الاستثمار الحقيقي الذي يفرض نفسه حاليًا ومنذ سنوات على كل القضايا بكل دول العالم هو أن تضخ الدول جهودًا ليست محدودة في ملف التغير المناخي بداية من التعريف به وبمظاهر التغيرات التي وقعت بالفعل وأثرها على الكوكب ومخاطرها إذا لم تتحرك الدول نحو معالجتها التي تتطلب وعلى الفور دخول غرفة الإنعاش لإعادة إحياء ما تلف – إن أمكن – وإعادة ضخ دماء جديدة بدلًا من تلك التي تسممت فأسدت الجسد كله وباتت مهدده بفنائه بعد سقم شديد الثقل وصعب التحمل وهذه الدماء بالنسبة لكوكب الأرض هي الهواء الذي تلوث بفعل غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الثورة الصناعية والتكنولوجية التي استخدم فيها الإنسان آليات وأدوات ينبعث منها عوادم ملوثة للهواء ومدمرة للغلاف الجوي ومهددة لكوكب الأرض بالفناء ما لم يُحسن إدارة الكارثة بالاتجاه والتحول إلى الهيدروجين الأخضر.
التغير المناخي
وهذا المناخ الذي خلقه الله يتأثر بعوامل معينة إن حدثت تتسبب للأسف في تغييره وبالتالي تهدد الحياة على كوكب الأرض لأنها تغير درجة الحرارة المناسبة لاستمرار هذه الحياة ومنها عوامل بشرية مثل قطع الإنسان للأشجار واستخدام الصناعات والزراعات التي تعتمد على أنشطة ملوثة للبيئة .
درجة الحرارة تتجاوز 40 في دول كثيرة
والتغيرات المناخية لم تعد مجرد جرس إنذار ينبئ بتداركها قبل أن تحدث وإنما قد حدثت بالفعل فقد أطلق الكوكب صرخاته في كثير من دول العالم تجاوزت فيها درجة الحرارة 40 درجة لأول مرة حتى إن عدم قدرة هذه البلاد على التكيف مع ارتفاع الحرارة الصادم أدى إلى اشتعال الحرائق وصعوبة إطفائها بسبب الجفاف الواقع بفعل التغيرات المناخية أيضًا فكانت النتيجة أن رجال الإطفاء والسكان يقعون جثثًا بفعل ألسنة اللهب المتصاعدة وحرارة سطح الأرض المتزايدة .
بحيرة بويانغ تتقلص لربع الحجم الطبيعي
وقد تجاوزت التغيرات فصل الحرائق واشتعال ألسنة اللهب في الغابات ودخلت فصل الجفاف فمنذ ساعات قليلة أصدرت الصين أول تحذير وطني من حالة الجفاف هذا العام في الوقت الذي تكافح فيه السلطات حرائق الغابات وتحشد فرقًا متخصصة لحماية المحاصيل من درجات الحرارة الحارقة عبر حوض نهر يانغتسي بل إن بحيرة بويانغ في وسط الصين وهي أحد أحواض الفيضان المهمة لهذا النهر – يانغتسي- تقلصت إلى ربع حجمها الطبيعي .
التغيرات المناخية تجفف 66 نهرًا بالصين وغيرها في أوروبا
وتواصل الصين تلقّي ضربات التغير المناخي التي لم تتوقف عند اشتعال الحرائق في الغابات وتقلص حجم البحيرات وإنما وصلت إلى جفاف 66 نهرًا عبر 34 مقاطعة في منطقة تشونغتشينغ الجنوبية الغربية إضافة إلى انخفاض هطول الأمطار هذا العام بنسبة 60% مقارنة بالمعدل الموسمي، كما شهدت أنهار أخرى في أوروبا مثل الراين في ألمانيا ومو في إيطاليا.
هل تتأثر مصر بالتغير المناخي؟
ومصر ليست بمنأى عن هذه التغيرات الخطيرة للمناخ حتى وإن كانت تحدث في قارات مختلفة ولكن التغير المناخي لن يستثني جزءًا من الكرة الأرضية فحين يقرر أن يعلن غضبه سينال هذا الغضب من الكرة الأرضية كاملةً دون استثناء لأن الأمر كما يصفه الدكتور مجدي علام مستشار برنامج المناخ العالمي أشبه بوضع الكرة الأرضية فوق شعلة من النار موضحًا أن الشعلة هي غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن تلوث الهواء الصادر من عوادم الصناعات واستخدام الوقود الملوث للهواء قائلًا :"كل ما يزيد الإنسان من الممارسات الملوثة للهواء يزيد تسخين سطح الأرض بما يسبب ذوبان الجليد وحرائق الغابات وتقلص البحيرات وجفاف الأنهار وموت الكائنات البحرية والنباتية بل والإنسان نفسه إذ كيف تستمر حياته في ظل جفاف الأنهار وتصحر الغابات وفساد المحاصيل الزراعية!.
تلوث عمره 500 عامًا
يبدو أن التغير المناخي قد كشّر عن أنيابه للعالم كله وليس لدولة بعينها ولم يفعل ذلك فجأة إذ تحمّل المناخ كل أشكال التلوث البيئي الذي بدأ منذ 500 عامًا عندما استخدم الإنسان اختراع الفحم فاستحدث حضارة جديدة بعنوان "حضارة الفحم" إلى أن تم اكتشاف البترول في الحرب العالمية الثانية فدخل كوقود أحفوري ملوثًا أيضًا للبيئة ونتيجة هذا وذاك خرج التلوث للبيئة من عوادم السيارات والسفن والطائرات وكل الآلات التي تستخدم هذه الأنواع المستحدثة من الوقود .
البيئة تصرخ منذ 1994
ومنذ عام 1994 والخبراء يناشدون رؤساء الدول في كل العالم بتخفيف الانبعاثات الملوثة للبيئة والتي تنتج عن الوقود الملوث للبيئة ومن أكثر الدول المستخدمة لهذا الوقود وبالتالي تُصدّر للعالم هذه الانبعاثات التي سببت ظاهرة الاحتباس الحراري – تسخين كوكب الأرض- هي دول مجموعة العشرين وفي مقدمتها الصين وروسيا وكانت مناشدات الخبراء منذ 1994 بالتوجه إلى استخدام الطاقة النظيفة لتقليل الانبعاثات الملوثة للبيئة التي يتم اختزانها في الغلاف الجوي وكانت للأسف النتيجة هي ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض .
ارتفاع حرارة سطح الأرض
وما نتج عن ارتفاع حرارة سطح الأرض هو ما نشاهده حاليًا ومنذ عام بتصاعُد مستمر وسريع ومُخيف حيث اشتعال ألسنة اللهب في الغابات وزيادة الحرائق وتقلُّص البحيرات وجفاف الأنهار وذوبان الجليد وموت الكائنات البحرية وفساد المحاصيل الزراعية وانقراض بعض الكائنات وأخيًرا فإن الإنسان نفسه مهددًا إذا ما استمرت البشرية في استخدام الصناعات والوقود الملوث للبيئة بشراء الهواء في المستقبل عبر اسطوانات أكسجين –غير ملوث- ليصبح أشبه برواد الفضاء الذين يحملون معهم اسطوانات الأكسجين ليتمكنوا من التنفس ومواصلة الحياة.
تنبؤات بشراء الهواء مستقبلًا
وإن كان الإنسان معرضًا لشراء الهواء في المستقبل نتيجة لاستمرار تصدير غازات ملوثة للبيئة فإنه أيضًا معرضًا لشراء الماء فهذه الانبعاثات الملوثة تفسد الهواء وتجفف الأنهار أيضًا! فيقول الدكتور مجدي علام لـ"بوابة الأهرام"،:"إما أن يتوقف الإنسان عن قطع الأشجار واستخدام الوقود الملوث للبيئة أو يفنى وتفنى كل الكائنات الحية التي تعيش على سطح الأرض".
دراسة
بحسب دراسة حديثة فإن الصناعات المستندة إلى الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز والفحم تطلق كميات كبيرة وخطيرة من غاز الميثان "أحد أقوى غازات الاحتباس الحراري المهددة للكوكب" وتلفت "بوابة الأهرام" إلى أن غاز الميثان يأتي في المرتبة الثانية بعد غاز ثاني أكسيد الكربون في ترتيب الغازات المسئولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وتسخين كوكب الأرض وللأسف ارتفعت مستويات هذا الغاز في الغلاف الجوي بحوالي 150% منذ الثورة الصناعية وعلى الرغم من أن مستويات غاز الميثان أقل من ثاني أكسيد الكربون إلا أن تأثير الميثان في غازات الاحتباس الحراري "المهددة للكون" أقوى بحوالي 80 ضعفًا .
COP26
ويضيف الدكتور مجدي علام أن الكوكب في خطر ما لم يتوقف الإنسان عن استخدام الآلات والممارسات التي تلوث البيئة بغازات الاحتباس الحراري "المهددة للكوكب" وفي مقدمتها الميثان وثاني أكسيد الكربون الأمر الذي وصفه بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني في قمة جلاسجو للمناخ COP26 قائلًا :" إن البشرية على بعد دقيقة واحدة حتى منتصف ليل يوم القيامة وفقًا لساعة التغير المناخي ونحن بحاجة إلى التحرك الآن".
مصر بدأت بالاستثمار في التغير المناخي
وبالرغم من أن قارة أفريقيا – شاملة الدول العربية- لا تزيد انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري – الملوثة للبيئة- عن 4% إلا أن مصر قد بدأت خطوات فعلية على أرض الواقع للدخول في صناعة الهيدروجين وإنتاجه كمصدر نظيف للوقود إذ تعمل على إعداد وزارتي الكهرباء والبترول والبيئة وصندوق مصر السيادي دراسة جدوى لتدشين مشروعات الطاقة المستخلصة من الهيدروجين الأخضر باستثمارات مبدئية تتراوح بين 3 و 4 مليارات دولار "بحسب الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء"، فهّلا يتحرك العالم بخطوات جادة ومُنقذه لحياة البشرية التي تقدمت مصر بإستراتيجية كاملة لحمايتها ومكافحة التغير المناخي أثناء مشاركتها بمؤتمر الأطراف للمناخ (كوب 26) في جلاسجو كما أنها سوف تستضيف رسميًا مؤتمر الأطراف القادم COP27 بشرم الشيخ في ٢٠٢٢، والذي قال عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه سيكون مؤتمرًا إفريقيًا حقيقيًا، حيث نأمل أن نحقق تقدمًا في مجالات الأولويات مثل تمويل المناخ والتكيف والخسارة والأضرار، لمواكبة التقدم الذي يأمل العالم أن يحققه في جهود التخفيف والوصول إلى الحياد الكربوني فكل عام يمر له أهميته وكل اختيار له آثاره، وهذا هو الاستثمار الحقيقي الذي يفرض نفسه على كل القضايا في كل دول العالم .
عوادم المصانع
حرائق الغابات
تصحر الغابات
جفاف الانهار