د. وفاء علي: مشروع داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ينتج 390 ألف طن من الأمونيا الخضراء سنويا
موضوعات مقترحة
د. محمد فاروق: توفر المزيد من الخيارات للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050
د. نادر علي: تعتمد فى إنتاجها على الهيدروجين الأخضر وعبر مصادر الطاقة المتجددة
د. أحلام فاروق: تسعى مصر لتطوير مشاريع الطاقة الخضراء لخفض الانبعاثات الكربونية
الاقتصاد الأخضر ليس مصطلحا جديدا، فهو ينمو جنبا إلى جنب مع البيئة وحركتها، طارحا رؤية عادلة للحياة الاقتصادية، وربما لا نجد أكثر انتشاراً فى الوقت الحالى فى عالم الاقتصاد من مصطلح الاقتصاد الأخضر، والذى من المتوقع أن يسهم بأكثر من 12 تريليون دولار بحلول عام 2030، وذلك لأن الاتجاه العام المتنامى لإيجاد اقتصاد أكثر انسجاما مع البيئة، فعملية “الخضرنة” أو “خضرنة” الاقتصاد تحقق فوائد، فهى تساعد فى تخفيف أوجه القلق إزاء توفير الأمن فى مجال الطاقة والغذاء، وداعم قوى للتنمية المستدامة.
وضعت الدولة المصرية على رأس أولوياتها، الاهتمام بإستراتيجية مصر للتغيرات المناخية حتى عام 2050، ووضعت فى اعتبارها انضمام عضو جديد لأسرة الطاقة المتجددة وهو الهيدروجين الأخضر، إضافة إلى إنتاج الأمونيا الخضراء، فى إطار إستراتيجية وطنية للتحول إلى الاقتصاد الذى يمثل قيمة مضافة.
فى البداية تقول دكتورة وفاء على، أستاذ الاقتصاد وخبير الطاقة: إن التحول إلى الاقتصاد الأخضر، يمثل تحدياً كبيراً لمصر وللقارة الإفريقية للتحول إلى الطاقة النظيفة، لأنه يمثل الاقتصاد الذى يؤدى إلى تحسين رفاهية الإنسان والحد من المخاطر البيئية، ومصر حاليا تستعد لتنظيم مؤتمر الأطراف المتعددة للمناخ Cop 27 بمدينة شرم الشيخ، التى ستعرض فيه إستراتيجيتها فى التحول بمجال الطاقة والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، لذلك وقعت مصر مذكرات تفاهم بين كل من الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادى والشركة المصرية لنقل الكهرباء وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة وشركة إماراتية، لإقامة مشروع داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لإنتاج 390 ألف طن من الأمونيا الخضراء سنويا، مما يجعل الفرصة سانحة لوضع مصر فى موقع الريادة إقليميا ودوليا، واستخدام الأمونيا الخضراء فى إطار دورها كمركز إقليمى لتداول الطاقة، مما سيكون له أكبر الأثر فى خلق مستقبل مستدام أكثر رفاهية لكل المصريين.
معادن نادرة
ويوضح الدكتور نادر على مدير إدارة الطاقة الأنظف بوزارة البيئة أن هناك أربعة أنواع من الأمونيا، وهى الأمونيا الرمادية (الصناعية)، وهو النوع الأكثر شيوعا، حيث تنتج من خلال تفاعل غاز الميثان مع البخار لإنتاج الهيدروجين، الذى يتفاعل مع النيتروجين لصناعة الأمونيا، وهنا تُسمى بالأمونيا الرمادية، أو التقليدية، حيث يتم تصنيع معظم الأمونيا فى العالم باستخدام طريقة Haber – Bosch ، وهى عملية عمرها قرن من الزمان سريعة وفاعلة إلى حد ما. لكن المصانع تنبعث منها كميات هائلة من ثانى أكسيد الكربون، حيث تنتج هذه العملية نحو 1.8% من انبعاثات الكربون عالميًا، ويأتى ذلك مع حقيقة أن الأمونيا الرمادية تُنتج فى الغالب من الغاز الطبيعي، وتستخدم سمادًا للزراعة، وكذلك فى العمليات الصناعية المختلفة.
والنوع الثانى هو الأمونيا الزرقاء، وتُنتج بطريقة إنتاج الأمونيا الرمادية نفسها، لكنها تستخدم تقنية التقاط ثانى أكسيد الكربون وتخزينه. لذلك يُنظر إلى الأمونيا الزرقاء على أنها منخفضة الكربون، لأن تأثيرها على المناخ يكون أقلّ مقارنة بالأمونيا الرمادية، كما تلعب الأمونيا الزرقاء دورًا محوريًا فى التحول نحو الطاقة النظيفة.
والنوع الثالث الأمونيا الفيروزية، وهى نسخة بين الأخضر والأزرق، إذ تستخدم هذه العملية التحلل الحرارى لتحويل الميثان إلى كربون نقى وهيدروجين، والذى يتفاعل مع النيتروجين لإنتاج الأمونيا، وأمام ذلك، تُعدّ أفضل عملية إنتاج أمونيا خالية من الكربون إنتاجها من الهيدروجين الأخضر والناتج عن التحليل الكهربائى للماء، باستخدام الكهرباء المتجددة.
والنوع الرابع الأمونيا الخضراء، وتنتج الأمونيا الخضراء عن طريق تفاعل الهيدروجين والنتروجين معًا عند درجات حرارة مرتفعة وضغط عالٍ، وينتج عن عملية تصنيع الأمونيا الخضراء الماء والنيتروجين منتجات ثانوية فقط.
وتُعرف العملية سالفة الذكر بعملية هابر- بوش (Haber-Bosch، وهى الطريقة الرئيسة فى إنتاج الأمونيا الخضراء، إذ تعتمد على الهيدروجين الأخضر أو المُصنّع، عبر الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
فوائد متعددة
من جانبه يقول الدكتور محمد فاروق مدير عام الطاقة المستدامة بوزارة البيئة إنه يمكن يوفر إنتاج الأمونيا الخضراء المزيد من الخيارات فى الوصول إلى الحياد الكربونى بحلول عام 2050، كما أنها تستخدم كسماد فى الزراعة.
وعن فوائد واستخدامات الأمونيا يقول: إنها وقود خالٍ من الكربون، حيث يمكن حرق الأمونيا بدلًا من الوقود الأحفورى فى التوربينات الغازية، على سبيل المثال، أو استخدامها فى خلية وقود لإنتاج الكهرباء، أو فى مركبة كهربائية بعد تكسير الهيدروجين مرة أخرى منها. ومن المرجح أن تكون صناعة المحركات البحرية من أوائل المتبنّين لها، لتحلّ محلّ استخدام زيت الوقود فى المحركات البحرية.
وفى سيناريو تحقيق الحياد الكربونى بحلول عام 2050، قالت وكالة الطاقة الدولية، إن الأمونيا يجب أن تشكل 45% من الطلب على الطاقة فى قطاع الشحن البحري. كما تؤكد وكالة الطاقة الدولية، أن الأمونيا والهيدروجين سيكونان الوقود البحرى الأساس، إذا وصل العالم للحياد الكربونى بحلول منتصف القرن الحالي، بينما قد يمثّل نحو 60% من السوق مع سيطرة الأولى على الحصة الأكبر.
ومع التحول إلى الكهرباء المتجددة لإنتاج الأمونيا، يمكن تجنّب أكثر من 40 مليون طن من ثانى أكسيد الكربون سنويًا فى أوروبا وحدها، أو أكثر من 360 مليون طن فى جميع أنحاء العالم، بحسب شركة سيمنس.
كما يمكن تخزين الأمونيا بسهولة بكميات كبيرة بصفة سائلة، ما يجعلها مخزنًا كيميائيًا مثاليًا للطاقة المتجددة. وتنبع الفكرة من أن هناك طاقة متجددة مبددة -توليد الكهرباء من توربينات الرياح بعد منتصف الليل والناس نيام، مثال على الطاقة المبددة- ومن ثم يمكن إنتاج الأمونيا الخضراء منها، ثم استخدامها وقودًا فى أى وقت يحتاجه الإنسان، وبهذه الطريقة تحوّلت الأمونيا إلى مخزن للطاقة، مثل البطاريات. ويعد تخزين الهيدروجين بكميات كبيرة صعبًا ومكلفًا، على حين أن استخدام الأمونيا أسهل وأرخص فى التخزين والنقل، ويمكن بسهولة تكسيرها لتوفير غاز الهيدروجين عند الحاجة، وإمكان استخدامه فى خلايا الوقود. ويجب تخزين الهيدروجين السائل فى ظروف معينة تصل إلى سالب 253 درجة مئوية، على حين يمكن تخزين الأمونيا عند سالب 30 درجة مئوية فقط.
ويضيف دكتور محمد فاروق، أن الأمونيا لديها كثافة أعلى للطاقة، تبلغ 12.7 ميغاجول/لتر، وبرغم أنها لا تزال أقلّ بكثير من الوقود الأحفوري، فإنها أعلى عند المقارنة مع 8.5 ميغاجول/لتر للهيدروجين السائل.
مشروعات إنتاجية
بينما توضح الدكتورة أحلام فاروق، رئيس الإدارة المركزية لحماية وتحسين البيئة الصناعية والطاقة بوزارة البيئة أنه فى إطار قيام مصر باستضافة مؤتمر المناخ COP27 فى نوفمبر المقبل، تسعى مصر لتطوير وزيادة مشاريع الطاقة الخضراء، التى تشمل إنتاج الهيدروجين الأخضر وغيرها من المشروعات التى تسهم فى خفض الانبعاثات الكربونية.
فى مايو 2022 وقعت مصر اتفاقا لإنتاج 300 ألف طن سنويا من الأمونيا الخضراء باستخدام الطاقة النظيفة، فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالعين السخنة، حيث قامت كل من الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية للقناة وصندوق مصر السيادى والشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة وتحالف شركتى توتال الفرنسية وإنارة كابيتال بالتوقيع على مذكرة التفاهم.
ويهدف الاتفاق إلى إقامة مشروع لإنتاج 300 ألف طن من الأمونيا الخضراء سنويا كمرحلة أولى، ثم تصل الطاقة الإنتاجية إلى 1.5 مليون طن سنويا، على أن تجرى تغذيته بالهيدروجين الأخضر، الذى سيُنتج من مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة. كما وافق رئيس مجلس الوزراء المصرى على عرض قدمته شركة تيسين كروب الألمانية لإنشاء مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء فى مصر وتصدير الهيدروجين الأخضر إلى برلين فى ذات الشهر.
كما تم توقيع مذكرة تفاهم أخرى فى إبريل بين كل من الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادي، والشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، وتحالف الوقود الأخضر المكون من شركتى “زيرو ويست” و”إى دى إف رينيوابلز”، لإقامة مشروع داخل المنطقة الاقتصادية للقناة بالعين السخنة؛ لإنتاج 350 ألف طن من الوقود الأخضر سنوياً بهدف تموين السفن.
تهدف مذكرة التفاهم الموقعة مع تحالف الوقود الأخضر، إلى إقامة مشروع داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالعين السخنة؛ لإنتاج 140 ألف طن من الأمونيا الخضراء سنوياً، قابلة للزيادة تدريجياً لنحو 350 ألف طن سنوياً، وذلك بحجم استثمارات يبلغ 3 مليارات دولار، ويتم تغذية المنشأة بالهيدروجين الأخضر المنتج من مياه البحر المحلاة والطاقة المتجددة المولدة فى المواقع، بحيث يتم النقل على شبكة الكهرباء الوطنية.
كما وقعت مصر اتفاقا آخر للوقود الأخضر بـ3 مليارات دولار، حيث وقع الاتفاق الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادي، والشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، وشركة “إيميا باور” الإماراتية.
وبحسب الاتفاق، سيتم إقامة منشأة لتصنيع الهيدروجين والأمونيا الخضراء بطاقة إنتاجية تبلغ 235 ألف طن من الأمونيا سنويا، قابلة للزيادة حتى 390 ألف طن. ومن المقرر أن تبدأ إقامة المنشأة بنهاية العام الحالي، على أن يبدأ التشغيل التجارى لها بنهاية عام 2025.
وفى مارس كانت مصر قد وقعت مذكرة تفاهم مع شركة سكاتك النرويجية للطاقة المتجددة لبناء أول مصنع للأمونيا الخضراء فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس, بطاقة إنتاجية مليون طن سنويا مع إمكانية التوسع إلى ثلاثة ملايين طن.
ومن المتوقع أن يبدأ المصنع الإنتاج فى 2025، وسيتم تصدير الأمونيا الخضراء بشكل أساسى إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، حيث ينمو الطلب على الأمونيا النظيفة بسرعة.