Close ad
1-9-2022 | 16:32
الأهرام المسائي نقلاً عن

مازلت أتذكر هذا التوقيت، وتلك المكالمة، إنه مساء يوم الجمعة الموافق 24 يناير 2020، والذي استقبلت فيه مكالمة هاتفية من والدتي أثناء إقامتها بالمستشفى، لأنظر إلى الهاتف ويحضرني العديد من التساؤلات اللحظية، والتي تدور حول تأخر الوقت، وعلمي التام بأن أمي تنام مبكرًا، لأقطع خط تساؤلاتي بالرد على الهاتف، "أيوه يا ماما إنتي صاحية لغاية دلوقتي ليه"؟ لتكون إجابتها، بصي يا شيماء عايزة أقولك على حاجة، إسمعيني، "عايزاكي تكوني جدعة كدة، وتخلي بالك من بيتك وولادك وزوجك، وبيتك يكون نظيف، وتخليكي في نفسك"، لأنظر إلى الهاتف، وأسرح، لماذا تتحدث أمي هكذا؟، وفي هذا التوقيت، الذي لا يتناسب مع أوقات استيقاظها.

لتكون تلك المكالمة هي آخر مكالمة بيني وبين أمي، وهي في كامل وعيها، لتدخل بعدها في نوبات من فقدان الوعي، لتصعد روحها بعد أيام قليلة من تلك المكالمة، لأتيقن أنها كانت توصيني في تلك المكالمة بآخر الكلمات.

لأربط ما بين وصية أمي وكلمات السيدة الدكتورة الفاضلة نقيبة الأطباء والموجهة إلى الطبيبات حديثات التخرج، لأدرك تمامًا أنها نصيحة للحياة خرجت من قلب أم لبناتها، وأيقنت تمامًا أنها لا تقصد إهمال عمل المرأة، فكما كانت توصيني أمي ببيتي وأبنائي وزوجي، كانت تحرص دائما أثناء حياتها على أن تذكرني بأهمية أن أحافظ على كياني وعدم إهمال عملي أو تركه، وأن أستمر في مسيرتي العلمية.

فكانت أمي توازن بين الأمور، فهي ترغب لي أفضل مكانة، وأحسن مظهر ممكن، وتحرص على عدم انتقاصي لأي ركن من أركان الجوانب الحياتية المختلفة سواء الأسرية أو العملية أو العلمية، فكانت دائمًا ما تذكرني بالجانب الذي ترى بعينها أنني قد أميل إلى الاتجاه المضاد له بدرجة أكبر، خشية منها أن أهمل في باقي أركان حياتي، لتصبح أمي البوصلة التي تزن مختلف جوانب حياتي، لترشدني إلى تحقيق العدالة في مختلف جوانب حياتي ودون أن أجور على أي حق من حقوق باقي أركان الحياة، فعلى سبيل المثال، في بداية حياتي الزوجية ومع إنجاب طفلي الأول، لاحظت أمي أنني قد أهملت قليلًا في مظهري، ليكون التوبيخ من نصيبي، فهي لا ترضى لي أبدًا أن أظهر بشكل لا يرضيها، لأعدل الدفة مباشرة، وأبذل الجهد كي أحافظ على المظهر العام اللائق والمقبول، والذي أحظى برضائها عنه.

فأمي كانت المراقب الأمين لحياتي بأكملها، وعلى جانب آخر حينما اطمأنت من أنني قد استوعبت الدرس جيدًا، وركزت في مظهري العام، واطمأنت من أنني مستمرة في عملي ولا أنوي تركه، وأتممت مسيرتي العلمية، بدأ دورها الرقابي المهتم بانتظام حياتي الأسرية، لتعيده على مسامعي من وقت لآخر، وذلك بالتذكرة مع كل مكالمة هاتفية صباحية بيننا، فقد اعتدت أن أبلغها بجدولي اليومي، وخط سيري بداية كل يوم، ليكون أول تعقيب لحظي منها بعد إدلائي بأقوالي هو "طيب والعيال"، لتكون إجابتي مطمئنة لها، ليطمئن قلبها بأنني قد دبرت أمرهم، لتتأكد من أنهم أول اهتماماتي دون أي تقصير، ومع اطمئنانها تضع في قلبي الثقة بأن خطواتي حتمًا ستكلل بالنجاح فور سماعي جملة "طيب تمام، ربنا معاكي"، فتلك الجملة هي ما كنت أنتظرها في ختام كل مكالمة، والتي بصدورها من أمي استشعر وكأنني قد اكتسبت بل وتوجت بالدرع الواقي لي من مختلف مصاعب هذا اليوم.

ومنذ تاريخ وفاة أمي، وأنا أضع تعاليمها ووصيتها التي جاءت في كلمات محددة أمام عيني في كل خطوة أخطوها، فمع كل خطوة أسأل نفسي هل كانت أمي ستقبل هذا؟ هل كانت سترضى؟، لتكون خارطتي وفقًا لدرجة تيقني من احتمالية رضاء أمي، ويكون الإطار الحاكم لخطواتي وفقًا لوصيتها هو الاستمرارية في بذل الجهد الهادف إلى الحفاظ على المظهر العام مع الاحتفاظ بالعمل والاستزادة العلمية فهذا أمر لا مجال للتحريف فيه، ولكن دون إهمال لحقوق البيت والأولاد والزوج، كما أوصتني أمي وما زرعته في فكري وهذا الأمر لا مجال للحياد عنه، لتتحول كلمات أمي إلى منهج أتبعه، وأسلوب حياة أسير على خطاه.

رحمك الله يا أمي، ورحم الله كل أم كانت ترجو الله أن يمتعها بالنظر إلى أبنائها وهم في أبهى صورة، وأطال الله في أعمار الأمهات اللاتي على قيد الحياة، ومتعهن برؤية أبنائهن وبناتهن كما يسألن الله.

* خبيرة اقتصادية 

[email protected] 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: