Close ad

تثبيت الخطاب البيئي

21-8-2022 | 11:49

تتراوح الرؤى والتوجهات، وتتباين البرامج والمشروعات، كما تتنوع الخطط والمبادرات في مختلف الأنشطة والقطاعات، إلا القطاع البيئي وإدارته السياسية والتنفيذية، الذي كانت ومازالت رسالته واضحة التوجه، مدركة للمخاطر، محددة المسار نحو مستقبل آمن مستدام.
 
ولاشك أن توحيد التوجه والرسالة وتثبيت الخطاب البيئي إلى الداخل والخارج، يسهم في استقرار الداخل، كما يلهم الخارج بتكامل لا محدود بين العمل المحلي والإقليمي والعالمي، بعد أن أطاح المناخ وتغيراته بغالبية الأسس والأنماط، فما كان تقليديًا مستقرًا تداعت أركانه، بعد أن عصفت بها هذه المتغيرات، إن لم تقتلعها من جذورها في الأساس، ولم تسلم المسلمات التراثية من هذه المتغيرات، وكأن كلمات المتنبي الشهيرة: "مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ"، محور للعلاقات والتفاعلات، واليوم تكاد التغيرات المناخية ومخاطرها تفرض واقعًا مختلفًا لما رآه للمتنبي مفاده: "مصائب قوم عند قوم كوارث"..
 
والمؤشر لمعرفة أننا نعمل ونسير في الاتجاه السليم هو مدى نجاحنا في تطبيق البعد البيئي ودمجه في أهداف التنمية المستدامة في الماضي والحاضر، وهذا الدمج هو أساس ثوابت الأداء البيئي الوطني.
 
في الماضي، وضعت الحضارة المصرية القديمة ثوابتها على الجانب البيئي، وجاءت مكانته في صدارة لوحها المحفوظ علي المعابد وأوراق الأشجار، وبات هذا الاهتمام وجهًا أساسيًا لها، ولم تكتمل نشأتها إلا عبر التوازن البيئي الطبيعي والتكامل بين كائنات الكوكب، ووصلت إلينا من خلال رموز من الطير والنبات والأشجار والحيوان، فضلا عن نقطة المياه التي كانت قدس أقداس المصريين القدماء، كما ترجمتها أعيادهم التي حملت دائمًا بعدًا بيئيًا، فكانت خصوبة التربة والأرض والشجر هي شعار للنماء ورمز للحياة، وأساس العلاقة مع العقيدة الدينية والدنيوية، فكانوا من وضع أسسًا لحماية البيئة على الكوكب، سواء حماية عناصر البيئة والحفاظ عليها وهى الماء،التربة، الهواء، أوفيما يتعلق بالتنمية المستدامة وحماية حق الأجيال الجديدة عبر صوامع حفظ الغلال وسلالات المحاصيل وغيرها من سبل استدامة النماء.
 
والاهتمام بالطبيعة يكاد يكون مصريًا، لا يحمل إلا مفهومًا واحدًا مفاده "العقيدة والبيئة والخلق" نسيجًا ثلاثيًا واحدًا يشكل نهجًا لحياة.
 
وخلال مسيرة الإدارة البيئية في مصر على مدى عقود، تراكم لدينا توجه مستدام ورؤية وإرادة سياسية واعية، تترجمها إدارة جادة واثقة للشأن البيئي، ومن منطلق تراث الأجداد ترسخ لدينا اليوم مفهوم أن البيئة السليمة هي أفضل أساس لتحقيق مبدأ جودة الحياة والوصول إلى تنمية مستدامة، ولدينا، في الحاضر، رصيد من العمل والأداء الجاد بلورة تقرير للاتحاد الدولي لخبراء التنمية المستدامة، حول "الاستدامة والاقتصاد الأخضر"، فأشار إلى أن مصر حققت طفرة في التنمية المستدامة والتحويل للاقتصاد الأخضر، حيث وضعت محور التنمية المستدامة في مقدمة أولوياتها الوطنية، فكانت في طليعة الدول التي تبنت خططًا وطنية، تتكامل وتسهم في تنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030، وشمل التقرير الطاقة الجديدة والمتجددة، والطاقة الشمسية وأنظمة التسخين الشمسي الحراري للمياه.
 
ومن بين أهم مؤشرات الإنجاز ونجاح الخطط والبرامج البيئية، هو ما تركز عليه وزارة البيئة في تطبيق مفهوم "الحوكمة البيئية" التي ترى العالم كلًا مترابطًا، والحفاظ عليه ككل مسئولية الجميع، وتتركز أهداف هذه الحوكمة حول الحفاظ على البيئة وحمايتها، والتخطيط المكاني واستخدام الأراضي، والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، وحماية صحة الإنسان، ليجسد معنى الحوكمة في الاهتمام بالبيئة في جميع مستويات اتخاذ القرار، والتأكيد على ارتباط الناس بالنظم البيئية التي يعيشون فيها، وأن إهمال هذا الارتباط يؤدي إلى نتائج سيئة، كما يحدث في جولات التغيرات المناخية.
 
وتعمل الحوكمة وكأنها ثوابت بيئية، تشكل مظلة لأدارة وترجمة القوانين واللوائح والنظم البيئية لتحولها إلى واقع شامل متكامل، أي خارطة طريق حياتية لسلوك الفرد ونشاط المؤسسات لكي تتوافق وتتلاءم مع المفردات الطبيعية اليوم وغدًا، وأيضًا عنصرًا مشتركًا في كل ما يصدر من قرارات ولوائح ونظم من متخذي القرار في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية وإدارة الشركات والكيانات.
 
ويأتي الاقتصاد الدائري والصناعات النظيفة، كأحد ثوابت الأداء البيئي النظيف والذي يمنح أكثر مما يأخذ.
 
وتنطلق طموحات الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، وسعيها المتواصل، للحصول على عائد جيد من المشروعات المعتمدة على الاقتصاد الأخضر، عبر خطط تدعم مسيرة الانتقال إلى مستقبل منخفض الكربون، من خلال شراكات عربية وإفريقية بصدد التنفيذ، كما حدث في قمة الأطراف الدولية بجلاسكو "COP26" العام الماضي.
 
وينطلق الخطاب البيئي الوطني من ثوابت تراكمية، خاصة وأن مصر عرضت 30 مشروعًا قوميًا فى قمة جلاسكو، وكما تفعل الوزيرة وهي المنسق والمبعوث البيئي لقمة المناخ، وتترقب أن تكون ضمن أفضل 30 دولة بيئيًا على مستوى العالم بحلول 2030.
 
والمأمول والمتوقع خلال قمة الأمم المتحدة الإطارية للمناخ "COP27" بشرم الشيخ نوفمبر المقبل، أن تنشط تلك الشراكات وأن تتوسع دوائر التعاون الإقليمي والقاري والعالمي عبر القمة المرتقبة.
 
وتأتي حملة ومبادرة "رجع الطبيعة لطبيعتها" التي أطلقتها "البيئة" الأسبوع الماضي، لتضيف إلى ثوابت الرسالة البيئية التي تهتم بالمواطن والمجتمع والمرأة والشباب، وحشد كافة الموارد البشرية نحو رفاهية الواقع وجودة الحاضر، مع الاستدامة ونصيب الأجيال المقبلة في مستقبل بيئي آمن، لنعرف أننا نعاني جميعا، من آثار تغيّر المناخ، ونتحمل مسئوليته، ولنكن أكثر واقعية وإيجابية في ترجمة الأفكار وتحويل النظريات إلى واقع على الأرض، ونقترح ونتساءل: ما الذي يمنع من إنشاء وتشييد وبناء نموذج لمدرسة خضراء 100% وليس أركانًا ومعارض وفعاليات فقط، لتقدم هذه المدرسة نموذج محاكاة ليطبق في القطاع التعليمي، وأيضًا جامعة خضراء بأن نخصص جامعة حديثة نبدأ في تأسيسها وتحويلها إلى جامعة خضراء، وكذلك في مدينة، أو وزارة محددة ولتكن وزارة البيئة، والتي بالفعل تستحضر كل ما هو قابل للتنمية النظيفة الخضراء، وذلك لكي نثبت خطابنا ورسالتنا البيئية في الداخل وإلى الخارج في وقت واحد.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة