راديو الاهرام

علماؤنا: المسجد.. مدرسة للعلم وغذاء للروح والأخلاق

30-8-2022 | 18:21
علماؤنا المسجد مدرسة للعلم وغذاء للروح والأخلاقالكتاتيب في المساجد كانت أول المعاهد التعليمية في الإسلام
تحقيق - هناء عبد المنعم - هالة حسن
الأهرام التعاوني نقلاً عن

المسجد ليس دارا للعبادة فحسب كما يزعم محدودو الفكر.. بل وعاء فكرى وثقافي
بيوت الله تنشئ بين المصلين علاقات سامية.. فيقوى بينهم الود وتصفو نفوسهم من الحقد والضغينة والحسد
من آداب المساجد وحرمتها ألا يشترى فيه ولا يبيع ولا ينشد فيه الضالة ولا يتخطى رقاب الناس
في المسجد وجد المسلمون الشعور بالسعادة والراحة.. وذهاب الهم والحزن ومحاربة اليأس والقنوط
المساجد مكان التعلم الأول الذى سبق المدارس والجامعات والمعاهد.. ومن يتعلم داخله لا يكتم العلم لنفسه
المساجد كانت ولا تزال المنارة التي يشع منها الإسلام لأنها لا تخلو من الدعاة والمصلحين

المساجد قلب المجتمع النابض وضميره الحي.. فيها يزداد الإيمان ويشكل الوعى وليست مكانا تؤدى فيه الصلوات فحسب.. وليس دارا للعبادة فحسب كما يزعم محدودو الفكر.. بل وعاء فكرى وثقافى يغذى العقل والفكر.. هكذا صرح لنا علماؤنا الأكارم.. مؤكدين أن المساجد مؤسسة اجتماعية ونفسية.. فيه وجد المسلمون الشعور بالسعادة والراحة.. وذهاب الهم والحزن ومحاربة اليأس والقنوط.. «الأهرام التعاونى» تفتح مع علمائنا ملف دور المسجد فى المجتمع.. وكيف يستعيد دوره؟ وما الآداب التى ينبغى علينا فعلها حيالها؟.. التفاصيل فى السطور التالية.

بداية يشير فضيلة الدكتور صالح أحمد عبدالوهاب وكيل كلية العلوم الإسلامية الأزهرية للطلاب الوافدين أن الصلاة ما شرعت إلا كى تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة تطهر النفس كما تطهر المال، وعبادة الصيام لا تكون بالامتناع عن الطعام والشراب فحسب؛ وإنما باجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن نوى الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وتجديد الوعى بأثر المسجد فى تكوين المسلم دينيا وعلميا وخلقيا وثقافيا، ونفسيا وصحيا؛ فالتأخير عن صلاة الجمعة والانصات إلى الإمام فيه تأخير بدخول الجنة، ولذا أمر رسولنا صلى الله عليه وسلم بضرورة التبكير إلى المساجد فقال: احضروا الجمعة وادنوا من الإمام فإن الرجل لا يزال يباعد حتى يؤخر فى الجنة وإن دخلها»، وفى الصف الأول وترديد الأذان خير كثير فى الدنيا والأخرة كما قال صلى الله عليه وسلم «لو يعلم الناس ما فى الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» أى يقترعوا، والذاهب إلى المساجد فى ضيافة الرحمن كلما غدا إلى المسجد أو راح؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:» من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له فى الجنة نزلا كلما غدا أو راح»، وفيها يرفع شعار العلموتنصب حلق الذكر، فيأوى المسلم إلى ركن ركين فهم القوم لا يشقى جليسهم، وفى المساجد يتدارس المصلون أيات الذكر وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيتعلم المسلم صحيح العقيدة، وحسن التوكل والاعتماد « يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك» ويتعلم آداب التحدث، وآداب الاستماع، وحق الوالدين، وحق الزوجة وحق الأبناء والأقارب وحق الجار والمجتمع والمواطنة، ويتعلم آداب الطريق والطعام والشراب والملبس ودخول الخلاء، وفى المساجد تسمو النفوس، وتسود ثقافة الحوار واحترام الآراء، ويصبح المسلم صحيح النفس، سليم الوجدان؛ فبذكر الله تطمئن القلوب، وبأذكار الصباح والمساء عقب الصلوات تفرج الهموم وتقضى الديون ويستريح القلب من عنت المادية الطاغية. 

يضيف فضيلته: والتذكير بمكانة المسجد فى وجدان كل مسلم، فليس المسجد دارا للعبادة فحسب كما يزعم محدودو الفكر؛ بل هو وعاء فكرى وثقافى يغذى العقل والفكر، ومدرسة تربوية تعلم العلم وتنشر القيم والأخلاق والمباديء ومؤسسة روحية تعنى بالروح وغرس قيم الجمال فضلا عن كون المسجد رمزا ومعلما من معالم الإسلام، وتفعيل الدور الاجتماعى للمساجد من خلال تعزيز القيم المجتمعية؛ كالتكافل وبث روح التعاون والتراحم، فيعرف كل مسلم ما له فلا يطلب أكثر منه، ويعرف ما عليه فلا يقصر فى أدائه، يحب كل مسلم لأخيه ما يحبه لنفسه، إذا غاب أحدهم سألوا عنه، وإذا احتاج أعانوه، وإذا افتقر ساعده، وإذا أصيب بمصيبة عزوه وواسوه، دينهم النصيحة وخلقهم النهى عن المنكر.

كيف يستعيد المسجد دوره؟

وحول كيفية استعادة المسجد دوره يرى فضيلته: أن المسجد هو المؤسسة الدينية التى جمعت المسلمين عبر تاريخ الأمة، وهو أيضا مؤسسة اجتماعية ونفسية؛ ففيه وجد المسلمون الشعور بالسعادة والراحة، وفيه ذهاب الهم والحزن ومحاربة اليأس والقنوط؛ شهد بذلك صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»، ولا سبيل إلى عودة تلك الروح إلا من خلال: تطوير أداء المسجد:عن طريق تجديد الوعى بما تستلزمه هذه الأونة من موضوعات، وتأهيل الأئمة والدعاة أصحاب الكفاءات، فلا يشك أحد من المنصفين أن الدعاة هم العمود الفقرى لأى تقدم مجتمعى وإصلاح خلقي؛ فهم أكثر الناس احتكاكا بالمجتمع، بل أكثر الناس معرفة بخواصه ودواخله، وليس هذا عن حدس وتخمين، بل عن ملازمة ومكاشفة ومخالطة وتجربة ومشاهدة؛ فالموضوعات الدعوية التى يفرزها الواقع المعاش خير من الخطب المعدة سلفا والموضوعات المكررة. العناية باللغة المستخدمة فى الدعوة بأن تكون سهلة واضحة مؤثرة؛ لما تمثله اللغة من قوة ناعمة فى صناعة القرار وتشكيله؛ فمن خلال اللغة نحفز، ونثبط، ونهول، ونهون، ونعظم، ونحقر، ونقرر، ونشكك، ونرفع، ونضع، ويتصور ذلك بأن يكون الداعية على دراية بنوازع المتلقين ومعرفة ميولهم واتجاهاتهم وعاداتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم وأعمارهم وأنماط شخصياتهم، ومخاطبتهم بما يفهمون، وما يؤثر فيهم.

بتوفير الأمكانات اللازمة للداعية؛ من خلال عقد دورات تأهيلية حول سبل العرض الفعال ووسائل الإقناع، وأخرى دورات مجتمعية؛ من خلال التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني؛ للوقوف على أهم المشكلات والقضايا التى يجب على الخطاب الدعوى أن يتبناها فى الفترة القادمة للمساهمة فى حلها، ومحاربة الأفكار والمفاهيم الخاطئة، وقد أحسنت كل من أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ وأكاديمية وزارة الأوقاف صنعا فى عقد دوراتهما المستمرة للتدريب الأئمة والوعاظ فى معالجة الفكر المتطرف والمنحرف وكيفية التصدى لظاهرة الغلو والتشدد، وزيادة معدلات الانتحار وظاهرة التفسخ الأسرى وزيادة معدلات الطلاق.

قلب المجتمع النابض وضميره الحي

فيما يقول الدكتور حماده جابر أستاذ مشارك فى الحديث وعلومه وكبير ائمة بوزارة الاوقاف بالقاهرة: إن المساجد لهى قلب المجتمع النابض وضميره الحي، ففيها يزداد الإيمان ويشكل الوعي، ويرشد إلى الخير، وإن للمساجد دورا فاعلا فى حياة الفرد المسلم، فهى ليست مجرد مكان تؤدى فيه الصلوات فحسب، إنما كان له أدوار، منها ما يأتي: تخليص النفس البشرية من العبودية والتذلل لغير الله تعالى، وتجريدها من التع عظيمة لق بأمور الدنيا وصغائر الأمور، فتسمو النفوس لباريها وتسكن داخل أطر المساجد، فلا سلطة لقوى على ضعيف فيها، إذ تذوب فيه كل الفروقات الدنيوية، ولا اعتبار لها فى المسجد. نشر شتى العلوم والمعارف بين الأفراد، وغرس الإيمان فى قلوبهم، إذ إن المساجد تعد منهلا يستقى منه كل متعطش للعلم، وهى لا تزال مكانا ثابتا للتعلم منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين إلى يومنا هذا، ولولا حلقات العلم التى كانت تقام فى المساجد لما وصلتنا الكثير من أمور الشريعة، فقد كان العلماء يتحلقون حول شيوخهم على قدم وساق، ثم ينشرون ويدونون ما تعلموا من التفسير أو الفقه أو الأحاديث النبوية، مع صعوبة الأمر عليهم فى زمن لم يكن فيه وسيلة سهلة للتنقل أو الكتابة، وبالتالى تعتبر المساجد مكان التعلم الأول الذى سبق المدارس والجامعات والمعاهد، وهو لا يزال كذلك فى عصرنا؛ لأن من يتعلم شيئا داخل المسجد لا يكتم هذا العلم لنفسه، بل يعلمه لمن حوله من الأهل والأصدقاء، فينتشر العلم بينهم ويقل الجهل بين المسلمين القضاء على المنكرات وتقليل وقوعها بين الأفراد؛ وذلك لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وانغماس الأفراد بالمساجد وتعلقهم بصلاة الجماعة يبعدهم عن إتيان الفواحش صغيرة كانت أو كبيرة؛ لأن المسلم يبقى متعلقا بالمسجد فى يومه وليله، يتذلل بين يدى الله تعالى بكل جوارحه، ويحب الله ورسوله، فيبتعد عن كل ما قد يبطل صلاته أو يجعلها غير مقبولة عند الله تعالى، وايضا تنمية الوازع الدينى فى نفس المسلم؛ لأنه يحرص على ترجمة ما تعلمه من قيم ومبادئ داخل المساجد إلى سلوكيات وأفعال تظهر عليه، والتوجيه المستمر من العلماء وأئمة المساجد للمصلين، وحثهم على الالتزام بالدين والتمسك بالأخلاق الفاضلة، كما يوجهونهم لكل ما يلتبس عليهم فى أمور دينهم. 

يشع منها الإسلام

وعن دور المسجد فى المجتمع المسلم يشير فضيلته، إلى أن المساجد تؤدى أدوارا تعود كلها بالنفع والخير على المجتمع المسلم، ومنها ما يأتي: نشر الدعوة الإسلامية إلى شتى بقاع المعمورة، حيث إن المساجد كانت ولا تزال المنارة التى يشع منها الإسلام؛ لأنها لا تخلو من الدعاة والمصلحين، وكذلك تماسك المجتمع، والحفاظ على الأسرة المسلمة، وتحقيق التكافل الاجتماعي؛ وذلك بسبب الوعظ الدائم فى المساجد حول ما يخص وحدة المسلمين وتآلفهم، والقضاء على الجهل بين المسلمين ونشر العلوم والمعارف بينهم، فهو كما أشرنا مكان لتعلم المسلمين شؤون دينهم؛ لاحتوائه على حلقات العلم، ودروس الوعظ والإرشاد من العلماء والفقهاء المختصين، وتوحيد كلمة المسلمين، وتقوية الروابط بينهم، وتقوية روابط الأخوة الإسلامية؛ وذلك لأن المساجد تنشئ بين المصلين علاقات سامية، إذ يجتمعون فى اليوم والليلة خمس مرات، ويجتمعون كل أسبوع فى صلاة الجمعة، كما يجتمعون فى المواسم المختلفة كما فى صلاة العيدين، مما يقوى العلاقات الودية بينهم، فيتعارفون ويتزاورون فيما بينهم، ويتعاونون على البر والتقوى، وتصفو نفوسهم من الحقد والضغينة والحسد، وبذلك تنتشر بين المسلمين العادات الحسنة من عيادة المريض وإغاثة الملهوف وإجابة الدعوة وغيرها الكثير. تفعيل مبدأ الشورى بين صفوف المسلمين، إذ يتناقش المسلمون فيما بينهم بما يخص مصلحتهم بموضوعية، ويتقبل كل منهم الآخر. تقليل وقوع الجرائم والفواحش فى المجتمع؛ لأن ارتباط المسلم بالمسجد وبالصلاة يبعده عن الوقوع فى المعاصى والمنكرات، قال الله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).

بيوتى فى أرضي

ويقول الدكتور عبد العزيز موسى الدبور الأستاذ بجامعة الازهر الشريف: ومما يدل على مكانة المسجد وأهميته ودوره أن المساجد هى بيوت الله فى الأرض ومكان عبادته، وفى الحديث القدسي: (إن بيوتى فى أرضى المساجد وإن زوارى فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر فى بيته ثم زارنى فى بيتى فحق على المزور أن يكرم زائرة) والمساجد أضافها الله تعالى لنفسه إضافة تشريف، والمساجد تنظم العلاقة بين العبد وربه، وتشحن قلب العبد بشحن إيمانية، وتزين جوارح العبد بالطاعة والانقياد والامتثال: (سيماهم فى وجوههم من أثر السجود)، والتعلق بالمساجد يخلص النفس البشرية من العبودية، والتذلل لغير الله تعالي، ويجعل العبد يوقن بأن كل كبير فالله تعالى أكبر وأعلى منه، فتسموا النفس لخالقها ويطمئن القلب ويرتاح البال، ويشعر العبد بلذة إيمانية: (أرحنا بها يا بلال)، (وجعلت قرة عينى فى الصلاة). 

كما أن الارتباط بالمسجد يقلل من انتشار الجرائم فى المجتمع: قال تعالي: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، والمساجد تعد مكانًا لتعليم المسلمين أمور دينهم: فهى مركزا للتربية والتعليم والتثقيف والتهذيب ونشر مختلف العلوم والمعارف والثقافة الإسلامية بين المسلمين من خلال الدروس والمواعظ والخطب، ومن عظم شأن المساجد فى الاسلام: أن الملائكة تشهد وتحضر حلق الذكر والعلم فيه: ففى الحديث: (ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)، والمسجد يعد مكانًا لتقوية روابط الأخوة والمحبة والألفة بين المسلمين وتوحيد كلمتهم: ففى المسجد تذوب كل الفوارق بين المسلمين وتتحقق المساواة بين عمار المساجد، ففى المسجد: لا سلطة لقوى على ضعيف، ولا سلطة لغنى على فقير، الجميع بين يدى الله سواء، وفى المسجد تصفوا القلوب وتطهر من أمراضها، ويتفقد حاضرهم الغائب، ويتحقق فيهم قول الله تعالي: (إن هذه أمتكم أمة واحدة...)، إذن المساجد ليست للعبادة فقط، إنما ينبغى أن يكون لها دور فى حياتنا كما كان الأمر فى عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم ولذلك أول عمل بدأ به رسول الله حينما وصل إلى المدينة (بناء المسجد).

بيت الأمة

ويقول فضيلة الشيخ فوزى أبوزيد إمام الجمعية العامة للدعوة إلى الله من علماء الاوقاف: إن الأمة الإسلامية سعدت فى مطلع الدعوة وبعدها، لأنهم جعلوا المساجد هى بيت الأمة، يلتقون فيها فيتعارفون، ويتوادون ويتعاطفون، كل مؤمنٍ ينبغى عليه أن يعرف الذين حوله من المؤمنين، وإذا غاب أحدهم تفقده، وإذا نظر إلى أحدهم ووجد فى وجهه أنه محتاج ساعده، وإذا نظر إليه ووجده مهموم خفف عنه، فيكون المؤمن للمؤمن كما قال الحبيب: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ فى ذلك بنفسه، فكان إذا لاحظ أن رجلا لم يظهر فى المسجد ثلاثة أيام يسأل عنه، فإن علم أنه مريض عاده وزاره، وإن علم أن محتاج أعانه، أو طلب من المؤمنين أن يعينوا أخاهم، وإن علم أن به مشكلة ذهب إليه وفحصها وحلها، فيشعر المؤمن بإخوة المؤمنين وبرعاية المجتمع للمسلمين.

يضيف فضيلته: لكننا فى هذا الزمان كثرت الجموع فى المساجد، وكلنا نصلى معا وبعد انتهاء الصلاة تقول لمن حولك يمينا وشمالا: السلام عليكم، السلام يقتضى المعرفة والتفقد، ولكنك تقول له: السلام ولا تعرفه، ولا تريد أن تتعرف عليه، كانت المساجد تجعل المسلمين أجمعين يتباحثون فى مشكلاتهم، وينظرون فى أمورهم، فيحلون كل المشكلات التى فى منطقتهم ومحلاتهم، ولا يحتاجون إلى حكومة تدخل بينهم إلا فى الأمور الكبرى العظمى التى تحتاج إلى قيادة مركزية لكن معظم الأمور التى بينهم يحلونها، فكان المسجد هو مجلس القضاء، والقضاة هم المصلون، يأتون بالمتخاصمين ويحلون المشكلات بينهم ويرضونهم ويخرجون من المساجد متصالحين، والمسجد هو حل لمشكلات الفقراء والمرضى والمساكين، والمسجد هو إذهاب الهم والغم عن المهمومين، كل ذلك لأن المؤمنين كانوا فى بيوت الله يجعلون المسجد واحة لجميع المؤمنين، فهلا عدنا إلى هذا الدور مرة أخرى؟ ونكرر سيرة الأولين؟ وننفذ هدى النبى الأمين؟ لعل الله عز وجل ينظر إلينا نظر عطف وحنان، ويصلح حالنا كما أصلح حالهم، ويغير شأننا كما غير شأنهم، ويغنينا بعد فاقة، ويعزنا بعد ذلة، ويجمعنا بعد فرقة، ويحفظنا بحفظه وصيانته من شر الكافرين والمنافقين وأهل الشر أجمعين.

جملة آداب المساجد وحرمتها

وعن آداب المساجد وحرمتها يقول فضيلة الشيخ ثروت سويف من علماء الاوقاف: من جملة آداب المساجد وحرمتها يمكن ان تلخص فى خمس عشرة خصلة، أولها: أن يسلم وقت الدخول إذا كان القوم جلوسا، وإن لم يكن فيها أحد أو كانوا فى الصلاة يقول: السلام علينا من ربنا وعلى عباد الله الصالحين»، والثاني: أن يصلى ركعتين قبل أن يجلس لما روى عن أبى ذر، قال: دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وحده، فجلست إليه، فقال لي: «أبا ذر، إن للمسجد تحية، وإن تحية المسجد ركعتان، فقم فاركعهما»، فقمت فركعتهما، ثم عدت فجلست إليه، والثالث: أن لا يشترى فيه ولا يبيع روى الحاكم عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فى المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، والرابع: أن لا يسل فيه السيف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسل السيوف ولا تنثر النبل فى المساجد، ولا يحلف بالله فى المسجد، ولا يمنع القائلة فى المساجد مقيما ولا ضيفا، ولا تبنى بالتصاوير ولا تزين بالقوارير، فإنما بنيت بالأمانة وشرفت بالكرامة، وعن حكيم بن حزام، أنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد فى المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود».

والخامس: أن لا ينشد فيه الضالة روى الحاكم عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإذا رأيتم من ينشد ضالة فيه فقولوا: لا رد الله عليك، والسادس: أن لا يرفع فيه الصوت فى غير ذكر الله تعالى، والسابع: أن لا يتكلم فيه بشيء من أحاديث الدنيا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا سمعتم الأصوات قد علت فى المساجد فى غير ذكر الله فلا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة)، والثامن: أن لا يتخطى رقاب الناس، قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الذى يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، ويفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه فى النار»، والتاسع: أن لا ينازع فى المكان، والعاشر: أن لا يضيق على أحد فى الصف، والحادى عشر: أن لا يمر بين يدى المصلى روى الامام أحمد عن جهيم الأنصارى قال سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى الرجل يمر بين يدى الرجل وهو يصلي؟ قال: سمعته يقول: « لو يعلم أحدكم ما له فى أن يمر بين يدى الرجل وهو يصلي، كان لأن يقف أربعين لا أدري: عاما، أو يوما، أو شهرا خيرا له من ذلك»، والثانى عشر: أن لا يبزق فيه عن أنس عن النبى قال: (البصاق فى المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)، والثالث عشر: أن لا يفرقع أصابعه فيه، والرابع عشر: أن ينزهه عن النجاسات والمجانين والصبيان وإقامة الحدود، روى ابو داوود فى سننه عن أمر بتنظيفها وتطييبها فقال: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وأجمروها فى الجمع واجعلوا على أبوابها المطاهر)، والخامس عشر: أن يكثر فيه ذكر الله تعالى ولا يغفل عنه قال تعالى (فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال).

كلمات البحث