راديو الاهرام

لذة المتقين ودأب الصالحين.. ما العبادة التي كلف الله بها نبينا الكريم ولم تفرض علينا؟

17-8-2022 | 12:27
لذة المتقين ودأب الصالحين ما العبادة التي كلف الله بها نبينا الكريم ولم تفرض علينا؟صورة أرشيفية
محمد عبد المولى
الشباب نقلاً عن

هي عبادة يتغافل عنها الكثيرون رغم أنها لذة المتقين ودأب الصالحين الذين يفعلونها اقتداءً بخاتم المرسلين، وحبًا وطاعة وتقربًا لله رب العالمين، ليرفع عنهم الهم والغم والحزن والبلاء، وينجيهم من الغلاء والشقاء ويشفيهم من كل داء، ويرزقهم كيف يشاء، ولينالوا في الدنيا محبته ورضوانه، ويدخلهم في الآخرة جناته برحمته وغفرانه، لقوله جل شأنه:{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}[النساء : 122]؛ والسؤال: ما تلك العبادة؟ وكيفية أداؤها؟ وما فضائلها وسبل المواظبة عليها؟

ماهيتها

يقول الشيخ محمود الأبيدي ـ أحد علماء وزارة الأوقاف-: إنها عبادة قيام الليل التي تعد الصلاة فيها من أفضل الصلوات بعد الصلاة المكتوبة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«أفضل الصلاة بعد الفريضة، صلاة الليل» ، والتي لا يجب هجرها أو التغافل عنها لما لها من أجرٍ وثوابٍ عظيم عند الله تعالى، لقوله سبحانه:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ. كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 15ـ 17]؛ ولقول نبيه الكريم :«عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد» رواه الترمذي؛ ولهذا يجب أن نحرص على أدائها اقتداء بسُنة نبينا الكريم التي كانت له تكليفًا من رب العالمين، لقوله جل شأنه:  {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 1ـ4].

وندرك جيدًا أنها شرف المؤمن وسر فوزه بجنات النعيم، لقوله صلى الله عليه وسلم:« أتاني جبريل فقال: يا محمد،عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس» رواه الحاكم، ولقوله أيضًا صلى الله عليه وسلم :« إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها. فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائمًا والناس نيام» رواه الطبراني؛ ومن النوافل المباركة التي يجوز أداؤها في البيت بأي وقت من بعد صلاة العشاء وحتى طلوع الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم:«خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة»، ولقوله أيضًا صلى الله عليه وسلم:«إن من الليل لساعةٍ، لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ يسأل اللَه خيرًا من أمور الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة » رواه مسلم.

ويضيف الشيخ الأبيدي: فالحكمة من مشروعية  تلك العبادة التي لا تقتصر على الصلاة فقط بل تشمل الذكر والتسبيح والاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن، وغيرها من العبادات الأخرى، هو الإقبال على الله بخشوع وخضوع دون الانشغال بمُلهيات الحياة الدنيا، وشهواتها، وهمومها، لأن الليل يتميز بالهدوء والسكينة، وهذا يُساعد على التقرب من الله براحة وطمأنينة وإخلاص، لقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلً} [المزمل: 6]؛ ولتثبيت الإيمان في القلوب، ونيل رحمة الله ـ عز وجل ـ ونصره وتأييده في أمور الدنيا والآخرة، ومراجعة ما تم حفظه من القرآن الكريم لأن الذهن غالبًا ما يكون في هذا الوقت صافيًا وقادرًا على التذكر والحفظ.

أداؤها

ويؤكد الدكتور عبد الله عزب ـ عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر: أن الله تعالى لم يوجب على نبيه الكريم هذه العبادة، إلا بعد رحلة الإسراء والمعراج التي فرضت فيها الصلوات الخمسة التي نؤديها يوميًا وليس قبل ذلك، والتي ظل يؤديها ـ صلى الله عليه وسلم ـ طيلة حياته، فقد كان صلى الله عليه وسلم في صلاة قيام الليل منفردًا مع نفسه يقرأ في الركعة الواحدة الفاتحة والبقرة وآل عمران، وسورة النساء، ويطيل في الركوع والسجود حتى تتورم قدماه، لدرجة أن زوجته السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت تشفق عليه وتقول له: "يا نبي الله لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فكان يرد عليها صلى الله عليه وسلم قائلاً: أفلا أكون عبدًا شكورًا"؛ ولكنه عندما كان يصلى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جماعة كان لا يطيل أبدًا في الصلاة حتى لا يشق على المصلين خلفه بل كان يأمر بالتخفيف رفقاً بمن هو مريض أو غير قادر.

ويضيف الدكتور عزب: فعبادة قيام الليل هي سُنة مؤكدة عن نبينا، ولكن الصلاة فيها غير محددة بعدد معين من الركعات فهي يمكن أن نصليها ركعتين أو أربعة أو عشرة كل حسب قدرته واستطاعته ونشاطه، ومن زاد على ذلك كان أجره أكبر عند الله، ولكن المهم أن تكون مثنى مثنى ـ أي ركعتين ركعتين بتشهد وتسليم ـ ثم نختم هذا العدد بركعة وتر واحدة لمن لم يوتر بعد العشاء، لقوله صلى الله عليه وسلم :«صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح ـ أي الفجر ـ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» رواه مسلم؛ وإن كانت السُنة الاقتصار على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة كما ورد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل الذي تعد صلاة الشفع والوتر، وكذلك صلاتي التروايح والتهجد في رمضان نوعًا من أنواعه، لقوله تعالى: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [الإسراء: 79].

فضائلها

ويوضح الدكتور مختار مرزوق ـ أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر -: أنه يعد من فضائل تلك العبادة أنها تعد سببًا من أسباب استحقاق رحمة الله وثنائه، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[الفرقان : 64]؛ ونيل شهادة الله بالإيمان الكامل، لقوله سبحانه :{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ينفِقُونَ}[السجدة : 15 ـ 16]؛ ورفعة المنزلة عند الله، لقوله عز وجل :{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر : 9]؛ وإحياءً لسُنة نبينا القائل:«من أحيا سُنة من سنتي، فعمل بها الناس، كان له مثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئًا» رواه ابن ماجة.

ويكمل الدكتور مرزوق: ولهذا من أراد أن يقوم بتلك العبادة عليه بالنوم مبكرًا وعلى طهارة، لقوله صلى الله عليه وسلم :«إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة»؛ ولا يكثر خلال يومه من الأكل والشرب، ولا يستنفد طاقته فيما لا طائل ولا فائدة منه من الأعمال خلال اليوم؛ وأن يحرص على القيلولة خلال النهار، لقوله صلى الله عليه وسلم:« قيِّلوا فإن الشياطين لا تقيل» رواه الطبراني؛ ويكثر من ذكر الله؛ ويُمسك نفسه عن المعاصي والسيئات التي قد تكون سببًا في الحرمان من لذة الطاعات؛ ويخلص النية لله تعالى، لقوله سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة : 5]؛ وألا يغفل عن مناجاة الله تعالى، والوقوف بين يديه في الثلث الأخير من الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم:«أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن» رواه الترمذي؛ ولقوله أيضًا صلى الله عليه وسلم :«أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يومًا ويفطر يومًا» متفقٍ عليه؛ والنظر في حال السلف والصالحين الذين كانوا يتلذذون بتلك العبادة، كسيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الذي كان يصلي ما يشاء من الليل ثم يوقظ أهله في آخر الليل، ليصلوا، وهو يردد قوله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه: 132].

كلمات البحث
الأكثر قراءة