عندما تأتي الفكرة والإلهام ويبدأ حواري مع نفسي وتتسارع الأفكار داخل العقل وتبدأ محاسبة النفس.. فالنفس البشرية في حقيقتها تشكل واقع الإنسان وجوهره، والتحدث مع النفس يعتبر نوعًا من أنواع التفكير، والحوار مع النفس يساعد على فهم الأشياء التي تقبع بداخلك وتستطيع عبر هذا الحوار أن تصل إلى عمق تلك الأشياء.
فعندما تتحدث مع نفسك تستطيع محاسبتها وترتيب أفكارك، والتحدث عن المشكلة مع نفسك بصوت عالٍ يهدئ الأعصاب ويساعد على الاستقلال الذاتي.
ويشعر الكثير أنه بحاجة إلى حوار مع نفسه بصوت عالٍ، ولكنه يخشى أن يظن من حوله أنه ليس بخير، ولكنه أمر طبيعي لأنه يخفف من حدة مشاعرك، ويفرغ طاقتك السلبية ويبدلها بالإيجابية.
وأحيانًا تشعر بأنك في احتياج للحديث مع أي شخص، ولكن الأفضل لك حينئذ أن تتحدث مع نفسك؛ لأن ذاتك هي الوحيدة التي لن تتهمك ولن تلقي عليك كل الأعباء.
والحديث مع النفس يحد من مشاعر القلق، وتستطيع من خلاله السيطرة على التوتر الداخلي، ويزيد من قدرتك على التحكم في انفعالاتك؛ فهو يعزز الذاكرة، ويقوي القدرة العقلية والتفكير والانتباه، فعندما تواجه نفسك وتواجه أخطاءك تكون قادرًا على مراقبة تصرفاتك والسيطرة عليها، فقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة النفس؛ قال الله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا).
فالنفس أمانة إلهية ولها قابلية غير محدودة للتفاعل والاستقبال؛ فهي تحاول أن تصل إلى الصراط المستقيم متجهة إلى شبه الكمال -لأن الكمال لله وحده- وذلك لأن تقبلها للخصال الحسنة يكون بلا حدود، وكذلك فإن تقبلها للخصال السيئة يكون غير محدود أيضًا؛ ولديها مرونة واستعداد لكلتا الحالتين حالة الكمال وحالة الانحراف.
وعندما يحدث الحوار مع النفس يسترجع الإنسان طفولته البريئة، وعلى مدار المراحل العمرية يتحدث الإنسان مع نفسه عن كل شيء مر به في حياته، ويحاسب نفسه ويتوقف في حوار مع ذاته، ولكن نجد أن البشر مختلفون في محاسبة أنفسهم، وذلك لأن معيار الخطأ نسبي بين البشر، ويختلف هذا المعيار من شخص إلى آخر وفق التنشئة الاجتماعية والأخلاقية والدينية وتشكيل الضمير في الطفولة.
فمعيار الخطأ نسبي ومتفاوت باختلاف البشر، ولكن عندما يحاسب الإنسان ذاته، ولا أقصد أن يجلد ذاته، فهناك فرق بين لوم الذات وجلد الذات؛ فمحاسبة النفس تمكنك من الوصول إلى الرضا النفسي وتصحيح أخطائك والتوبة النصوح.
ولابد أن تعلم أيها الإنسان أن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، وأن الكمال لله وحده، ولكن عندما تجلد ذاتك فأنت تصل بها إلى دائرة الاكتئاب النفسي؛ لأنك تجعل نفسك فوق مستوى الخطأ.
أيها الإنسان لابد أن يكون لك وقفة مع نفسك بالحوار معها وتقييم ذاتك وتصحيح أخطائك، وذلك لن يحدث إلا بمواجهتك مع نفسك، وعندما تستطيع أن تصل إلى تقييم ذاتك، فهنيئًا لك لأنك قد وصلت إلى درجة الاطمئنان والرضا عن نفسك والتكيف الشخصي، الذي يجعلك تصل إلى التكيف مع الآخرين، وقد أخبرنا الله تعالى عن النفس المطمئنة، حيث قال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).
* استشاري علم النفس والإرشاد الأسري والتربية الخاصة