لا أميل إلى التهويل من الأحداث؛ فقد صحب التعديل الوزاري الأخير؛ بعض التعليقات عبر وسائل التواصل؛ لم أر مثلها من قبل بعضها كان يتشفى في وزراء غادروا الحكومة؛ وآخرون أعلنوا انتصارهم فور ظهور التعديل للنور؛ نظرًا لوجود خلاف معلن مسبق بينهم من قبل.
النتيجة النهائية؛ لم تك مرضية على أي سياق يمكن متابعته؛ ولأني أحد المهتمين بملف التعليم؛ أحب أن أشير لبعض النقاط المهمة للغاية في هذا الملف؛ تبدأ من ضبابية رؤية المجتمع لتطوير التعليم؛ لأن المجتمع إذا فقد رؤيته؛ لن ينصلح حاله أو حال ناسه على الإطلاق.
لذلك فكرة أن التطوير مرهون بوزير؛ فكرة غير سليمة على الإطلاق؛ لأن التطوير الذي يمس كيان الناس؛ لابد أن يقتنعوا به أولًا؛ وقد يقول قائل؛ وإذا لم يقتنعوا؛ أليس هناك بديل؟
نعم هناك بدائل؛ وليس بديلًا، ولكن تنفيذها دون اقتناع قد يأخذ أوقاتًا كثيرة؛ منها فرض الأمر الواقع على الناس دون إدارة حوار مجتمعي عميق يوضح للمواطن أهمية التطوير وقيمته وعائده عليه.
دون ذلك حرث في النهر.
نعم كان هناك سجالات لا حصر لها بين وزير التربية والتعليم السابق وبين كثير من الناس؛ ينتمون لفئات كثيرة؛ لكل من الفريقين وجهة نظر مغايرة للآخر، وإن كنت أثمن فكرة التطوير؛ ولكن كان إطارها وآلياتها دائمًا صعبة التنفيذ.
وأعلم يقينًا أن هناك أشخاصًا أصحاب مصالح كبيرة؛ تعيش وتقتات على هذا الواقع غير الجيد؛ وتحارب وستحارب أي تطوير حالي أو قادم؛ لأنه يتعارض مع مصالحها؛ وأصحاب المصالح الضيقة يخدمهم أُناس في دوائر أكبر لهم مصالح متبادلة معهم؛ وهكذا تصبح دوائر المصالح خانقة على أصحاب فكر التطوير.
فما العمل؟
أنظل محلك سر؟
بات معروفًا أن هناك لجانًا مشهور عنها الغش الجماعي؛ وكما ذكرنا في المقال السابق؛ بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي؛ وكانت تعمل في هدوء وعلى استحياء؛ إلى أن جاء هذا العام وشهدنا الجهر بالفجر في إعلان أسماء خريجي تلك اللجان؛ ولم نعرف حتى الآن ما حدث بشأن التحقيقات الخاصة بها؟
كنا ننتظر أن يتم القضاء على تلك اللجان بشكل تام؛ وهو ما يبدو أنه لم يحدث، وهذا أدعى لأن نشعر بالضجر من وجود طالب غشاش؛ وهو بالتبعية فاشل؛ فيدخل لكلية قمة؛ هكذا صور الخيال المريض لأسرته ؛ تلك الكيفية للحصول على هذا المجموع؛ فيسعى بنفس الطريقة السيئة للتخرج، فيمسي بيننا خريج فاشل. أيًا كان تخصصه؛ فهو فاشل وغشاش.
الأخطر أن هناك محيطين به؛ يتعاملون معه وفق ذلك المنظور بأريحية غريبة؛ والأخطر هو معرفة المحيطين به من زملاء وغيرهم لوقائع غشه وفشله؛ دون أن يؤثر ذلك عليه أو على المتعاملين معه.
إنها بكل المعايير كارثة؛ لا يعادلها كارثة على الإطلاق؛ أن يسكن وعي العقل الجمعي للمجتمع ذلك المضمون دون خوف أو قلق.
ويصبح الوصول لكلية القمة من خلال سبيلين؛ أولهم الطبيعي وهو التفوق وبذل الجهد المضني؛ ثانيها الغش؛ سواء من خلال استخدام نفوذ العائلة التي تأبى إلا أن يتفوق أبناؤها؛ وليس مهمًا الكيفية؛ المهم النتيجة؛ والحصول على اللقب المرجو دكتور.. مهندس.. إلخ؛ وكذلك لا يهم أن يكون فاشلًا، أو السعي للغش من أجل الغش.
لذلك لن ينجح أي تطوير ما يتسم بمعايير شفافة وواضحة وحاسمة؛ تأخذ بعين الاعتبار؛ كل مفردات البيئة المصرية التي تتسم بتنوع شديد ومتباين للغاية؛ بين حضر وريف وساحلي؛ ولهجات وعادات أيضًا متباينة.
تطوير يقوم على إتاحة الفرصة لجميع المصريين بوجود حد أدنى مقبول ومحبوب من الناس لدرجة من الإمكانيات التعليمية الجيدة "مدرسة صالحة تمامًا للقيام بدورها؛ تراعي تقديم الخدمة التعليمية وفق أريحية رائعة تهتم بالطالب وبما يهواه؛ ومنهج متميز ومدرس مؤهل وقادر"، ثم نضع الأهداف المرجوة من المنظومة التعليمية.
هل نريد مهندسًا؟ فندرسه ألف وباء؛ هل نريد طبيبًا؛ فندرسه تاء وثاء؛ وهكذا؛ وفق رؤية شفافة للغاية موضوعة بمعايير عادلة تمامًا؛ يصاحبها بناء وعي حقيقي للناس بأهمية التعليم؛ وبقدرتنا على بناء منظومة عملية علمية صالحة لمجتمعنا المصري لبناء جيل متميز؛ على أن يلمس الناس ذلك من خلال طريقين:
الأول القضاء على الغش تمامًا؛ الثاني مشاهدة خطوات التطوير الحقيقية تدب في كل أرجاء المعمورة.
وإلى لقاء قادم نكمل فيه ما بدأناه.
،،، والله من وراء القصد.
[email protected]