يبدو أن الخطط الأوروبية بالتوقف التدريجي عن استخدام طاقة الفحم في محطات الكهرباء بحلول عام 2028 سيكون عليها مواجهة تحديات في ظل استمرار أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية - الأوكرانية.
وكان توجهًا أوروبيًا ظهر في الأعوام القليلة الماضية، وبدعم من التطور الحاصل في مجال الطاقة المتجددة، وسياسة الاعتماد على الطاقة النظيفة، تبلور لدى غالبية الحكومات في وضع برامج وتخصيص ميزانيات لإخراج محطات الكهرباء العاملة بالفحم من الخدمة، وبدأ إغلاق كثير من المناجم والمصانع والمحطات التي تعتمد الفحم، إلا أن التقارير الأخيرة الواردة إلى المفوضية الأوروبية ترتبط بإعادة تشغيل محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم.
ولم يقتصر الأمر قبل الحرب الروسية في أوكرانيا على الخطط إنما بدأت دول أوروبية في التنفيذ، وطبقًا لإيمبر المستقلة للأبحاث، فإن إسبانيا أغلقت أكثر من نصف محطاتها العاملة بالفحم خلال عامي جائحة كورونا، الأمر ذاته ينطبق على البرتغال التي انخفض فيها توليد الكهرباء بالفحم إلى 95%، وكان التخفيض بنسبة 50% في هولندا وفرنسا والنمسا، وأغلقت السويد محطات توليد الكهرباء بالفحم بالكامل، وخرج الفحم من خطط توليد الكهرباء في بريطانيا.
وفي العام الماضي وفي قمة جلاسجو للمناخ (COP 26) تعهدت بريطانيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا بدعم شراكة مع جنوب إفريقيا (أكبر منتج للكهرباء في العالم) بقيمة 8.5 مليار دولار خلال 3- 5 سنوات للانتقال من الفحم إلى اقتصاد منخفض الكربون.
أفكار استبعاد الفحم بهدف تحسين المناخ كانت واضحة في الذهنية الأوروبية، إلا أن مؤشرات العودة إلى الفحم ظهرت في الأفق خصوصًا بعد الحرب الروسية - الأوكرانية، وحزم العقوبات ضد روسيا التي طالت النفط والغاز.
وكشف تقرير أصدرته هيئة قناة السويس أخيرًا عن أن سفن الصب الجاف جاءت في المرتبة الثانية كأكثر فئات السفن العابرة للقناة أهمية في الفترة الأخيرة، وعبرت 6327 سفينة صب المجري الملاحي خلال العام المالي 2021/ 2022 بإجمالي حمولات صافية قدرها 254 ألف طن، محققة إيرادات بلغت 1.3 مليار دولار، وتأتي هذه الزيادة في ظل تنامي تجارة الفحم العابرة للقناة لاسيما المتجهة إلى أوروبا (قادمة من الشرق) لتعويض النقص في الإمدادات الروسية.
أكثر من ذلك بدأ كتاب متخصصون يروجون لعودة الفحم إلى المستهلك الأوروبي، ففي شهر يوليو الماضي انتقد خبير الطاقة مارك ماثيس (منصة الطاقة ـ واشنطن) مقولتين أو اعتقادين، هما: "أنه بوسع مصادر الطاقة المتجددة توفير الطاقة مستقبلًا"، وأن "الوقود الأحفوري سيء". وقال إن العكس هو الصحيح واقعيًا، فقد انتشل الوقود الأحفوري مليارات البشر من براثن الفقر، كما أن الطاقة المتجددة (طاقة الرياح والطاقة الشمسية) غير موثوقة، ومكلفة، وتتلقى المعونات بشكل كبير، ولا توجد دون وقود أحفوري، وهذه الحقائق لا جدال فيها.
وينتقد خبير الطاقة نشطاء حماية البيئة الذين يفكرون في التخلص السريع من الوقود الأحفوري وحرق النفط والغاز الطبيعي والفحم، علاوة على ذلك يتهم النشطاء بجملة من الإدانات كالتنافر المعرفي وتجاهل الواقع والانفصال والخيار الزائف، وكذلك تخلي السياسيين عن السلوك الأخلاقي، وفقدان خبراء الطاقة شجاعتهم، أما المؤسسات الإخبارية فإنها لا تقدم لجمهورها سوى القليل من الاهتمام بالحقيقة، وفي رأي خبير الطاقة أن الأوروبيين أهدروا مئات المليارات من الدولارات على مشروعات الطاقة المتجددة، ويتفق خبير الطاقة مع التوقعات المرجحة بدفع أوروبا تكاليف طاقة باهظة، ومواجهة العديد من الدول الأوروبية حالة شبه مؤكدة من انقطاع التيار الكهربائي هذا الشتاء، بينما الأيام الصعبة لم تأتِ بعد على الولايات المتحدة الأمريكية.
ويؤكد الباحث والكاتب المصري جمال رائف "أن هناك دولًا عادت إلى الفحم، ودولًا أخرى تتحدث عن تخليها عن المعايير البيئية"، واعتبر أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان له رؤية وخرج من اتفاقية باريس.
وكان اتفاق باريس الذي تم التوصل إليه في عام 2015 وحصل على موافقة 197 دولة، يهدف إلى الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن، إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة، واتفاق باريس يقف وراء خطط الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في العالم لوقف محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم.
وفي السنوات الأخيرة انتشرت مشاهد مؤلمة في مناطق استخراج الفحم في دول أوروبية عدة حزنًا على إرث تاريخي، بينما وبعد الحرب الروسية - الأوكرانية نجد الهند تتعهد بإعادة تشغيل مناجم الفحم وزيادة الإنتاج إلى مستويات قياسية، ومع تفاقم أزمة الطاقة أكد راج كومار سينج وزير الطاقة الهندي أن البلاد قد تعتمد على الفحم لفترات طويلة مقبلة.
تؤجج الحرب الروسية - الأوكرانية وأساليب التعاطي الأوروبي والدولي معها قضايا الطاقة في العالم، وتفرض الكثير من التحديات على سلسلة مؤتمرات المناخ، والتي تعقد جولة جديدة في شرم الشيخ في نوفمبر المقبل (COP 27). بينما كان المؤتمر السابق في جلاسكو، والذي جمع 120 من قادة العالم، عُقد في أجواء وردية نسبيًا.