ما تشاهده على الشاشة، ليس شريطًا سينمائيًا لفيلم «الأب الروحي» فى أجزائه الثلاثة، وما تسمعه فى الإذاعات ليس مسلسلا خياليًا، وما تراه وتسمعه فى نشرات الأخبار يحدث واقعيًا أمامك وحولك وفوقك، وما تقرأه فى الصحافة ليس إلا قطرة فى محيط، يعجز الخيال الشاطح أن ينافسها رغم أنها واقع حقيقي تعيشه كل لحظة.
أنت تشاهد وتسمع وتمضي إلى حال سبيلك، كأن ما يحدث محض خيال جامح، لمؤلف مجهول، وأنك ستعود إلى الواقع فى اليوم التالي، لكن الشاهد هو أنك تغرق ببطء فى بحر هادر من الواقعية النادرة.
من يصدق أن يرد على لسان كائن من كان هذا القول: «إن الولايات المتحدة تعيش أوقاتًا خطيرة»، وماذا لو كان الكائن ليس من آحاد الناس، بل هو دونالد ترامب الرئيس الـ45 لأرض الأحلام؟
هل كان فى الإمكان أن يأتى أي عابر ويسأل: كيف تحولت إلى “أرض الخوف”؟ وكيف لم تعد ”الأرض تحت قدميها” كما كتب سلمان رشدى فى روايته المعنونة بنفس الاسم؟ وهل هناك إشارة رمزية معينة تربط بين محاولة اغتياله على أراضيها، وبين ما يجرى من تغيير عميق فى مجرى هذا البلد الذى يمثل ”الأمة العالمية”؟
كان ترامب، وهو القائل إنها تعيش أوقاتا خطيرة، قد أرسل إشارة أخرى، محذرًا فيها من خطر مطاردته المستمرة، داعيا إلى التهدئة، وأنه لقادر على ذلك، إذا ما توقفت المؤسسات الأمريكية السرية عن ملاحقته، وسمحت له بخوض الانتخابات الأمريكية المقبلة، وهى إشارة ذات مغزى عميق، وكأنه يقول ”أنا شمشون”، سأهدم المعبد على من فيه!
ترامب ليس الوحيد الذى يحذر من خطر الانفلات الاجتماعى والسياسى والأمني، بل إن هناك مؤسسات أمريكية عميقة تخشى من اندلاع نزاع أهلى مسلح.
التحذير جاد وعميق، بعد أن شعرت المؤسسات العنكبوتية بوجود أصوات خافتة، بدأت فى الظهور رويدًا رويدًا، تهدد موظفى وزارة العدل، وعناصر إنفاذ القانون من الإف بى آي، بعد مداهمة منزل ترامب بولاية فلوريدا.
لاحظ أنك لا تتحدث عن دولة من دول العالم الثالث، بل عن أمريكا، وترامب نفسه وصفها بذلك، فالمداهمة لمنزله فى ولاية فلوريدا يوم 8-8-2022، بحثًا عن وثائق ومستندات حكومية سرية، ينفى ترامب أن تكون كذلك، لا مثيل لها فى التاريخ الأمريكي.
الجمهوريون، وينتمى إليهم ترامب، منقسمون، فالمحافظون منهم، يخافون من أن تكون المستندات والوثائق التى وجدت فى خزائنه سرية، أو منافية للقانون، وفى الوقت نفسه يخشى الترامبيون منهم، من سيطرة الديمقراطيين على قرار أمريكا الإستراتيجى إلى النهاية، ولديهم تصورات عن نظام دولى جديد، لا يشاركهم فيه أمثال ترامب، القومى الأمريكي، ولا جماعة “ ماجا”، أى نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، وهى جماعة ترامبية، تتهمها الإدارة الديمقراطية بأنها جماعة متطرفة، وقد تصنفها إرهابية!
يومًا بعد آخر نكتشف أن العالم الذى نعرفه يتغير تغييرًا شاملا، فإذا كانت أمريكًا يضربها إعصار ترامب، فإن أوروبا يضربها ميراث الجفاف، فأكثر من 35 نهرًا عذبًا يغيض فيها، أو يجف، فتتصحر الأراضي، وتنفق الحيوانات والأسماك، وتتلاشى الزراعة، وتتوقف المصانع، وتموت حركة البضائع.
كأن الأيام تدور على أوروبا، لتتذكر أيامها منذ 500 عام حين ضربها الجفاف وراء الجفاف، وجعل أسلافها يتركون لأحفادهم أحجارًا فى قيعان الأنهار، كتبوا عليها ”ابك إذا رأيتني”، كعلامة شؤم ونذير، للجوع والفقر، وها هى الحجارة تظهر مرة أخرى!
ما بين أوروبا الخائفة من غضب الطبيعة، وأمريكا الخائفة من أعاصير السياسة.
أليس غريبًا أن تظهر فى هذه الأوقات تقارير غربية غامضة، تؤكد وجود مياه جوفية فى الصحراء الإفريقية الكبرى، تقول إنها تغطى احتياجات العالم مئات المرات، وفى نفس الوقت تظهر تقارير أخرى عن امتلاك نفس المنطقة لعناصر نادرة ستدخل فى الحداثة الجديدة، لنظام جديد، تنتهى معه مسألة الطاقة التقليدية القديمة؟
إنها لحظة عالمية حرجة، فهل لنا أن نقرع الأجراس؟