راديو الاهرام
14-8-2022 | 15:47

مع ضغوط الحياة نتوقف مع ذاتنا ونشعر بالضعف، وتهتز المشاعر والأحاسيس وتختلف ردود الأفعال في المواقف، ولا نستطيع أن نتعايش بشكل إيجابي ونصبح في حالة ضعف، ولكن كيف نمتلك «الصلابة النفسية» في ظل هذه الضغوطات المستمرة في الحياة؟!
 
في الحقيقة أنت تستمد «الصلابة النفسية» من الله سبحانه وتعالى لأنك من صنع الله، ولقد طرح كوباز ١٩٧٩ مصطلح «الصلابة النفسية» psychological Hardiness في أول رسالة دكتوراه، ولكننا نجد أن الإسلام كان له السبق في هذا الشأن.
 
وأعتبر أن الذي يمتلك القوة النفسية هو الأقرب إلى الله، وقد قال تعالى في سورة لقمان: (يا بُنّيَّ أَقِمِ الصّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)، ولنا في رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أسوة حسنة، فقد أوتي جوامع الكلم؛ حيث جاء في حديث شريف: (أن رجلاً قال للنبي: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب)، وجاء في حديث آخر: (أن رجلًا جاء إلى رسول الله، فقال له: دلني على عمل يدخلني الجنة، قال رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: (لا تغضب ولك الجنة).

فالإنسان الذي يمتلك «الصلابة النفسية» لديه القدرة على التحكم في ذاته أثناء الغضب، ويمتلك الاتزان الانفعالي، ولديه قدرة على الصمود، ويمتلك دافعية ومرونة نفسية يستطيع من خلالهما تحويل التهديدات إلى تحديات؛ فهو يستطيع التكيف مع المواقف الضاغطة، ويعرف ذاته واتجاهاته، وقناعاته تجعله يستطيع التحكم في المستوى المعرفي والسلوكي.
 
لابد أن تخلق لنفسك هدفًا في الحياة، على أن يكون مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بأهمّ أولويات حياتك، وعليك أن تدير ذاتك أولًا قبل أن تفكر في إدارة من حولك، ومن الأشياء التي تجعلنا لا نمتلك «الصلابة النفسية» فكرة عدم تقبلنا بعض المواقف، وعلى سبيل المثال العلاقات الأسرية؛ يغضب الأبوان بعد زواج أولادهم من عدم السؤال عنهما، فيشعران بالهشاشة النفسية والحزن الداخلي، ولكن سرعان ما يهدأ غضب الوالدان ويستعيدان صلابتهما النفسية عندما يتفهمان أن ضغوطات الحياة وأعباءها هي التي أخذت أولادهما وأنستهم السؤال عنهما دون قصد منهم أو تعمد.
 
ومن الأشياء التي تجعلنا نمتلك «الصلابة النفسية»، أن نبتعد عن فكرة التعميم؛ أي عدم الحكم المطلق على الأشخاص وتعميم السلبيات، ومن الأشياء الأخرى التي تكسبك «الصلابة النفسية» أن تجعل لنفسك حدودًا وخصوصية واستقلالية، وألا تسمح لأحد مهما يكن أن يخترق خصوصياتك، وأن تنظر في داخلك وتبحث عن قدراتك وإمكاناتك، وأن تستغلها الاستغلال الأمثل.
 
وعن طريق الإدراك المعرفي تستطيع أن تواجه أي فشل في هذه الحياة، وعليك أن تغير نظرتك للفشل، فليس هناك من يحب أن يفشل، بل الكل يتمنى النجاح وينتظره ويترقبه، ولكن في الواقع لابد أن يقابلنا مواقف نفشل فيها؛ لذلك لابد أن نتعلم كيفية التعامل مع الفشل، ولابد أن نعرف أن الفشل بداية أي نجاح، ويجوز لنا أن نقول إن الفشل هو جزء مهم وضروري من ضرورات الحياة؛  فالإنسان خلال حياته لابد من أن يذوق طعم الفشل، لكن من يتعلّم من فشله هو وحده من يستطيع أن يصل إلى النجاح العظيم.
 
أي لابد أن يكون لديك القدرة على التغيير، وأن تؤمن بأن دوام الحال من المحال، وكثيرًا من البشر لا تقبل التغيير؛ وعندما تتوقع أي تغيير يجعلك رافضًا له، ولكن من المفيد أن تتقبل التغيير لأنه سنة الحياة، وإذا حدث تقصير منك فلا تخدع نفسك واعترف بالتقصير، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وبذلك تمتلك «الصلابة النفسية».
 
وعندما تواجهك العقبات تأكد أنها هي التي ستقويك وتساعدك على التطور وتكسبك الحكمة، و«الصلابة النفسية»، وعليك أن تتوقف عن طلب الرضا من الجميع، فأنت بذلك تسعى وراء سراب؛ لأنه ينعكس عليك بالخوف والتردد والضعف خوفًا من عدم إعجاب الناس، ولا أقصد أن تتعامل مع الناس بأنانية وعدم مراعاة مشاعرهم، ولكن احرص على أن ترضي الله، وأن تعامل الناس بالحسنى، ولا تظلم نفسك، ولا تسمح لنفسك بأن تكون إمعة؛ إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤا أسأءت، ولكن أحسن إليهم وإن أساءوا تجنب إساءتهم، كما علمنا رسولنا الكريم محمد، وتقبل النقد البناء، ولكن أعرض عن النقد الهدام.
 
وختامًا فما أجمل ولا أروع من حسن الظن بالله، حينها تتأكد أن بعد الكسر جبرًا، وبعد العسر يسرًا، وبعد التعب والسهر نجاحًا وراحة، وبعد الدموع والحزن فرحًا وسرورًا، وبعد المرض صحة وشفاء، وبعد الدنيا جنة عرضها السموات والأرض، فهنيئًا لك بالتقوى والإيمان وهما المعنى الحقيقي لـ«الصلابة النفسية».
 
* استشاري علم النفس والإرشاد الأسري والتربية الخاصة

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة