تتجرع أوروبا جميع وصفات الحكماء لاستمرار بقائها كقوى عظمى وخوفًا من أفول نجمها، وكذلك حال بقية أطراف المجتمع الغربي، ويحرص قادة المجتمع الغربي حاليًا على نهج سياسة لم الشمل، وخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فضلا عما يواجه الولايات المتحدة الأمريكية من تحديات جسام؛ سواء اقتصادية أو سياسية.
ويدق ناقوس الخطر عدد من المؤسسات والمفكرين للحد من ظواهر انهيار وتفكك القوى الغربية، والبحث في أسباب الضعف، والسعي في طرح حلول عاجلة لمعالجتها.
وكان من أهم تلك التحذيرات فكرة كتاب "موت الغرب" للمفكر والسياسي الأمريكي "باتريك بوكانان"، ويحذر فيه رواد المجتمع الغربي من ضياع الهوية، وتكلس الولاء للوطن في بلاد الغرب.
وسبق بوكانان مفكرون غربيون بإعلانه عن إصابة الغرب بالشيخوخة، وصرح بتوقف المجتمع الغربي عن التكاثر، وكشف بالوثائق تراجع نسب المواليد، وتحدث عن عزوف شباب الغرب عن الزواج الكاثوليكي وتحمل المسئولية، وصار يفضل المتعة المؤقتة والحياة خارج التقاليد.
وتوقع كتاب "موت الغرب" تراجع عدد سكان أوروبا من 728 مليون نسمة في عام 2000 إلى 600 مليون في عام 2050، ويعرج إلى عرض مشهد بات يتكرر في 17 دولة أوروبية في الفترة الأخيرة، وهو تعدد مشاهد الجنازات وانخفاض حفلات الولادة.
ويلمح الكاتب إلى ملمح آخر أن الثقافات الأخرى المصاحبة للمهاجرين في بلاد الغرب أخذت طابعًا مستقلًا، وتأبى الذوبان والاندماج مع الثقافة الغربية، وهذا يؤدي إلى تآكل بناء الحضارة الغربية وما تتفرد به من ثقافات تخصها.
ويلخص كتاب موت الغرب حقيقة سقوطه في عبارة "إغراق مواطني المجتمع الغربي في الجنس والمال والشهوة والبحث عن النفوذ.. وانصرافهم عن عقائدهم السماوية وثقافاتهم القديمة".
وبعد صدور كتاب بوكانان في 2001 يصدر المفكر المغلابي "حسن أويد" كتابًا بعنوان "أفول الغرب" في عام 2018، ويطرح رؤيته الخاصة عن سقوط الغرب، ويعبر عنها في ختام كتابه في قوله: إن الغرب ليمر بأزمة وجودية.. ولسوف يتأثر بمجرياتها العالم.
ولم يحاول ساسة الغرب إخفاء مخاوفهم تجاه ما يعتري وطنهم الكبير من ضعف في مؤتمر موينخ عام 2020، ودعوا فيه إلى نبذ خلافاتهم والتفكر في تأسيس أرضية مشتركة تجمعهم من جديد.
وحدد المؤتمر موضوعًا رئيسيًا للمناقشة وعنوانه "عدم الاهتمام بالغرب"، ويعني أن العالم أصبح اهتمامه بالغرب أقل بكثير عن الماضي، وتناول فيه سبل عودة قوة الغرب إلى أرض الواقع، وإمكانية فرض قراراته على بقية الأطراف الدولية.
Email:[email protected]