ما يضير مصر من كلام لا يضر ولا ينفع؟!
أحد الكتاب كتب مؤخرًا مقالًا وهدد نظمًا بأنها تسقط لأسباب ذكرها وعد منها عددًا، فهل جاء بجديد؟ هذا كلام موجود بين طيات أى كتاب مغرض، فلماذا نعيره أذنًا أو نتكرم عليه بأى اهتمام؟!
أزمات كثيرة مرت على مصر والمصريين، ولا يزال الشعب ممسكًا في يده يد الرئيس السيسي عابرَين معًا كل أزمة، وليست أزمة كورونا منا ببعيد، ألم نجتزها معًا بفضل الله تعالى، فلماذا الهلع أو الغضب من كلمة قالها قائل؟
صحيح أن العالم اليوم بات يتقلب في خضم متوالية لا تنتهي من الأزمات والآلام، حرب روسيا وأوكرانيا وأزمة المناخ وشح المياه وتهديد الدولار وغلاء البترول والسلع، هى أزمات كانت ولا تزال تحدث، لكن الهلع أتى من تجمعها معًا.
ورغم كل ما نراه يحدث في دول الغرب وحتى في الصين والهند وروسيا وباكستان من فيضانات وسيول وموجات جفاف، لا تزال الشمس تسطع فتزيل كل أحزان ومخاوف أتى بها ظلام الليل، ولا تزال الشعوب تحيا ويربت بعضهم على أكتاف بعض ويكفكف بعضهم دموع مصابهم وباكيهم، المسألة كلها في التكاتف والتآلف والتجمع صفًا واحدًا معًا.
البعض يتخوف من أزمة الدولار وارتفاع الأسعار!
لماذا والدولار نفسه اليوم مهدد بأن يهبط عالميًا لا محليًا فحسب؟ حتى لو حدث الارتفاع الذي يخشونه فهل هو الارتفاع الأول؟ وربما لن يكون الأخير؛ لأن أمريكا رفعت أسعار الفائدة على الدولار وسترفعه مرارًا وهذا معلن ومعروف لدى الكافة منذ شهور، إنها ليست مفاجأة، ولن يكون الجنيه المصري وحده من يكابد قرارات الفيدرالي الأمريكي، بل سائر العملات المرتبطة بالدولار سيحدث لها نفس الأثر.
دعونا من كل هذا ولننظر للأمام بشيء من الهمة والتفاؤل، دعونا من أولئك الباكين على اللبن المسكوب والناظرين لنصف الكوب الفارغ، فمثل هؤلاء لن يحلوا أزمة ولن يفيدوا أوطانهم بدموع الخذلان.
مهمة العبور إلى بر الأمان تتطلب تكاتف الجميع لبذل كل جهد من أجل مضاعفة الإنتاج ودوام العمل، فكما قيل في المثل العربي أن الناجح يعمل والخائر يأمل، دعونا نتجاوز الأمل الزائف إلى العمل المستمر الدائم.
مصر مرت تاريخيًا بأزمات شتى، وهي معرضة كغيرها للكبوات والمتاعب، وقد مرت على شعب مصر سنوات من القحط والشدائد العظام، وكلنا يعرف السنوات العجاف التى جاءت بعد سنوات الترف والكفاف ثم أتى عام انهمر فيه الغوث والمدد، والشعب المصري أصيل المعدن عزيز النفس.. صبور، ولسوف يصبر ويزداد صلابة مع كل أزمة.
الشعب المصري لغز قلما وجد من يفهمه ويفك شفرته العصية على الحل، ففي اللحظة التي يتهمونه فيها بالتكاسل والتواكل والفوضوية يتحول إلى كتلة متحركة نابضة بالنشاط والفعل، كما رأيناه في ثورة 19 وثورة 52 وحرب الألف يوم التي أفضت إلى انتصار أكتوبر وعبور خط بارليف.
وفي اللحظة التي يتهمونه فيها بالسلبية وانعدام الانتماء والانشغال بالتوافه عن قضاياه الوطنية، يثبت أنه أكثر حكمة وذكاءً من الجميع، وأنه على وعي تام بقضاياه وإن بدا للجاهلين جاهلًا، وللأغبياء منقادًا سلبيًا، ثم يكتشفون روح الشهامة فيه.. فقط في المواقف الحرجة، والاختبارات الفارقة، فيلتف حول قيادته السياسية في وجه كل معتدٍ ومتربص.
مطلوب منا أن نحسن استغلال الأزمة العالمية لصالحنا، وهذا ما فعله كثير من أساطين المال وكهنة الاقتصاد أثناء أزمة كورونا فامتلأت خزائنهم في حين كان العالم كله يعاني أزمة اقتصادية طاحنة، فلابد أن تجد في كل أزمة فرصة تنتظر من يتصيدها ويقتنصها، وهذا ما تفعله بعض الدول العربية الشقيقة الآن في تقاربها مع دول الكتلة الشرقية بعد ما كبا الغرب وبات مشغولًا بنفسه عنا.
ليس صعبًا أن نحفر نهرًا من الحماس والعمل الدؤوب أمام الناس على أنقاض بئر الخذلان الذي جففته ألسنة أصحاب الفكر الهدام، فإذا امتلأت أفئدة الناس بالحماس والطموح في غد أفضل بات من الممكن احتمال كل صعب وبذل كل ما يستطاع للمرور من الأزمة وعبور الشهور العجاف إلى زمن الغوث والمدد.
وما زلت أكرر مهما بح صوتي أن للإعلام دورًا عظيمًا في بث الأمل والتفاؤل في نفوس الناس، بدلًا من أن يجتمع عليهم صراخ إعلام هائج يخوفهم ويزيدهم كمدًا على كمد، مع أنباء عالمية تتشح بالسواد وتنذر بفداحة العواقب!
ماذا لو أننا استثمرنا ما بأيدي الناس من طاقة، وما بعقولهم من إبداع، وما بنفوسهم من طموح لندير عجلة الإنتاج بأقصى قوتها في مشروعات جديدة وقديمة، الاستثمار والإنتاج وحده كفيل بأن يعبر الأزمة بأي شعب، لكن هيهات أن تدور العجلة بعزم خائر وقلب يائس.
إن الإعلام إذا ظل على نفس النهج فلا أظن أن عبور الأزمة ممكن؛ لأنه إعلام مشتت للطاقات مهيج للأحزان مسبب لليأس، فكيف يُنتظر من الشعب أن ينطلق بالوطن في ظل تلك النغمة الحزينة اليائسة التي من شأنها أن توقف المراكب السائرة؟
لطالما ناديت بالتغيير لا في الإعلام وحده، وإنما في كل جهاز يرتبط بحركة الناس ومصالحهم، إذ إن شعور الناس بالراحة والاطمئنان والتفاؤل لا يتصل بأزمة الدولار أو غيرها من أزماتٍ حاضرة، بل يتصل بثقتهم في أن المستقبل يمكن أن يصير إلى شأنٍ أفضل بشيء من الحكمة ومزيد من البذل.
في النهاية أقول إن القافلة لا تزال تسير مهما عوى حولها ما عوى.
[email protected]