على إدريس: الأزمات الدولية قابلة للتصعيد.. ورفع حجم الإنتاج المحلي سبيل وحيد للنجاة
موضوعات مقترحة
مجدى أبو العلا: إقبال كبير من مصانع الأدوية والسكر والنسيج على الزراعات التعاقدية بعد حرب أوكرانيا
أزمات متتابعة تعرض لها العالم على مدار السنوات الثلاثة الماضية، من جائحة كورونا إلى التغيرات المناخية وصولًا إلى الأزمة الأوكرانية، و لا أحد يعلم مستقبل الأيام القادمة، خصوصًا وأن آثار تلك الأزمات أطلت بشكل بشع على الجميع وأضرت بمعظم اقتصادات العالم، وأدت إلى حدوث تضخم وركود اقتصادى وارتفاع بأسعار مختلف السلع وتهديدات لحركة الشحن والنقل واضطرابات فى سوق الطاقة.
كل ذلك جعل معظم دول العالم تفقد الثقة فى إمكانية حماية النظام العالمى وضمان استمراره حتى فى المستقبل القريب، ما ترتب عليها بحثها عن الاكتفاء الذاتى فى كل السلع الاستراتيجية مهما كان الثمن، دون الارتهان للمتغيرات الدولية الغير مضمونة فى الوقت الحالي، وقد بحثت بعض الدول فى دفع عملية تحقيق التكامل الاقتصادى باستغلال الموارد المتنوعة فيما بينهما للوصول إلى الاكتفاء الذاتى دون الاعتماد على الدول الصناعية الكبرى المتصارعة الآن.
ومع أزمة القمح العالمية، تبرز أهمية الاكتفاء من المحاصيل الاستراتيجية الزراعية، ومحاولة تنشيط منظومة الزراعات التعاقدية لضمان حماية الأمن الغذائى باعتباره جزءا أساسيا فى منظومة الأمن القومى بكل دولة.
يقول نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، إن استراتيجية الزراعات التعاقدية توفر الأمان لكل القطاعات الزراعية، ومنها كان الطلب الرئيسى للقيادات الزراعية فى لقائهم الأول مع الرئيس عام 2014 يتعلق بتفعيل منظومة الزراعات التعاقدية، وبعد هذا اللقاء بوقت قليل أصدر الرئيس قرار فى هذا الصدد، ولكن وقتها كان العالم أكثر أمنًا وكل السلع والمحاصيل متوفرة وبأسعار معقولة، ما حد من نشاط عودة الزراعات التعاقدية بالشكل المطلوب.
وتابع أبو صدام قائلًا إن هذا العام شهد نشاطا كبيرا وملحوظا فى تفعيل عقود الزراعات التعاقدية وتحديًدا فى الفول الصويا والذرة الشامية وعباد الشمس، موضحًا أن ذلك لشدة احتياجات المصانع والتخوف من متغيرات حركة التجارة العالمية بعد الحرب الروسية الأوكرانية واحتمالية أن تتصاعد الصراعات بمناطق متفرقة من العالم، ومنها تقوم الشركات الآن بالتعاقد مع المزارعين على المحاصيل اللازمة بأسعار عادلة لضمان استمرارها بالسوق وعدم توقف حركة الإنتاج، خاصة أن المحاصيل المستخدمة فى هذه الصناعات ومنها البنجر والقطن ليس لهما سوق مقارنة مع الخضر والفاكهة وغيرها، وأنه بالتالى لن يُقبل المزارع عليهما إلا فى حالة توافر عقود تضمن هوامش ربح جيدة مقارنة بالمحاصيل الأخرى.
وعن أهم المحاصيل المطلوبة فى استراتيجية الزراعات التعاقدية، أوضح نقيب الفلاحين، أن القمح والبنجر والمحاصيل الزيتية وفول الصويا والطماطم، وأنه يجب الآن الاهتمام بهما ودعمها من خلال التعاقد عليها كأساس تفعيل منظومة الزراعات التعاقدية فى مصر، حيث تعمل وزارة الزراعة كضامن بين المزارعين والشركات وتوفير الضمانات اللازمة لكل طرف، بالتوازى مع تحقيق الأمن الغذائى فى مصر من خلال دعم الزراعات التعاقدية والتوسع فيها لتشمل أغلب المحاصيل.
فيما قال مجدى أبو العلا، نقيب الفلاحين بمحافظة الجيزة، إن انتشار جائحة كورونا وما ترتب عليها من إغلاق، ثم الحرب الأوكرانية وتوقف حركة التجارة فى موانئ روسيا وأوكرانيا، أرغمت كل دول العالم للبحث عن الاكتفاء الذاتى فى السلع الأساسية، وعدم الاعتماد على دول الخارج فى الظروف الحالية، ومنها فى مصر بدا اهتمامًا كبيرًا من مصانع الأدوية والسكر بعقد اتفاقات مع القطاع الزراعى لإمدادهم بالمحاصيل اللازمة لاستمرار خطوط الإنتاج لديهم، ومنها لوحظ نشاط كبير فى عملية الزراعات التعاقدية بين مصانع الأدوية ومزارعى الاعشاب الطبيعة بأسعار تضمن ربحية جيدة، خاصة أن الاعشاب الطبية لن تجد اقبالا من المزارعين الا اذا هناكاتفاقات توريد للشركات مع تحديد سعر جيد، لقلة الاقبال عليها فى الاسواق العادية واهميتها البالغة تكمن فى التصنيع، ومع تهديد حركة التجارة وارتفاع اسعار السلع والطاقة والشحن لجأت هذه المصانع إلى القطاه الزراعى الداخلى لتشجيعه على الإنتاج بعقد زراعات تعاقدية لمثل هذه المحاصيل.
وعن اهتمام الدولة بتحقيق الاكتفاء الذاتى ودعم الزراعات التعاقدية، أوضح أبو العلا أن الدولة تهتم بزيادة حجم الأراضى المستصلحة، وتوفير كل سبل النجاح العملية فى سباق واضح مع الزمن، وقد شاهدنا مشروعات غرب المنيا وتوشكى وغيرها، واذا استمرت الدولة على نفس الوتيرة فيمكن أن نجد اكتفاء ذاتى من القمح وغيرك من المحاصيل الاستراتيجية خلال عامين فقط، وهذا أصبح هدفا اساسيا أمام الحكومة المصرية، والتى تقرأ المشهد العالمى بشكل جيد وتعلم أن الساحة الدولية من منافسة وصراعات قابلة للتصعيد ومنها يجب توفير كل الاحتياجات الوطنية من الداخل ولا نعتمد على الاستيراد فى أى سلعة أساسية.
على جانب اخر، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور على إدريس، إن ملف الزراعات التعاقدية قتل بحثًا منذ سنوات، ولكن لم يتم تنفيذ توصيات الخبراء كما ينبغى نظرًا لاستقرار الأوضاع العالمية وقتها، لكن بسبب الازمات الدولية المتعاقبة وما فرضته من تحديات سواء من تهديد إمدادات سلاسل الغذاء أو ارتفاع الاسعار وأزمة الطاقة، أصبح هناك اهتمام كبير فى كل دول العالم بتحقيق ما هو أعلى من الاكتفاء الذاتي، خاصة بعد ما شاهدناه فى أزمة القمح وتوقف تصديرية من روسيا وأوكرانيا ما هدد دولا كثيرة حول العالم.
وأضاف إدريس أن الحكومة المصرية الآن تتحرك بجدية على ملف الزراعات التعاقدية من خلال توفير سعر عادل للمزارعين قبل البدء فى موسم الزراعة، ما يوفر عامل الحماية والأمان، خاصة فى ملف المحاصيل الاستراتيجية التى تمس الأمن القومى المصرى بشكل مباشر، معتبرًا أن التحديات الحالية فرضت على وزارة الزراعة التحرك الآن، فلم يعد هناك رفاهية فى الوقت أو الاختيار، ولابد من سباق الزمن لتحقيق الاستقرار فى ملف الغذاء داخليًا قبل أن يصل العالم لمرحلة تصعيدية تفرض المجاعات.
واعتبر الدكتور على إدريس، الخبير الاقتصادي، إن العالم يواجه أزمات كبيرة قابلة للتصعيد ولا يوجد حلول متوافرة فى عدد من الملفات خاصة التنافس بين القوى الكبرى والذى انقلب مؤخرًا إلى صراع شديد،ولمواجهة تبعات ذلك تبحث كثير من الدول عن الاكتفاء الذاتى من كل شيء وليس المحاصيل الزراعية فقط، كون عملية التجارة الدولية برمتها لم تعد آمنة ولا يمكن الارتهان إلى متغيراتها، ومنها نجد محاولات دعم للقطاع الزراعى والتصنيع المحلى وزيادة حجم الانتاج ورفع كفاءته، ولن تنجو أى دولة فى العالم من تبعات الحروب الحالية والقادمة إلا التى تستطيع تحقيق نقلة نوعية فى انتاجها المحلى ما يقلص اعتمادها على الخارج بشكل عام.