اتصالًا مع ما سبق طرحه هنا؛ أتذكر واقعة حدثت قريبًا؛ تزامنت مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية؛ وما خلفته من آثار كانت صعبة للغاية؛ أُذِّكر بعودة أبنائنا الملتحقين بجامعاتها؛ كما أُذِّكر بتصريح وزير التعليم العالي آنذاك؛ بأنه وجد طالبًا مصريًا خريج القسم الأدبي للثانوية العامة المصرية؛ قادمًا إلينا باعتباره طالبًا بإحدى كليات الطب الأوكرانية!!
فما كان من الوزير؛ إلا أن قرر إلحاقه بما يناسب تعليمه الثانوي؛ وذلك يعني عدم دخوله الطب في مصر؛ ليس فقط الحكومي ولكن كل جامعاتها؛ لأنه يخل بسياسة دخول الجامعات المصرية بشكل غريب!
تحدثنا في المقال السابق عن آليات ينتهجها الناس لحصول أبنائهم على أعلى الدرجات؛ باعتبار ذلك هو المعيار المعترف به؛ لترتيب رغبات الطلاب لدخول الجامعات؛ من هنا ظهرت طرق ووسائل الغش التي تمكن الطلاب من تحقيق أعلى الدرجات؛ فيدخلون كليات القمة!
ومنذ يومين شاهدت فيديو على أحد وسائل التواصل؛ لولي أمر يدفع الرشوة لأحد الأشخاص؛ بعدما حقق نجله نجاحًا مبهرًا في الثانوية العامة؛ وعندما أعلن الوالد امتعاضه من دفع الملبغ؛ سأل الطرف الآخر ولده بعض الأسئلة البسيطة التي تؤكد أن نجله لا يستحق مجرد النجاح؛ وإذا به يلتحق بكلية الطب؛ وبت لا أعرف هل الفيديو حقيقي أم تمثيلي؛ من نوع الكوميديا السوداء؛ بل شديدة السواد!
وبت أيضًا لا أعرف؛ كيف يثق هؤلاء المحرضون على الفساد ـ الغش الجماعي أو الفردي الذي يؤدي لولوج بعض الطلاب لكليات لا يستحقون دخولها ـ في التعامل مع قيم ومنظومة الطب على سبيل المثال؛ حال الاحتياج لها؛ وهو على يقين تام بأن أحد أبنائهم ـ الطبيب ـ فاشل وفاسد ولا يستحق أن يكون طبيبًا؛ وبمعنى أكثر وضوحًا؛ احتمال تعرضهم لمحنة طبية مؤلمة كبير؛ لأن الطبيب المعالج غير كفؤ!
ثم يأتي وقت ونشكو من سوء بعض الأوضاع المتعلقة بأُناس هم مسئولون عنها؛ وغالبا منا من نسي أن منهم الغشاشون؛ فهم يتبوؤن مكانة لا يستحقونها؛ وبشكل أكثر تفصيلا؛ أخذوا ما لا يستحقون برعونة وبساطة وسهولة؛ فباتت أشياء قيمة ومهمة للغاية رخيصة وفقدت قيمتها وبريقها!
يبدو أن المجتمع في حاجة ملحة للمصارحة؛ فلا يمكن تحقيق تقدم إلا من خلال أكفاء؛ ولا يمكن أن يجري طبيب متخصص في العيون عملية دقيقة في القلب؛ فما بالك بمن التحق بكلية الطب وهو يخطئ في كتابة بعض كلمات اللغة العربية وليست الأجنبية؛ وهنا لا أعلم هل يكمل ويتخرج بنفس آلية دخوله؛ أم ينكشف؟ العلم عند الله.
لكن المؤكد أن هناك خللًا ظاهرًا؛ يرغب عدد من الناس مداراته وعدم الحديث عنه؛ هناك عناصر فاسدة غير منتجة؛ معطلة لكل ما يمكن أن يساعد على التقدم.
هذه العناصر؛ هي نتاج ظاهرة الغش التي بدأت منذ عقدين ونيف من الزمن؛ تخرج هؤلاء الغشاشون من كلياتهم؛ وأضحوا في مواقع مختلفة؛ مواقع بكل تأكيد لا يستحقونها؛ ولكنهم يديرون ويتحكمون؛ ثم يتساءل الناس لماذا هذا التراجع في أداءات مختلفة؟ ولماذا كل هذا الهدر في قدراتنا المختلفة؟
هناك عديد من الظواهر التي تؤكد مضمون ما سبق الإشارة إليه؛ عدد غير قليل من منعدمي الكفاءة يجلسون على مقاعد لا تناسبهم على الإطلاق؛ نراهم ونعرفهم ونتحاشى التحدث عنهم ومعهم؛ ثم نلعن الظروف التي أتت بهم! وأحيانًا نصفق لهم ونعلن تأييدنا!
أول درجات الحل؛ هي المكاشفة والمصارحة؛ هذا إن أردنا الحل.
وفي المقال القادم نكمل بإذن الله.
والله من وراء القصد
[email protected]