كان لي صديق بالقلق معروف، وبأحوال وأخبار من حوله شغوف، نموذج محير من البشر موجود بيننا، قادر بالفعل على أن يحير عقلك.
يشعرك دائما بأنه قلقان من كل من حوله، لترى بمنتهى الوضوح أن عدم الثقة فى أحد قد أصبحت طابعه المميز، بصمته الخاصة التي يدركها كل من يعرفه، بل كل من يقابله ولو للمرة الأولى، مهما حاول أن يداريها، من السهل جدًا عليك أن تقرأ ذلك على قسمات وجهه المتقلبة، وفي حركات عينيه سريعة الحركة وفي ابتسامته المترددة، بالرغم من كلماته الرقيقة وعباراته الجذابة.
لم يكن على استعداد لتصديق أن الأمور ليست بهذا السوء، ليس الجميع متآمرون عليه، ليس كل من حوله أعداء له، كان ليشعرك دائمًا بأنه ذلك الطيب الذى يعيش وحيدًا مظلومًا وسط محيط هائل من الأشرار، ليذكرك دائمًا بتلك النغمة التى تعودناها من البعض، حين يولولون ويبكون ويدعون أنهم يعيشون مظلومين ومنعزلين وسط جيران معادين ليس لهم غرض فى الحياة إلا إقلاق راحتهم.
يا صديقي لا أنت ذلك الوحيد المظلوم المنعزل، ولا من حولك منشغلون بك إلى هذا الحد، فلا تقلق.
المشكلة أن أحساسه هذا قد انعكس على كل تصرفاته مع كل من حوله، سواء في البيت أو العمل، ردود أفعاله أصبحت غريبة وفي غير محلها، يعادي من لا يعاديه لمجرد إحساس يراوده بأنه عدو له، بل تطور الأمر لكي يختلق لمن حوله الأخطاء ليبرر لنفسه رد الفعل شديد العنف الذي يضمره له في نفسه.
كنت وما زلت أعتقد أنه ليس بهذا السوء الذي يبدو عليه، لكن عيبه الشديد أنه ينظر إلى الأمر كله ويؤسسه بناء على وجهة نظره وحده، نصحته ولفت نظره مرارًا أن لا ينتظر ممن حوله أن يبادروا بالنصيحة المخلصة، فهم يدركون طبعه المتأزم الذي لا يقتنع إلا برأيه فقط، حتى ولو نطق اللسان بغير ذلك، هم يخافون غضبته الشديدة، لذلك تجدهم مبتسمين راضين عن كل شيء حتى ولو أضمروا غير ذلك.
صارحته يومًا بأنه ليس معنى أن يصدقه حدسه مرة أن تكون توقعاته صحيحة كل مرة، وليس معنى مرور الأمور بسلام مرة أن تكون نبوءاته صحيحة فى كل مرة.
يا صديقي.. لا أنت نبي.. ولا من حولك كفار..
كان يشعرني دومًا بأن مبدأه الذي لن يتخلى عنه هو الحياة والعمل تحت مظلة نظرية المؤامرة؟ فالكل يتآمر عليه، حتى الأصدقاء والأقارب والمقربين منه لا يثق بهم، ويفاجئهم دومًا بتصرفات غير متوقعة، حتى زياراته لأقاربه ورحلاته مع أولاده يجعلها مفاجئة وكأن أحدًا يطارده!
إهدأ أرجوك فالأمر لا يستحق كل هذا العناء!!