Close ad

سباق «أمريكي - روسي - صيني» على قلب وعقل القارة الشابة «إفريقيا»

25-8-2022 | 17:36
سباق ;أمريكي  روسي  صيني; على قلب وعقل القارة الشابة ;إفريقيا;أبرز الدول الإفريقية نموًا بالتكنولوجيا
د. أيمن سمير
الأهرام العربي نقلاً عن

مثل «الراليات» تماماً، الجميع يلاحق الجميع، فبعد أن أنهى وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، جولته الإفريقية، جاء بعده مباشرة وزير الخارجية الأمريكي، ليطرح على إفريقيا «إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة»، تجاه القارة التى اعترف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، «نيد برايس»، أن بلاده تأخرت بشدة فى التعاون معها، خصوصا أن الحزب الديمقراطى الأمريكي، الذى ينتمى إليه الرئيس جو بايدن، يروج بأن له سياسة مختلفة، وأفضل بكثير من سياسة الرئيس السابق، دونالد ترامب تجاه القارة الشابة، التى سبق أن نعتها الرئيس ترامب بأوصاف لا تليق، اضطرت الإدارة الأمريكية الحالية للتبرؤ منها.

تتنافس ثلاث قوى رئيسية، على كسب عقل وقلب القارة الإفريقية، وهى الولايات المتحدة وحلفاؤها فى الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو وبعض الدول الآسيوية التى تدعم الرؤية الأمريكية مثل أستراليا ونيوزيلاندا واليابان، وتأتى الصين كقوة اقتصادية ومنافس قوى للدول الغربية والولايات المتحدة فى إفريقيا، وبينما تقول الصين، إنها أصبحت الشريك التجارى الأول لإفريقيا بنحو 170 مليار دولار، منذ عام 2019 ، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي، تقول إنها الشريك التجارى الأول لإفريقيا، وإنها الأقرب للقارة، وسوف تكون أقرب وأقرب خلال الفترة المقبلة.
وبالتوازى مع التحركات الصينية والأمريكية، هناك عودة من جديد للعلاقات الروسية ـ الإفريقية، حيث تقول روسيا: إنها تستثمر فى العلاقات القديمة، التى جمعت الاتحاد السوفيتى السابق مع إفريقيا، فما رؤية الدول الثلاث لإفريقيا؟ وكيف يمكن للقارة الإفريقية أن تستفيد من كل الفرص والمشروعات المطروحة دون أن تكون فى خندق على حساب خندق آخر؟

الرؤية الأمريكية الجديدة

منذ تولى الرئيس جو بايدن الحكم فى 20 يناير 2021، قالت الإدارة الأمريكية الجديدة، إنها سوف تهتم بإفريقيا، وإنها جاهزة للمنافسة مع الصين فى كل شيء يتعلق بإفريقيا، لذلك قامت الولايات المتحدة بـ 3 خطوات رئيسية تجاه القارة الإفريقية، وهي:

أولا: تغيير النظرة الأمريكية القديمة، نحو إفريقيا، والتى كانت تركز على ملفات الأمن والهجرة غير الشرعية فقط، وأصبحت الولايات المتحدة ترى فى إفريقيا شريكا رئيسيا، فى موضوعات البنية التحتية، خصوصا أن إفريقيا تضم 60 % من الفقراء المدقعين فى العالم، كما أن هذه النسبة مرشحة للزيادة، لتصل إلى 90 % عام 2030، برغم أن إفريقيا لم يكن بها إلا 25 % فقط من فقراء العالم المدقعين عام 1990، وتجلى التجاهل الأمريكى لإفريقيا فى عدم عقد قمم إفريقية أمريكية، منذ قمة 2014 التى وصفت بالفاشلة بسبب عدم الإعداد الجيد، لكن إدارة بايدن، ومن خلال الجولة الأولى التى قام بها وزير خارجيته أنتونى بلينكن، فى 17 نوفمبر 2021، وشملت 3 دول إفريقية، هى كينيا ونيجيريا والسنغال، ثم الجولة الثانية لبلينكن تحاول الولايات المتحدة اللحاق بالركب، وسبق أن تعهدت واشنطن بتقديم مساعدات ضخمة لنيجيريا عندما وقع بلينكن، مع نظيره النيجيرى جيفرى أونياما على برنامج مساعدات للتنمية بقيمة 2.17 مليار دولار، كما أن الولايات المتحدة وضعت إفريقيا ضمن خطة البنية التحتية، ضمن مشروع “ إعادة بناء العالم بشكل أفضل” الذى أطلقه الرئيس جو بايدن فى 12 يونيو 2021، بهدف مساعدة الدول الإفريقية والدول منخفضة الدخل، كما تعمل الولايات المتحدة بجانب الدول الأوروبية، لذلك اتفقت الدول الأوروبية مع أهداف الولايات المتحدة خلال القمة الإفريقية - الأوروبية التى عقدت يومى 17 - 18 فبراير الماضى فى العاصمة البلجيكية بروكسل.
ثانيا: استعادة التعاون الأمنى مع الدول الإفريقية، ولهذا أعادت إدارة الرئيس جو بايدن سلطة القيام بعمليات ضد المجموعات الإرهابية فى إفريقيا، والحديث أيضا عن العودة بالقوات الأمريكية لمكافحة الإرهاب فى الصومال.
ثالثا: طرحت الولايات المتحدة خلال جولة أنتونى بلينكن الأخيرة “الإستراتيجية الأمريكية الجديدة”، تجاه إفريقيا، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عزمها تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية، بسبب ما تسميه بـ “مخاطر الأنشطة السلبية للصين وروسيا” فى القارة، ووفق بيان صادر عن البيت الأبيض، فإن “إستراتيجية الدفاع الوطنى لعام 2022، ستعمل وزارة الدفاع الأمريكية مع الشركاء الأفارقة، لتحديد ولفت الانتباه إلى مخاطر الأنشطة السلبية للصين وروسيا فى إفريقيا. وسنعمل على إشراك مؤسسات الدفاع المدنى وتوسيع التعاون الدفاعى مع الشركاء الإستراتيجيين، ليشاركونا قيمنا والرغبة فى تعزيز السلام والاستقرار العالميين”، كما أشارت الوثيقة إلى أن قطاع الدفاع الخاص الأمريكى سيساعد القوات المسلحة للدول الإفريقية فى مجالات التكنولوجيا والطاقة، وتنص الإستراتيجية الأمريكية على “تعزيز تنمية المجتمعات المفتوحة” فى إفريقيا، والتى تميل أكثر للعمل مع الولايات المتحدة.. ومواجهة الأنشطة الضارة لجمهورية الصين الشعبية وروسيا. والجهات الفاعلة الأخرى، وترى الولايات المتحدة فى النشاط الصينى فى إفريقيا، باعتبارها ساحة مهمة لتحدى النظام الدولى القائم على القواعد، وتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الضيقة، وتقويض الشفافية والانفتاح، وإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات الإفريقية “، وقالت الإستراتيجية “تعتبر روسيا المنطقة الإفريقية بيئة مواتية للشركات العسكرية شبه الحكومية الخاصة، والتى غالبا ما تولد عدم الاستقرار، لتحقيق مكاسب إستراتيجية ومالية، وأن الولايات المتحدة ستعمل مع الدول الإفريقية لاستعادة رأس المال البشرى، وأنظمة الغذاء التى تعرضت لمزيد من الضعف بسبب الوباء وعواقب العملية العسكرية خصوصا الروسية فى أوكرانيا، وأن جنوب الصحراء الإفريقية يلعب دورا حاسما فى دفع الأولويات العالمية لصالح الأفارقة والأمريكيين”. وتشرح الوثيقة رؤية الولايات المتحدة بالقول “إن المنطقة تتمتع بأحد أعلى معدلات النمو السكانى فى العالم، فضلا عن أكبر مناطق التجارة الحرة، والأنظمة البيئية الأكثر تنوعاً”.

إستراتيجية صينية اقتصادية

تركز الرؤية الصينية، تجاه إفريقيا على مجموعة من المبادئ، أبرزها عدم التدخل فى الشئون الداخلية الإفريقية، وعدم وجود أى مشروطية، فى الوقت الذى يغيب الرؤساء الأمريكيون من زيارة إفريقيا انعقد المنتدى الصينى - الإفريقي، الذى شارك فيه الرئيس الصينى شين جين بينج، وعدد من القادة الأفارقة يومى 29 -30 نوفمبر الماضي، وتعد الصين الشريك الأول للدول الإفريقية، وتصدرت الصين العلاقة التجارية مع إفريقيا، لمدة 12 عاماً متتالية، بما فيها عام 2020، الذى بلغت فيه التجارة الصينية مع إفريقيا 187 مليار دولار، ومنذ بداية المنتدى الصينى الإفريقى عام 2001، استوردت الصين من إفريقيا سلعاً بقيمة 1.2 تريليون دولار، وصدرت سلعاً بنحو 1.27 تريليون دولار.

عودة روسية قوية

كان لروسيا عبر الاتحاد السوفيتي، علاقات خاصة وقوية مع إفريقيا، حيث دعم الاتحاد السوفيتى حركات التحرر الإفريقى من الاستعمار الغربي، وتراجعت العلاقات بين روسيا وإفريقيا، عقب انهيار الاتحاد السوفيتى فى 25 ديسمبر 1995، لكن مع تولى الرئيس فلاديمير بوتن عام 2000 عادت العلاقات الروسية إلى إفريقيا، لكن سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014، ثم قيام الدول الغربية بفرض عقوبات على موسكو، كل هذا أدى إلى عودة روسيا مرة جديدة إلى إفريقيا، ومن هذا المنطلق جاءت جولة وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف لاستعادة العلاقات التاريخية، التى جمعت بين الاتحاد السوفيتى السابق ودول القارة، ونتيجة للعقوبات الغربية على روسيا، سعت موسكو لاستعادة الزخم والقوة فى علاقاتها مع القارة السمراء من جديد عبر سلسلة من الأدوات، أطلقت عليها روسيا “القوة الذكية” التى تجمع بين “القوة الناعمة” و”القوة الصلبة”، ونجحت موسكو فى ذلك عبر تقديم الدعم الأمنى والتقنى والعسكرى لعدد من الدول الإفريقية، مثل الاتفاقية الأمنية مع دولة إفريقيا الوسطى عام 2018، ومذكرة التفاهم العسكرية مع نيجيريا عام 2021، والدعم العسكرى واللوجستى لحكومة مالي، كما أن روسيا تقدم نفسها على أنها الدولة التى تتعاون وفق مصفوفة من القيم التى تختلف عن القيم الغربية، فروسيا لا تضع أى نوع من «المشروطية السياسية» فى علاقاتها مع الدول الإفريقية، كما أنها لا تتدخل فى السياسيات الداخلية لدول القارة.

ونتيجة لهذه السياسة الجديدة، قام 12 زعيماً إفريقياً بزيارة روسيا فى الفترة من عام 2014 وحتى 2019، كما شارك 43 زعيماً ورئيس دولة إفريقية فى القمة الروسية - الإفريقية الأولى فى سوتشى عام 2019، وهى القمة التى شهدت توقيع اتفاقيات بـ13 مليار دولار، سوف ترفع معدل التجارة بين الطرفين إلى 40 مليار دولار عام 2024 ، والتى وصلت إلى 20 مليار دولار فى 2019، كما أن ثقة الجيوش الإفريقية فى التعاون الأمنى مع روسيا، دفعت 30 دولة إفريقية، لإرسال بعثات عسكرية لتلقى التدريب فى مدارس وأكاديميات وزارة الدفاع الروسية، ونتيجة لهذه السياسة، بدأت روسيا تجنى بعض الثمار السياسية، حيث رفضت دول القارة العقوبات الغربية على روسيا منذ بدء الحرب الروسية - الأوكرانية، وهو مكسب سياسى كبير، لأن إفريقيا من أكبر”الكتل التصويتية” فى الجمعية العامة للأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية، وهو ما يؤكد أن فكرة “عزل روسيا” أو “إخضاعها”، كما يقول الغرب فكرة لا يقبلها كل الأفارقة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة