على مدى السنوات العشر الماضية، تسبب الإرهاب، ومعه التغيرات المناخية، في تجريف نحو ٣٠٠ ألف فدان، بمحافظة شمال سيناء، كانت تنتشر في زراعات الخضر والفاكهة بمراكز العريش وبئر العبد ورفح والشيخ زويد، ونتيجة لهما تراجعت كميات الأمطار وارتفعت درجة الحرارة، وانتشر التصحر، وهو ما أدى إلى هجرة السكان، كما تغيرت بيئات الأنواع الحية، واتسعت مساحة الرمال وزحفت على الطرق والمرافق وردمت شواطئ البحيرات، وهددت آبار المياه الجوفية مما تسبب في تعطل الآبار وانسداد مصافي الأعماق وتلف موتورات سحب المياه، وتعطيل مزارع الحيوانات والدواجن.
واليوم، وبعد أن كسرت الدولة شوكة الإرهاب، وتسعى جادة لمواجهة التغير المناخي، تعكف حاليًا لاستعادة زراعة الأرض وإعادة السكان إلى مناطقهم وعودة الخدمات الصحية والتعليمية والمشروعات الاقتصادية وأهمها الزراعة لإعادة توطين السكان وتثبيت سبل التنمية البشرية والبيئية.
بجانب الجهود الرسمية، بادرت جهود للمجتمع المدني بالمحافظة لتسير في سياق وسباق إعادة الاستقرار مجددًا للمحافظة ولأبنائها، بمشروعات تستهدف عودة التنمية التي أضرها الإرهاب، وعطلتها التغيرات المناخية.
من بين أهم المشروعات الجديدة، يأتي مشروع "استخلاص المواد الفعالة من نبات الرطريط" واستخدامه في مكافحة تلوث الشواطئ والمسطحات المائية"، في صدارة جهود المجتمع المدني مثل "جمعية رعاية الطلبة" بجامعة العريش في شمال سيناء.
صاحب فكرة المشروع، الخبير البيئي المهندس عبدالله الحجاوي، منسق منصة شمال سيناء لتغير المناخ، أوضح أن هذا النبات الصحراوي، الذي ينتشر بالمحافظة، واسمه العلمي "نبات الثلج البلوري - crystalline ice plant"، يحمل نتائج واعدة متوقعة للتنمية الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية، حيث يسهم بقوة في تحديد المركبات التي يمكن استخدامها كمشتت للزيوت، ومعالجة مشكلة حادة وهي تلوث المسطحات المائية ببقع الزيت التي تنتج من ناقلات النفط، وأيضًا يستخدم للدهانات، ومثبط للتآكل ومكافح للصدأ، وهو مادة اقتصادية واعدة تمتاز بخواص كيميائية وفيزيائية تجعلها قابلة للعديد من التطبيقات الصناعية المهمة، منها صناعة الأدوية، ومستحضرات التجميل والصابون، ومشتتات الزيوت، وفصل المعادن.
يكشف المهندس الحجاوي، رئيس الجمعية الأهلية لحماية البيئة بشمال سيناء، أن المحافظة تأثرت بشكل حاد من التغيرات المناخية، تمثلت في تراجع نسبة الأمطار، وهو بدوره أدى إلى زيادة مساحات التصحر، وتغير الموائل الطبيعية، فضلا عن تجريف الزراعة، نتج عنها تغير نسب الرطوبة، فضلا عن زيادة درجة الحرارة، وتكمن أهمية "الرطريط" في أنه مغطى بحويصلات مائية كبيرة بلورية لامعة لتخزين الماء والأملاح، مثل العديد من النباتات التي تتحمل الملوحة، ويقوم بتجميع الأملاح، فيتدرج من التربة للجذور إلى السيقان والأوراق، فتتحول الأراضي الملحية لأراضٍ صالحة للزراعة، وبذلك قد يكون نبات الثلج البلوري مفيدًا للمعالجة الحيوية والأنشطة البيولوجية مثل مضادات الأكسدة ومضادات الميكروبات، أيضًا فإن أوراقه صالحة للأكل، وتم الترويج لهذا النبات في الولايات المتحدة وأوروبا كخضراوات نيئة أو مطبوخة مثل السبانخ، ويتم جمع الأوراق والسيقان في جنوب إفريقيا من أماكن نموها البرية للأكل ومخلل مثل الخيار، وفي اليابان، أصبح هذا النبات نباتًا شائعًا يباع في محلات السوبر ماركت بعد أن نجحت جامعة "Saga" في زراعته بكميات تجارية عام 2009، وأعطته اسم "خضار نبات الثلج".
وفي إطار دمج البحث العلمي في خدمة المجتمع، تنبه الدكتورة سوسن محمد أبوالحسن، قسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة العريش، المشاركة بعمل مستخلصات البحث وتفسير النتائج، إلى أن التجربة المعملية أثبتت أن القيمة التي يمكن استخدام هذه المستخلصات من "الرطريط" كمثبطات للتآكل، تصل إلى 80%، وهي أفضل من العديد من المستخلصات الطبيعية الأخرى، وتتميز بوجود العديد من المركبات الكيميائية للمستخلصات وبقدرة استخدامها كمخفض للتوتر السطحي يجعل فكرة طرحها كمشتتات للزيوت فكرة قوية تعالج تلوث المسطحات المائية، ويتوزع هذا النبات فى مصر بالمناطق الملحية على طول ساحل البحر المتوسط في شمال سيناء ودلتا النيل على الرمال المسطحة والمستنقعات الملحية والكثبان الرملية، ويعتبر من النباتات البرية الكثيفة التي تزعج المزارعين، حيث إنه ينمو في البيئة تلقائيًا، بلا تدخل بشري، ويشغل مساحة كبيرة تعيق عمل المزارعين، فيتم حرقه والتخلص منه، لذلك جاءت فكرة الاستفادة من هذا النبات وعدم حرقه، بتحويله من مصدر للضرر إلى مصدر مفيد.
ويمكن الاستفادة من بقايا المستخلصات للنبات كأعلاف أو أسمدة حيوية تفيد الأرض الزراعية، كما يرى الخبير البيئي، المهندس الحجاوي مدير جهاز شئون البيئة "الأسبق" بشمال سيناء، ويشير إلى أن بعض المركبات في المستخلصات تقود إلى وجود خاصية في النبات وهي "امتصاص المعادن - metal uptake"، والتي تفيد في إمكانية استخدامها في تنقية المياه من الأملاح الضارة بطريقة طبيعية غير ملوثة للبيئة، ويمكن تطبيقها في عمل خلطات مع البوليمرات البلاستيك، ودهانات الأيبوكسي لتحسين الخواص، وخفض الهدر من عمليات التصنيع.
لاشك أن إعادة تثبيت رمال التنمية المتحركة في شمال سيناء، يتطلب تضافر ومضاعفة وتسريع الجهود بين كافة الأطراف المعنية بالشأن الوطني، الحكومة، والمجتمع المدني، والجامعات والبحث العلمي، والمجتمع، والأفراد، لأن سيناء لم تلتقط أنفاسها بعد، فمن حروب، إلى إرهاب، إلى جولات المناخ، وكأن حال المواطن هناك يردد دعاء سيدنا موسى: "رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ".
[email protected]