شاهدنا في الفترة الأخيرة العديد من الجرائم التي يُندى لها الجبين؛ مما يدفع البعض لتفسير ذلك بأن من ارتكبها مُصاب بآفة في عقله أو نوع من أنواع الجنون والبعض الآخر يفسر بأن صاحبها مريض نفسيًا، مما جعل البعض يخشى من إفلات الجاني من العقاب نظرًا لأن الجنون مانع من موانع المسئولية الجنائية التي لا يسأل الشخص عن ارتكابه الجريمة، نظرًا لانعدام الإرادة وانعدام الإدراك، لذا أحببت أوضح للجميع ما المقصود بالجنون وأنواعه ومتى لا يسأل الشخص عن جريمته، وما هي المسئولية الجنائية؟
المسئولية الجنائية هي مقدرة الشخص على فهم سلوكه لحظة ارتكابه للجريمة، أي ما يفكر به الشخص وقت ارتكاب الجريمة، وما هي النتيجة المتوقعة عندما يرتكب الجريمة، وتعتبر الحالة العقلية من الأسس المهمة لتعريف الجرائم في القانون، بمعنى آخر المسئولية الجنائية ترتبط بالحالة العقلية للجريمة، أركان المسئولية الجنائية في القانون المصري تقع المسئولية الجنائية على الفرد عند توافر جميع أركان الجريمة وهي: الركن المادي للجريمة ويعبر عنه بالسلوك أو بالفعل، الركن القانوني للجريمة ويتمثل بوجود نصوص قانونية تُجرم الفعل الصادر من الجاني على المجني عليهم، أما الركن المعنوي ويعني القصد جنائيًا للشخص الفاعل، أي أن يكون الجاني واعيًا ومدركًا لأفعاله، وتوافر الثلاثة أركان يكون أمام جريمة يسأل عنها المتهم جنائيًا.
فالجنون هو التطبيق الـثاني لموانع المسئولية الجنائية الناشئة عن انعدام الإدراك والوعي، فتنص المادة 62 من قانون العقوبات على أن: " لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار وقت ارتكاب الفعل، إما لجنون أو عاهة في العقل، وإما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا أخذها قهرًا عنه أو كان على غير علم بها"، والجنون قد يكون مستمرًا وهو يمنع المسئولية، وقد يكون متقطعًا يجيء في مراحل متباينة تعقبها مراحل إفاقة، وفي هذه الحالة يمنع من المسئولية متى كان الجنون معاصرًا لارتكاب الجريمة، وساوى المشرع بين الجنون والعاهة العقلية، ولامتناع المسئولية الجنائية يجب أن يكون الجنون تامًا أي غياب الوعي والإدراك، أما الجنون الجزئي فيكون الشخص سليمًا من ناحية قواه العقلية ولكن يأتي بأفعال إجرامية كالسرقة والحريق والأفعال المنافية للحياء فيكون مسئولًا عن الأفعال التي ارتكبها وهو غير خاضع لتأثير أي اضطراب عقلي وبعض الفقهاء دعا إلى أنه يسأل ولكن مع تخفيف العقوبة فهو يعد من أنصاف المجانين.
ولكن حتى يستفيد الشخص من عدم مسئوليته جنائيًا يجب أن يكون الجنون معاصرًا لارتكاب الجريمة، وهناك ما يسمى بالجنون الطارئ وهو ما يكون بعد ارتكاب الجريمة فلا يستفيد الشخص من الظرف المانع من المسئولية الجنائية بل يقتصر أثره على إجراءات رفع الدعوى إذا طرأ في إثنائها أو على تنفيذ العقوبة إذا حدث بعد الحكم النهائي ويكون بوقف الإجراءات أو بوقف تنفيذ العقوبة، فتنص المادة 339 فقرة أ من قانون الإجراءات الجنائية على أنه : " إذا ثبت أن المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب عاهة في عقله طرأت بعد وقوع الجريمة يوقف رفع الدعوى عليه أو محاكمته حتى يعود إليه رشده"، ويجب أيضًا أن يكون الجنون ثابتًا أي أن تثبت محكمة الموضوع أن المتهم كان فاقدًا للإدراك والشعور وقت ارتكاب الفعل، لذا فالجنون والعاهة العقلية هما فقط مانعا المسئولية الجناية، أما سائر الأمراض النفسية التي لا يفقد فيها الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سببًا لانعدام المسئولية.