الضغوط المادية أكثر أسباب الخلافات الزوجية، فالمال هو عصب الحياة الزوجية، وبقوة المال تستمر الحياة وبقلة المال يقع الزوجان في العديد من الخلافات التي تصل بالحياة الزوجية إلى حافة الهاوية، فأحيانا تتهم الزوجة زوجها بالبخل وقلة الإنفاق على الأسرة، وأحيانا أخرى يتهم الزوج زوجته بالتبذير وعدم القدرة على إدارة شئون البيت كما يجب.
وحول هذه المشكلة تقول الدكتورة مني رضا أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس وعضو الجمعية المصرية للطب النفسي:
في كثير من الأحيان تبدأ الحياة الزوجية والزوجان يعملان كل في مهنته وعندئذ يكونون غير قادرين على الاتفاق فيما يخص القضايا المالية أو إيجاد الوقت للحديث عنها، مثل قرارات تقسيم الفواتير إلى المنتصف أو تخصيصها بطريقة أخرى عادلة ومنصفة.
وكذلك قد يتفق الزوجان على اقتسام مصروفات المنزل والمعيشة عموما وليست الفواتير فقط، وهنا يمكن لكل من الزوجين إنفاق ما تبقى لديهما على النحو الذي يراه مناسبًا، تبدو كأنها خطة معقولة لكن بمرور الوقت غالبًا ما تثير العملية الاستياء من قبل أحد الطرفين إذا لاحظ عمليات المشتريات الفردية التي يتم إجراؤها.
قد يكون سبب ذلك الرغبة في التخطيط لأهداف طويلة الأجل مثل الرغبة في الاستقرار والاستعداد لتأمين حياة الأطفال، ولكن قد ينتهي الأمر بأن يؤدي إلى سلوك مدمر للعلاقات مثل الخيانة المالية، وهي أن يخفي أحد الزوجين المال عن الآخر وأحيانا يكون التدبير المالي واتفاق الزوجين يجعلهما على وعي كاف بكيفية التعامل مع الأعباء المالية، إذا فقد أحد الزوجين وظيفته أو صدر قرار مفاجئ بتقليص ساعات العمل أو خفض الأجور لتجربة مهنة جديدة، في ظل تلك الظروف يجب أن يكون هناك مخطط من الناحية المادية لتربية الأطفال أو العودة إلى المدرسة أو رعاية أحد الوالدين، أو إذا كان هناك أي موقف آخر قد يضطر فيه أحد الشركاء إلى دعم الطرف الآخر ماليًا.
وتلعب شخصية كل من الزوجين دورًا كبيرًا في المناقشات والعادات المتعلقة بالمال والكلام مازال على لسان الدكتورة منى رضا وتكمل: حتى لو كان كلا الشريكين لا يحملان هم أمور مادية أخرى مثل الديون، فإن الصراع القديم بين الإنفاق والادخار من الوارد أن يحدث وبطرق متعددة.
لذا من المهم أن يعرف الزوجان ماهية الشخصية المالية وأن يتم النقاش حول هذه الاختلافات بصراحة.
باختصار شديد، بعض الأشخاص مدخرون بطبيعتهم وقد ينظر إليهم من قبل الأشخاص الآخرين على أنهم بخلاء، أو يتجنبون للمخاطرة والبعض الآخر منهم يميلون إلى الإنفاق والإسراف ويستمتعون بذلك، وهناك من يسعد بالتسوق والشراء والبعض الآخر يراكم الديون غالبًا بلا تفكير، في حين أن البعض مستثمرون طبيعيون يؤخرون الرضا عن الاكتفاء الذاتي في المستقبل، أنه من الأفضل تفهم الشريكين شخصياتهما وكيف يفكر كل فرد منهما، وما الخصائص التي تتمتع بها الشخصية المالية، لذلك من الأفضل التعرف إلى العادات السيئة ومعالجتها وتعديلها.
فلقد أصبحت قضية المال نوعا قبيحا من الصراعات التي تحدث في مجتمعنا للدرجة التي قد تكون بها سببا للانفصال وهدم استقرار إحدى العلاقات بسبب التعامل الخاطئ مع الأمر، ربما تندهش من أن أفضل طريقة للتعامل مع ضغوط الزواج التي تعتبر المشكلات المالية أشهرها هي التواصل والصدق في نقل التوقعات والآمال والأهداف والمخاوف، ويجب على الأزواج أيضًا ممارسة التعاطف والنضج لتلافي هذا النوع من الخلافات والتخلي عن أي ميل للسيطرة قد لا يتفهم بعض الأشخاص هذا بشكل صحيح، لكن هذا لا يعني أنهم لا يستطيعون استخدام أدوات وتقنيات معينة لمعالجة هذا النوع من الأمور.
وعن دور استشاري العلاقات الزوجية في مساعدة الزوجين على تخطي تلك المشكلات؟
تقول الدكتورة منى رضا استشاري العلاقات الزوجية: يساعد بطريقته الخاصة في أن تكون أنت وشريكك موضوعيين بشأن ما يجب القيام به، مثل مساعدتكم في وضع خطة ووضع أهداف لأنفسكم ومستقبلكم، كما أن جلسات الاستشارة ستساعدكم في التعرف إلى الأنماط المدمرة في طريقة تواصلكم وما أفضل الطرق التي يجب أن تتعاملون بها مع بعضكم، وخلاصة الأمر أن جلسات الاستشارة أمر مفيد للغاية، في اجتياز أسوأ الأوقات لأنه من خلالها ستجدون أفضل أنواع الدعم التي تحتاجون إليها.
والأزمة المالية ليست مجرد مشكلة مالية بل هي مشكلة في التواصل والتفاهم بين الطرفين، ولا توجد استراتيجية واحدة تعمل مع كل زوجين، ففي بعض الحالات قد يتعين على الأزواج استكشاف العديد من الحلول أو البدء من جديد بعد الفشل، وبالنظر من جانب آخر قد تكون هذه الأزمة توفر فرصة لتقييم العلاقة وتعزيزها فـالانكماش الاقتصادي بمثابة اختبار للشراكة التي كانت تتشكل على مر السنين والالتزام بالمستقبل معا، ويقيس القدرة على إجراء تغييرات لصالح العلاقة الزوجية.
وتكمل الدكتورة سامية صالح خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: من أهم أسباب الطلاق الضغوط الاقتصادية وعدم القدرة على التعامل معها بمرونة والالتزام بأولويات الإنفاق فيكتفى الطرفان بالتذمر والشكوى والإحساس بثقل مسئولية الزواج على عاتقهما فتكثر الخلافات، ومع أي فرصة يظهر شبح الطلاق وكذلك تدخل الأهل في كثير من الأحيان بالنصائح التي تفاقم الوضع وتزيد من حدة المشكلة، وأحيانا تبالغ الزوجة في عرض المشكلة مما يحفز الآباء والأمهات على التدخل بشكل يسيء إلى الزوج مما يعمق حدة الخلافات ويصل الأمر إلى الطلاق.
وتنصح الدكتورة سامية صالح بأن يتم تعليم أسلوب التعامل الراقي بين الزوجين فيما يتعلق بأي خلافات سواء كانت خلافات مادية أو غيرها، لأن التعامل السيئ يترك آثارا سلبية في نفوس كلا الزوجين، ولا شك أن هذا الدور يقع على عاتق الإعلام بمختلف قنواته سواء كانت وسائل إعلام مرئية أو مسموعة أو وسائل التواصل الاجتماعي بدلا من نشر الثقافة السوقية والأسلوب الرديء في التعامل، بخاصة ما يحدث من برامج تافهة وإعلانات مستفزة لا ترقي بمستوى الذوق العام لكي تستقيم حياة الأسرة والمجتمع ككل.