الاحتفال الحاشد الذي جرى في كل من سول وبكين يوم الأربعاء الماضي، بمناسبة مرور 30 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية، كشف عن حقائق وأرقام مهولة في حجم اقتصادات الجانبين، وتحديدًا، في مجالي القوة التنافسية والتكنولوجية.
النمو المتسارع للتبادلات بين سول وبكين، المؤسس على "علاقة مشاركة تعاونية إستراتيجية"، جعل كوريا الجنوبية والصين أكبر شريكين تجاريين، خلال الـ 30 عاما الماضية، غير أن هذه العلاقة تتعرض –الآن- لمنعطف خطير ومفترق طرق.
فقد خيم شبح احتدام المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، والتغييرات والتقلبات الدولية، الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وتبعات العقوبات المفروضة على روسيا، على أجواء الاحتفال الكوري- الصيني، بالإضافة إلى اعتراض بكين على نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي "ثاد" في كوريا، بحجة تهديده الخطير لأمنها.
قلق بكين من توجهات سول -التي تعتمد على الحليف الأمريكي بشأن الدفاع الأمني وعلى الصين اقتصاديًا- ازداد بعد انضمام كوريا الجنوبية إلى عضوية الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومشاركتها في أعمال قمة حلف الناتو الأخيرة، إضافة لانضمامها لتحالف أشباه الموصلات المعروف باسم "تشيب 4" الذي تقوده الولايات المتحدة.
اعتماد سول على بكين اقتصاديًا، وعلى واشنطن أمنيًا، ورغبة كوريا الجنوبية في لعب دور مؤثر على الساحة الدولية، بما لا يتعارض مع الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة والصين، أظهر الحاجة لاتباع سياسات متوازنة.
أعود إلى ما بدأت به المقال، وتحديدًا، عما كشفه الاحتفال بمرور 30 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين كوريا الجنوبية والصين، من حقائق وأرقام مهولة عن نمو متسارع، وحجم اقتصادات وتبادلات الدولتين.
فقد بلغ إجمالي الناتج المحلي في الصين خلال العام الماضي، 2021، حوالي 17 تريليونا و458 مليار دولار، وهو ما يعد 35 مرة ما تم تسجيله في عام 1992، حينما بلغ 492.1 مليار دولار.
في الوقت نفسه، بلغ إجمالي الناتج المحلي في كوريا الجنوبية في العام الماضي تريليونا و798.5 مليار دولار، بزيادة مقدارها خمسة أضعاف خلال الفترة نفسها.
بالنسبة لحجم الصادرات، سجلت الصين 39 ضعفا خلال الثلاثين عاما الماضية، فيما حققت الصادرات الكورية نموا بـ 8 مرات، وزاد عدد الشركات الكورية المصنفة في قائمة أفضل 500 شركة عالمية من 8 شركات في عام 1995 إلى 16 شركة هذا العام، بينما زاد عدد الشركات الصينية المصنفة في القائمة نفسها، من 3 شركات إلى 136 شركة.
أيضًا، انخفض عدد المنتجات الكورية، ذات الحصة الأكثر في سوق التصدير العالمية، من 96 منتجا في عام 1993 إلى 77 منتجًا في عام 2020، فيما زاد عدد المنتجات الصينية ذات الحصة الأكثر في السوق العالمية من 322 منتجًا إلى 1798 منتجًا.
وأظهرت البيانات الصادرة من رابطة التجارة الدولية الكورية أن قيمة صادرات كوريا الجنوبية إلى الصين بلغت 162.9 مليار دولار في العام الماضي، مقارنة بنحو مليار دولار–فقط- في عام 1991.
تمثل هذه الزيادة نموا قويا، حيث ارتفع إجمالي قيمة صادرات كوريا بمقدار 9 مرات من 71.8 مليار دولار إلى 644.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها.
قبيل تنصيب الرئيس الكوري الجنوبي، يون صوك يول، بأيام قليلة، كتب البروفيسور بارك تشول هيه، الأستاذ بجامعة سول الوطنية ما يلي: "كوريا دولة أكثر قدرة مما نعتقد على الصعيد الدولي، كل ما علينا فعله هو أن نضع الأفكار موضع التنفيذ، ثم نتخذ الإجراءات المناسبة، عندها –فقط- يمكننا أن نكتسب احترام وثقة المجتمع الدولي".
في مقال كتبه الخبير الياباني في الشئون الكورية، كيمورا كان، ونشره موقع "نيبون دوت كوم" يوم الخميس الماضي، تحت عنوان "هل ينجح الرئيس الكوري الجديد لكوريا الجنوبية في تحويل بلاده إلى قوة عالمية"، ذكر كيمورا أن كلمات البروفيسور بارك جديرة بالملاحظة بشكل خاص، نظرًا لكونه "العقل الدبلوماسي" للرئيس يون.
يشير بارك تشول هيه، العقل الدبلوماسي للرئيس الكوري الحالي، إلى أن إدارة يون لديها ثقة أكبر في القوة الوطنية لكوريا الجنوبية وتأثيرها الدولي، وعبر عن اعتقاده بأنه إذا ركزت سول على أمنها الخاص –فقط- فإنها ستفقد فرصة لعب دور نشط في المجتمع الدولي.
يوضح بارك: "علاوة على ذلك، فإن الاعتقاد السائد داخل إدارة يون هو أن كوريا الآن "قوة عظمى" قادرة على لعب مجموعة متنوعة من الأدوار على المسرح العالمي، وبالتالي ينبغي عليها توسيع آفاقها الإستراتيجية والجيوسياسية".
لذلك يرجح الخبير الياباني، كيمورا، أن تتبنى سول في السنوات المقبلة قدرًا أكبر من النشاط الاستباقي الدولي في سياستها الخارجية، وقد يمثل ذلك نقطة تحول أكبر بكثير مما هو معتاد عليه، مما يعني أن كوريا الجنوبية التي عانت من الحكم الاستعماري، وحتى بعد الاستقلال، استمرت في المعاناة من الانقسام والصراع والصعوبات الاقتصادية الخطيرة، بسبب الحرب الباردة، قد تصبح -هي نفسها- عضواً فاعلاً في تشكيل موازين القوى الدولية.
وفقا للخبير الياباني، كيمورا، تحتل كوريا الجنوبية–حاليًا- المرتبة العاشرة بين دول العالم من حيث حجم الاقتصاد، فقط، مجموعة الدول السبع، والدولتان الأكثر اكتظاظًا بالسكان، الصين والهند، لديهم ناتج محلي إجمالي أعلى من كوريا الجنوبية.
اعتبارًا من عام 2020، وصل الإنفاق العسكري لكوريا الجنوبية –أيضا- إلى المرتبة العاشرة عالمياً، متخطياً كلاً من إيطاليا وكندا، وقد استمر هذا الإنفاق في النمو طوال فترة جائحة كوفيد-19، وفي عام 2021، تجاوز إنفاق اليابان، مما دفع بكوريا الجنوبية إلى مصاف القوى العسكرية الدولية، كألمانيا وفرنسا. لم تعد كوريا الجنوبية هي تلك الدولة الصغيرة والفقيرة وغير المستقرة، كما كان يُنظر إليها من قبل.
[email protected]