بعض الأحداث التي تمر بنا قد يصعب علينا التعبير عن معاناتها بالكتابة، أو الكلمات، ولكن لكثرة ما قرأت من تدوينات، وتغريدات، معظمها تصب في نفس المعنى، كم نحن أبناء هذا الوطن تجمعنا حميمية ومحبة وإخلاص إلى مصريتنا، فبعد ساعات من حادثة حريق كنيسة أبوسيفين المفجعة، وما خلفه الحريق من ضحايا ومصابين، تابعت بعض آراء أعتبرها ممن لا تجمعهم روابط لا أسميها فقط روابط وطن، بل روابط أسرية، لأننا أبناء مصر تربطنا شئنا أم أبينا روابط أسرية، ومن لا يعرفها أو سمع عنها عليه أن يذهب إلى صعيد مصر، أو يقرأ التاريخ، بيتنا في الصعيد شيده أحد أصدقاء والدي المقربين، لم أعرف أنه مسيحي حتى بعد سنوات من رحيل والدي، ومسجد قريتنا شارك في احتفال لافتتاحه وأعدت مأدبة يوم افتتاحه من قبل العائلة أحد أقاربنا "مليكة".
ومن يقرأ التاريخ سيكتشف أن بيوتنا كانت واحدة، ومن يبني الكنيسة مسلم ومن يبني المسجد مسيحي، فأحد أهم مساجد مصر وهو في المرتبة الثالثة بين أعظم المساجد "مسجد أحمد بن طولون" شيده سعيد بن كاتب الفرغاني، وكان مهندسًا مسيحيًا بارعًا.
وهو من اقترح على ابن طولون أن يقوم ببناء المسجد بالحالة الهندسية التي هو عليها الآن بدون أعمدة في المنتصف إلا عمودي القبلة، صور سعيد المسجد فأُعجب به ابن طولون واستحسنه، ورصد له مائة ألف دينار لنفقة البناء، وكل ما يحتاج بعد ذلك، فوضع يده في البناء في موضع جبل يشكر، فلما أتم البناء وراح ابن طولون لزيارة المسجد، صعد المهندس إلى المنارة صائحًا بابن طولون، الجائزة فكافأه بعشرة آلاف دينار، وخلع عليه وأجرى له رزقًا واسعًا.
أتذكر تلك الحكاية الموثقة في التاريخ تأكيدًا لما تم تداوله عن تبرع اللاعب محمد صلاح لترميم كنيسة أبوسيفين أنه ليس جديدًا، وقيام أحد القساوسة بتوزيع المياه على الصائمين في شهر رمضان ليس أمرًا مستغربًا، بل نحن جسد واحد.
لا أحب الكلام المنمق، ولا التعبيرات الرنانة التي تصف العلاقات الشخصية، ولكن المصريون من أبناء هذا الوطن، من عاشوا على ترابه وأحبوه بصدق لا توجد لديهم مشاعر متباينة في علاقة أبناء البلد الواحد، لأن منهم من كان يرقد في فترة تجنيده بالقوات المسلحة بجوار زميله، ولم يسأل أحدهما الآخر عن ديانته، ناما في خدمة بالبطانية الرمادية، وقد عشت هذه التجربة في خدمتي بالجيش في آخر وحدة جنوب سيناء.
ما أكدته حادثة أبوسيفين هو أننا لا نحتاج تعليقات ولا آراء من أصحاب المشاعر المزيفة، بل نحتاج إلى قلوب مصرية صافية، تحزن لفقدان أو إصابة أحد أبنائها، وتفخر بتفوقه في كل المحافل والمنافسات عربيًا وعالميًا ومحليًا أيضًا.