدى تنوع الحياة على الأرض.
هذه النتائج كشفها ما يعرف بـ"تقييم النظام البيئي للألفية"، والذي تم بناء على طلب العلماء وصناع القرار، بعد أن أدرك الكثيرون من العاملين في الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية مكافحة التصحر، إنه لم يتم الوفاء بالاحتياجات الهائلة للتقييمات العلمية في هذه الاتفاقيات، فضلا عن غياب الربط بين القضايا المتعلقة بالمناخ والتنوع البيولوجي والتصحر والغابات.
والدعوة لإجراء تقييم النظام البيئي للألفية، بادر بها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان عام 2001، وكان الهدف هو تقييم عواقب التغيير الذي يحدث في النظم البيئية، والتعرف على القاعدة العلمية الخاصة بالعمل المطلوب لزيادة المحافظة على والاستخدام الأمثل لهذه النظم وما تساهم به في رفاهية الإنسان.
واليوم، وبعد نحو عقدين من هذا التقييم، يعكف فريق من الخبراء والعلماء المصريين، على تقييم متجدد للشأن البيئي برمته بدأ من عمل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPCC"، وآليات التمويل لأزمات البيئة والمناخ ومتغيراته، وأهداف التنمية المستدامة، فضلا عن خدمات النظم البيئية والتنوع البيولوجي، إضافة إلى مؤتمر الأطراف العام الماضي "COP26" في جلاسجو، والمقبل في نوفمبر "COP27" بشرم الشيخ، ومحاولة استقراء ما بعده.
كشف مجموعة الخبراء، وهم د. إبراهيم عبدالجليل رئيس جهاز شئون البيئة الأسبق، ود. إسماعيل عبدالجليل رئيس مركز بحوث الصحراء الأسبق، ود. صلاح حافظ رئيس جهاز شئون البيئة الأسبق، ود. مصطفي فوده مستشار وزيرة البيئة منسق الاتصال مع "COP27"، ود. فجر عبدالجواد نائب رئيس مركز التميز للتغيرات المناخية والتنمية المستدامة بالمركز القومي للبحوث، ود. طارق تمراز الأستاذ بجامعة قناة السويس وخبير التغيرات المناخي، ود. حسين أباظة المستشار الدولي للتنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، أنه بالرغم من تحقيق بعض المكاسب لصحة الإنسان وللبيئة، إلا أنها تحققت على حساب أمور أخرى تمثلت في انخفاض جودة الكثير من خدمات النظم البيئية، وزيادة المخاطرة بحدوث بعض التغيرات غير المتوقعة، كما ستؤدي إلى تقليص المزايا التي ستحصل عليها الأجيال المستقبلية من خدمات النظم البيئية.
وتوقع التقرير زيادة تدهور خدمات النظم البيئية، وقلة جودتها خلال النصف الأول من القرن الحالي، ما قد يشكل عائقًا أمام تحقيق أهداف التنمية المرجوة للألفية.
أوضح تقرير فريق الخبراء، الذي صدر الأسبوع الماضي تحت عنوان "التغيرات المناخية.. نظرة عامة وتوجهات مستقبلية"، أن النشاط الإنساني والتصرفات البشرية تستنفد رأس المال الطبيعي للأرض؛ مما يضع البيئة تحت ضغط شديد، يجعل قدرة النظام البيئي لكوكب الأرض، على دعم الأجيال القادمة، أمرًا غير مضمون، ولكن التقييم يوضح في الوقت ذاته أنه يمكن من خلال الإجراءات المناسبة إبطال تدهور الكثير من الخدمات خلال الأعوام الخمسين المقبلة، ولكن هناك بعض التغييرات الأساسية والمطلوبة في السياسات والممارسات، وهي ليست مطبقة حاليًا.
والمصطلح المعروف بـ"الخدمات البيئية - Ecosystem Services"، تناوله تقرير تقييم النظام الإيكولوجي للألفية عام 2005، حيث حدد التقييم أربع مجموعات من المنافع المباشرة وغير المباشرة التي يقدمها النظام البيئي كخدمات أساسية لاستمرار واستدامة الحياة على كوكب الأرض، تتمثل في خدمات الإمداد مثل تكوين التربة، والتمثيل الضوئي أو دورات تمثيل العناصر الغذائية وغيرها، وخدمات التنظيم "Regulating" مثل تقلبات الطقس أو الفيضانات أو تنقية المياه أو التلقيح، والخدمات الثقافية مثل الاستمتاع بجمال الطبيعة ومعالمها التاريخية ومزاراتها الدينية وغيرها.
وحلل التقرير درجة تدهور خدمات النظام البيئي بسبب تداعيات وضغط الأنشطة البشرية غير الرشيدة، مثل استخدام المبيدات والملوثات وإزالة الغابات، وتغيير استخدامات الأراضي والزحف العمراني وغياب التنوع الحيوي وغيرها من سلوك البشر، بالإساءة أو الإفراط في استخدام خدمات النظم البيئية؛ مما تسبب في تدهور أدائها عن المعدلات القياسية السابقة لها، وجعلها أكثر هشاشة أمام التغيرات المناخية.
ويبين التقرير، أن الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ في المقام الأول على النظم البشرية، غالبًا تنتج عن اضطرابات في خدمات النظم البيئية بسبب الضغوط المناخية، مثل الجفاف والفيضانات والسيول التي تضغط على جودة أداء الخدمات البيئية، وينبه الخبراء إلى عدم الاستخفاف بمستوى الترابط بين تغير المناخ وقضايا التنوع البيولوجي.. أما القضايا المستقبلية، وما بعد "COP27" فقد أفرد لها التقرير العديد من المبادرات والتوجهات، نتناوله، بإذن الله، الأسبوع المقبل.
[email protected]