حملة شرسة تتعرض لها الأسرة المصرية عبر آلية التأليب وتحريض الزوجات على أزواجهن وأطفالهن، حيث شهدت الأيام الأخيرة عددا من التصريحات بدأت تظهر على السطح ويعلو صوتها يوما بعد يوم من بعض الحقوقيات، تتحدث عن طبيعة مهام الزوجة في بيت زوجها، خاصة ما يتعلق بالطبخ ورعاية زوجها وأطفالها والولادة والرضاعة.
موضوعات مقترحة
"بيتك ثم مهنتك"
بدأت القصة مع الدكتورة شيرين غالب، نقيب أطباء القاهرة، بعد إلقائها بعض الكلمات لخريجات كلية الطب جامعة أسيوط، حيث وقفت تذكر الطالبات في حفل التخرج بأهمية المنزل وتربية الأولاد قبل المهنة، ما عرضها لهجوم شديد من السيدات اللائي رفضن هذا الكلام، لأنهن يرين أن عمل المرأة هام جدا لها لأنه لابد أن يكون لها مال خاص بها، وأنها قادرة على الموازنة بين أسرتها وعملها.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أنه تجاوز عاصفة الجدل حول عمل المرأة أو رعاية أسرتها، حتى وصل للحديث عن مهام الزوجة داخل المنزل وعلى رأسها قضية إعداد الطعام للزوج، حيث قالت الدكتور هبة قطب استشاري العلاقات الأسرية، إن هناك رجال يشاركون زوجاتهم في دخول المطبخ والطهي كمشاركة بين الزوجين، وأنه لا يوجد سند شرعي أو قانوني يجبر المرأة على الالتزام بالطهي لزوجها دون مشاركة أو تبادل للأدوار.
المرأة ليست مجبرة على إرضاع أطفالها
التصريح الذي أدلت به الدكتورة هبة قطب، وآثار حالة واسعة من الجدل، لم يكن الأخير، حيث أثارت تصريحات المحامية نهاد أبو قمصان، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، بأن المرأة ليست مجبرة على إرضاع أطفالها حالة كبيرة من الهجوم عليها، حيث قالت إن القرآن الكريم لم يجبر السيدات على إرضاع أولادهن.
واعتمدت نهاد أبو القمصان في حجتها على الآية 233 من سورة البقرة: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، وأيضا قوله تعالى في سورة الطلاق الآية 6، "َإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ"، وقالت: "محدش قال الأم ما ترضعش ولادها، وأنا شخصيا رضعت ولادي الثلاثة الحمد لله، بس اللي يقول لمراته مثنى وثلاث، عليه يوفي التزامات الأولي ويدفع اللي عليه أولا، صح ولا إيه ؟".
هل الأم ملزمة على إرضاع طفلها؟
يجيب على هذا السؤال، الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه والشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، حيث قال، قال الله تعالى في كتابه الكريم، في سورة البقرة، "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، لذلك فالمرأة مطالبة بإرضاع أولادها سنتين كاملتين، ويسن الرضاع الكامل.
وأكد، أنه إذا عجزت الأم على إرضاع طفلها لظروف طبية، ففي هذه الحالة يجب توفير مرضعة أو اعتماد الأم على اللبن الصناعي، وليس عليها ذنب، وعلى الزوج في حالة إرضاع الزوجة لطفلها، أن يوفر لزوجته ما يعينها من أكل وشرب ونفقة وكسوة لإرضاعها لابنه، فهذا الأمر مكلف به الزوج ولا يتوانى عنه القرآن والسنة.
حملة لتفكيك الأسرة
فيما أكد الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، أن الأسرة هي صمام أمام المجتمع، وتتعرض إلى حملة شرسة من الدعوة للتفكيك عبر آلية التأليب والتحريض للنساء على أزواجهن وأطفالهن، وهناك افتراءات تجعل المرأة تتصور أنها خالية من أي مسئولية، فهي في بيتها غير ملزمة بشيء، وبدأ الأمر بعدم إلزامها بخدمة بيتها، إلى عدم إلزامها بإرضاع أطفالها، وعللوا ما تقوم به المرأة من خدمة في بيتها، بأن المرأة بدأت هذه الأعباء على سبيل التطوع ثم تحول الأمر عند الأزواج إلى حق مكتسب، وأنها إن تركت بيتها يعمه الفوضى لا إثم عليها.
وقال "شومان"، "يا هؤلاء من قال لكم إن المرأة غير ملزمة بخدمة بيتها؟ ألم يبلغكم ما كان من أمر مَنْ هي أطهر وأشرف من بناتنا وبناتكم؛ فاطمة بنت أشرف الخلق رسولنا الأكرم، وقد تشققت يداها من الرحى، وحين طلبت من أبيها تخصيص خادم يساعدها، لم يخصص لها خادمًا وإنما أوصاها ببعض كلمات ولم يعيِّن لها خادمًا، ولم يكلِّف زوجها حتى بالعمل نيابة عنها إن لم يكن قادرًا على أن يأتيها بخادم يخدمها؟ بكلِّ تأكيد لقد تأثر رسولنا وأشفق على ابنته وأحب النساء إلى قلبه حين اشتكت له مشقة خدمتها لبيتها، ومع ذلك أراد أن تبقى شريكة لزوجها في تحمل أعباء بيتها، فقيمة المرأة في فاعليتها لتكون رقمًا صحيحًا في بيتها، فهذا هو الذي ينشر الود والرحمة والسكينة، ويعلي من قدرها عند زوجها وأولادها".
المرأة مسئولة وليست متبرعة
وقد روى البخاري: "أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ، فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ، فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَلَمْ تُوَافِقْهُ، فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ، فَأَتَانَا، وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا»، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ» فهل مَنْ تسعون لإعفائهنَّ من خدمة بيوتهن تشققت أيديهن كما تشققت يدا فاطمة بنت نبيكم صلى الله عليه وسلم؟.
كما أشار إلى أن الجميع الآن جعل المرأة متبرعة ورسولنا جعلها مسئولة، والمسئوليَّة لقطع الطريق على أمثالكم مسئوليَّة حقيقيَّة، يترتب عليه المحاسبة عند التقصير، وقد نصَّ الحديث عن موضوع مسئوليَّتها تحديدًا فهي مسئولة في بيتها وولدها كما وردت في رواية أخرى:" «كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"، وما يحدث حاليا من تخريف لتسميم فكر المرأة يتناقض مع النصوص الصحيحة التي لا يجهلها إلا الجاهل.