لم تعد الحروب بين الدول تعتمد على الأسلحة التقليدية ولكن تطورت الوسائل بتغير الأهداف، وأصبحنا فى مرمى نيران حروب موجهة إلى العقول تضرب الثوابت والمعتقدات فى المجتمعات المستهدفة، من خلال وسائل التكنولوجيا والمحتوى الإعلامى، والأطفال هم الفئة الأكثر استهدافا الآن لأنهم مستقبل هذه الأمة. لاحظنا أخيرا غزوا فكريا وثقافيا موجها إلى هذه الفئة من خلال البرامج والأعمال الدرامية وأفلام الكرتون التي تنتجها شركات عالمية استطاعت أن تجعل هؤلاء الأطفال مرتبطين بأعمالها، لذلك كان لا بد من وقفة عاجلة لمواجهة هذا الغزو الثقافى الكبير، وفى خطوة إيجابية جادة أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مسودة كود «ضوابط وأخلاقيات الإعلام الآمن للطفل» والذى يتضمن وفق بيان المجلس على صفحته الكثير من النقاط منها منح الأطفال حقوقهم في الخصوصية والكرامة وحرية التعبير، وضع آليات لضمان مشاركة الأطفال في مختلف مراحل صناعة المحتوى الموجه إليهم وفي تقييمه، عدم تعرض الأطفال المشاركين في إنتاج المحتوى لأذى جسدي أو نفسي نتيجة مشاركتهم، عدم انتهاك خصوصية الأطفال المستخدمين للمواقع الإلكترونية، الالتزام بعدم إظهار الأطفال من ذوى الإعاقة على أنهم غير قادرين أو مجال للرثاء أو السخرية، وغيرها من البنود المهمة التى سعينا لاستطلاع آراء المختصّين حولها.
موضوعات مقترحة
يقول الدكتور صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة: إنها خطوة مهمة وإن كنا نحتاج إلى تقنين هذه الأكواد والآليات حتى يمكن أن نفعلها فى كل الممارسات المهنية للأداء الإعلامى للطفل المصرى، لأنه للأسف الشديد هناك الكثير من الممارسات المعيبة والتي لا تصلح للتفاعل مع كل القضايا والمشكلات التى تواجه الطفل المصرى والعبرة ليست فى المقترحات ولكن فى التنفيذ والممارسة والتفاعل من كل الجهات المعنية، ولا بد من المتابعة الجادة للتنفيذ من قبل المجلس.
وتقول الناقدة الفنية ماجدة موريس: خطوة جيدة لكن على المجلس وضع آليات التنفيذ فعلى سبيل المثال فى أحد البنود يقول «عدم تعرض الأطفال المشاركين فى إنتاج المحتوى لأذى جسدى أو نفسى نتيجة مشاركتهم» فهذا كلام مرسل لأنه من المفترض أن يكون هناك تحديد لكيف يتم حماية الأطفال المشاركين فى هذه الأعمال، أيضا ضرورة الإشارة إلى أن المحتوى المقدم خيالي فلا بد أن توضح الطريقة التى سيتم بها ذلك وإذا كانت كل الأعمال الدرامية مبنية على الخيال وافتراضية والأطفال أيضا يعرفون ذلك ولكن إذا كانوا يريدون وضع تنويه للأطفال الأصغر سنا الذين لا يدركون ذلك والفرق بين الخيال والواقع، فلا بد أن يحدد المجلس الأعلى للإعلام كيف يتم هذا؟ مع العلم أن هذا الكود يحتوى على أشياء مهمة ولكن هناك نقاط تستدعى أن نقف عندها، فلماذا لا يقول المجلس تصوراته عن البنود التى يطلبها؟ أي أن يوضحها ويعقد ندوة حول هذا الكود مع المختصّين فى الكتابة للطفل ومع الإعلاميين والمسؤولين عن القنوات ويتم مناقشتهم فى هذه الأكواد.
قالت:وكنت أتمنى أن يتم ذلك قبل صدور الكود لأنه سيجد لديهم وجهات نظر كثيرة حول هذا الموضوع المهم فى هذه المرحلة، وهناك نقطة مهمة لا بد من دراستها وهى غياب برامج الأطفال فى القنوات المصرية الجديدة، وكل ما يعرض الآن مستورد من دول أخرى لها ثقافة اجتماعية مختلفة تماما عن مجتمعنا، وللأسف لم تعد موجودة ولا يوجد أى اهتمام لتقديمها بشكل مستمر وجيد يجذب الأطفال حتى وإن وجدت بعض البرامج القليلة فلا بد أن يكون هناك مناقشة حول هذا الموضوع مع المتخصصين حتى يكون الكود أكثر إقناعا للناس .
وتقول الدكتورة كريمة الحفناوى عضو الجبهة الوطنية لنساء مصر:
وجود كود لتنظيم ما يقدم للأطفال خطوة مهمة لتوعية هذا النشء وتربيته على حب الانتماء للوطن والحفاظ على هويته وعلى موروثاتنا الثقافية والاجتماعية، لأنه للأسف حالة عدم الانضباط فى وسائل الإعلام المختلفة بكل أنواعها التى نراها الآن، وعندما تترك بهذا الشكل العشوائى والفوضوى يؤدى إلى كوارث لدى الأطفال، ورأينا ذلك فى صورة حوادث أودت بحياة الأطفال فى كل دول العالم نتيجة الألعاب التى تحرض على العنف وتزرع لديهم حب العنف، لأن الأطفال يحبون تقليدها من دون أن يدركوا خطورتها ولدينا العديد من البرامج الخاصة بالأسرة والمرأة والطفل لكنها للأسف برامج تقليدية لا تجذب الأطفال.
تابعت: لذلك نريد عددا من البرامج الجديدة التى تجذب الطفل وتخاطبه بعقليته، فطفل اليوم نتيجة تنوع وسائل التواصل من حوله أصبح عقله وإدراكه أكبر بكثير مما نتصور، فلا بد أن نخاطبه بمستوى تفكيره واهتماماته وبأشكال فنية جاذبة له حتى لا نتركه للإنتاج الأجنبى الذى تنفق عليه الدول الغربية الكثير، لذلك إذا كنا بصدد وضع كود جديد لهذه القضية فأين الشخصيات التى يلتف حولها الطفل المصرى والعربى؟ رأينا قبل ذلك شخصية بكار التى استطاعت أن تجمع حولها الأطفال فى وطننا العربى كله، لذلك نريد خطة استراتيجية لإنتاج عدد من البرامج وابتكار عدد من الشخصيات التى تجذب الطفل المصرى، بدلا من أن ينجذب إلى شخصيات ديزنى مثلا والتى أثارت الجدل أخيرا بسبب توجهاتها وموقفها من قضايا مرفوضة دينيا وأخلاقيا، وبالتالى لا بد من خلق البديل لأنه حينما لا يكون هناك بديل يجذب الطفل ويكون بديلا يؤكد ثقافتنا وهويتنا وعاداتنا وقيمنا وإذا عجزنا عن ذلك فهذا الفراغ للأسف ستشغله كل دول العالم بأفكارها التى قد تكون مخالفة لثقافتنا.
وتضيف الدكتورة كريمة الحفناوى: لا بد من التركيز على نقطة مهمة هى كيفية تفعيل هذا الكود من خلال وضع خطة محكمة حول كل ما جاء به، وأن يتولى معنيون تفعيله من المسؤولين وهيئات المجتمع المدنى بحيث يكون لدينا خطة وتنفذ بشكل كامل على مستوى الدولة فى كل المجالات التى ذكرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام .
وتؤكد الدكتورة منة بدوى استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري أنه قرار مهم وتضيف: ونحن فى حاجة شديدة إليه فالإعلام يسيطر ليس على الطفل من جانب المشاهدة فقط بل على عقلية الطفل ويشكل الأحلام والمنامات، أليس بعض الأطفال يعانون من القلق الذي تسببه أفلام الرعب، إذا فهناك تأثير شديد لنوع الإعلام على الطفل.
إن الطفولة مرحلة مهمة من مراحل الحياة، لا سيما في مجتمعات خصبة كمجتمعنا.
وإعلام الطفل من أهم أنواع الإعلام إذا نظرنا إليه من جانب التقسيم بالشريحة العمرية، لذا فإن الشركات تعمل على أساس أن الطفل عالم قابل للتشكيل بحسب الرغبات والأهداف المقصودة، وأنه رهان كبير على المستقبل والحاضر، إذ بامتلاكه والسيطرة على وعيه والتحكم في ميوله يمكن امتلاك المستقبل والسيطرة عليه، فالطفل هو الغد القادم، وما يرسم هذا الغد هو نوعية التربية والتلقين التي نقدمها لهذا الطفل في الحاضر
وذكر العلماء والتربويون الحاجات الأساسية للطفل وهي (الحاجة إلى الغذاء، والحاجة إلى الأمن، والحاجة إلى المغامرة والخيال، والحاجة إلى الجمال، والحاجة إلى المعرفة، وأفلام الكرتون والرسوم المتحركة تلبي الثلاث حاجات الأخيرة،لذا علينا الاهتمام بما يستوعبه ويشاهده أطفالنا_،لذلك لا بد من تنمية الخيال بأنواعه القصصي والدرامي، والخروج عن الواقع إلى شخصيات لا نجدها في عالمنا، وأحداث لا يمكن أن تقع، وقد يتسرع بعضنا إلى القول بأن ذلك سلبي، والحق أن الخيال حاجة أساسية من حاجات الأطفال بشرط ألا يكون مغرقا سلبيا لا يحمل قيمة، ولا يغرس فضيلة .
والخيال الذي نصادفه في أفلام الرسوم المتحركة هو الذي يعطي الطفل الرؤية البعيدة المدى، وهو الذي يجعله يحلل ما يدور حوله من أحداث ومواقف، ويفعل عمليات التفكير العليا لديه، كالاستدلال والمقارنة والاستنتاج والتحليل والتركيب مما نفتقده في المدارس غالبا، بسبب أننا نستبدل ذلك كله بمهارة واحدة فقط تجعل الطفل كالببغاء، وهي مهارة التذكر .
وتضيف الدكتورة منة بدوى: من هنا نجد أن الإعلام له دور مهم وفعال للطفل من كل الجوانب فنيا وتعليميا، وكما أن على عاتق الإعلام ميثاق الأمن والإيجابية للطفل من هنا أؤكد أهمية ضوابط وأخلاقيات الإعلام الآمن للطفل من جهه الدولة، وأهمية دور الأسرة الفعال في متابعة نوعيه الأفلام والبرامج التي يشاهدها الأطفال لخلق جيل واع واثق من نفسه من دون تشوهات نفسية.