تحولت الدروس الخصوصية منذ عقود قليلةإلأى غول يسطو على جزء كبير من ميزانية الأسرة دون جدوى، فما إن كان الطفل على أعتاب مراحله الدراسية، ينشغل الآباء بتوفير مدرس خصوصي له حرصًا على تأسيسه من البداية حتى لا يتعثر خلال سنوات دراسته، فما دور المدارس إذًا؟.
طغت الدروس الخصوصية على دور المدرسة في القيام بمهام تعليم الطلاب، على عكس ما كان عليه جيل آبائنا فكان اللجوء للدروس الخصوصية في حالات خاصة، كضعف مهارات الطالب وصعوبة تلقيه المعلومة منذ المرة الأولى، كما أنها حالات فريدة يخجل صاحبها من الأفصاح عنها، حيث كانت الدروس الخصوصية بمثابة وصمة عار يتجنبها جميع الطلاب وكان من يلجأ للدروس الخصوصية يرغب في إبقاؤه سر عن الجميع، إلى أن أنقلب الحال رأسًا على عقب فأصبح حاليًا من لا يتجهه إلى مسار الدروس الخصوصية فهو شخص بسيط ماديًا عاجز على الحصول على قيمتها مما قد يسبب ذلك إحراج للطالب فلم يعد يُراعي الطالب ظروف أسرته قبل اللجوء للدروس دون تقييم لمدى صعوبة المواد.
مجانية المدارس ومُغالاة الدروس الخصوصية
لجوء الطلاب وأولياء الأمور إلي الدروس الخصوصية كان سببه كثرة عدد الطلاب في الفصل الدراسي بالمدارس والذي قد يصل إلى ما بين ٤٠ وحتى ٦٠ طالبا مما قد يعرقل عملية الاستيعاب لعدم توافر أجواء هادئة تسهل عملية الإدراك بسبب كثرة العدد، فيصبح البديل هو الدرس الخصوصي، بالإضافة إلى تهميش دور المدرسة وتجنب الذهاب إليها يوميًا ليحافظ الطالب على طاقته حتى لا تستنفذ ذاهبًا إلى الدروسه مجهدًا فلا يستطيع تحصيل ما يقدم له من معلمومات، فكان المبرر الوحيد للدروس الخصوصية هو البحث عن بيئة هادئة للطالب تساعدة على تلقي المعلومات دون اللجوء للدروس الخصوصية، فما أن وجدنا الدروس في السناتر التعليمية قد تصل الأعداد بها إلى المئات وبل الآلاف بجانب كونها مُكلفة من الناحية المادية، فما الفكرة في رفض خدمة مجانية تقدمها الدولة للطالب وولي الأمر والبحث عن الخدمة ذاتها بتكلفة عالية، فهل يُهمل الطالب الشرح داخل الفصل الدراسي لمجرد أنه مجاني ويركض وراء سماع نفس المعلومة مقابل دفع مبلغ من المال ليجبره على الإنصات.
أين ذهبت المجموعات المدرسية؟
منذ بدء انتشار ظاهرة ضغف لدى بعض الطلاب في تلقي المعلومات بسلاسة، بدأ تطبيق نظام مجموعات التقوية في المدارس التعليمية لمساعدة الطلاب الضعاف بمبلغ رمزي لا يضاهي ثمن الدروس الخصوصية ولم تبقي هذه المجموعات فترة طويلة حتى أن اندثرت تحت أنقاض الدروس الخصوصية، لذا يجب إعادة تأهيل المدارس كالمراكز التعليمية وتوفير الوسائل اللازمة لإنجاحها لتصبح على استعاد تام بالقيام بدورها الأساسي الذي اغتالته السناتر التعليمية ومكافحة الدروس الخصوصية.
مبادئ تندثر
انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية هو نتيجة لتغير جذري في مبادئ المدرسين مقارنة بالعقود الثلاثة الماضية، فأين ذهب المدرس الذي يرفض مبدأ الدروس الخصوصية إيمانًا بإنها تفقد المدرس هيبته، فامتناع المدرس من إعطاء الدروس الخصوصية كان يُعزز من كرامته ويحفظ شأنه كمعلم، حتى انقلبت الموازيين وأصبحت الدروس الخصوصية بمثابة بيزنس لمعظم المدرسين للحصول على عائد مادي أكبر وأصبحت المدرسة بالنسبة للمدرس وسيلة لجلب عدد أكبر من الطلاب، وهنا يأتي دور الدولة في حل أزمة المدرسين وزيادة مرتباتهم وتقديرهم ماديًا ومعنويًا لكونهم مؤسسي أجيال مجتمع بأكمله، فلا تقل مهام المدرس أبدًا عن مهام أي كادر من كوادر الدولة، فيرجع اتجاه بعض المدرسين إلى الدروس الخصوصية بعض الأسباب منها المرتبات الغير مجزية خاصة في المدارس الخاصة مما يضطر المدرس في البحث عن بديل أخر لينفق به على ذويه ليعلق بين عذاب الضمير كمعلم رافض لهذا المبدأ وبين عذاب المعيشة الغالية.
لا فائدة من الدروس الخصوصية
أحد ضحايا السناتر التعليمية تروي بندم نتائج هرولتها وراء الدروس الخصوصية، نورهان محمد طالبة ثانوية عامة بالشعبة الأدبية لهذا العام حاصلة على مجموع ٤٤٪ تعض على أناملها ندمًا بسبب الدروس الخصوصية التي كانت بمثابة طريقة مثالية لإهدار الوقت، مشيرة إلى استخفاف السناتر بعقولهم سعيًا وراء تحقيق إيرادات مهوله، مضيفة أن الدروس الخصوصية أصبحت بمثابة مصدر رزق، فلم نكن قد انتهينا من دراسة المنهج إلا وانهالت علينا عبارات «لازم تحجز المراجعة النهائية» في جميع المواد وبأسعار مضاعفة فلم يتبقي لنا وقت لمذاكرة ما تم شرحه، مؤكدة أن نظام التعليم الجديد يتناقض مع الدروس الخصوصية والطالب لم يستفيد منها بأي شكل، كما لا يحق له التواصل المباشر مع مدرس المادة رغم المبالغ الباهظة التي يحصلون عليها من الطلاب مشيرة إلى أنه لم تأتي أي أسئلة من الدروس الخصوصية في الامتحانات سوي في مادتي الفلسفة وعلم النفس على عكس مادة الجغرافيا التي خانت جميع التوقعات وجاءت بعيدة كُليًا عن ما قدمه مدرسي الدروس الخصوصية.
محمد علي طالب بالشعبة العلمية، يلفت الأنظار إلى المنصات الإلكترونية مشيرًا إلى أنها تحتوي على مادة علمية ثمينة في جميع المواد، وتُتيح للطالب حضور دروسًا وقتما شاء، مقدمة له فرصة الإعادة أكثر من مرة حتى تستقر المعلومة في عقله، كما إنها توفر عدد كبير من المدرسين موضحًا أن بعضها مجاني والقليل منها باشتراك سنوي بمبلغ رمزي طوال العام، بالإضافة إلى المنصات. التعليمية التابعة لوزارة التربية والتعليم والتي تقدم فيديوهات تعليمية ونماذج استرشادية للامتحانات بالإضافة إلى تمارين مكثفة على وحدة في المقرر الدراسي مما يعتبر بديلًا رائعًا للدروس الخصوصية، مستاءً من المبالغة في قيمة الدروس بالسناترالتعليمية حيث تبلغ قيمة الدرس الواحد في المادة ما بين ٧٠ و ٨٠ جنيهًا بالنسبة للمواد العلمية بالإضافة إلى الملازم المكررة لزيادة نسب الربح وما هو قد يأتي فوق طاقة الكثير من أولياء الأمور، بالإضافة إلى عدم التزام المدرسين بالمواعيد ولا بوقت الحصة مما يهدر وقت الطالب دون جدوى، كما أن معظم مدرسين الثانوية العامة المشاهير التي يتسابق الطلاب في الحجز معهم قد لا يستحق معظمهم هذه الشهرة، فما هي إلا ضربة حظ حصل عليها المدرس في سنة من سنوات نظام التعليم الثانوي القديم صادفت توقع المدرس لعدد من الأسئلة وجاء الامتحان في محل توقعه، كما أن معظم المدرسين يلعبون على التوقعات وليس على خطة محكمة لتأسيس الطالب وتدريبه وجعله على أتم الاستعداد لمواجهة أنواع مختلفة من الأسئلة.
سمر رجب طالبة ثانوية عامة لدفعة ٢٠٢١، حاصلة على ٥٣٪ تُجزم بأن الدروس الخصوصية بعد تطبيق نظام التعليم الثانوي الجديد لا فائدة منها، فما هي إلا إهدار وقت ومجهود الطالب واستنفاذ طاقة أولياء الأمور من الناحية المادية، مضيفه أنها أصبحت سبوبة للسناتر التعليمية في ظل عدم وجود جدوى لها، كما أن المدرسين أنفسهم يجهلون النظام وسيناريو الأسئلة الذي سيأتي عليه الامتحان، مؤكدة إيمانها بأن حضور أكثر من درس خصوصي للمادة الواحدة قد يعوضها عن تغيير نظام التعليم وجعلها مُلمة بجوانب المادة عن طريق الحضور لأكثر من مدرس، إلى أن تداركت خطائها في نهاية العام بأن الدروس الخصوصية بكثرة جعلتها مشتتة مُهدرٍة وقتها بين درس هنا ودرس هناك وكانت المحصلة بعد مجهود كبير صفر، موجهه نصيحتها إلى من هم على مشارف الثانوية العامة حفظ وقتهما للمذاكرة واللجوء للدروس الخصوصية بعد تقييم مدى صعوبة المادة بالنسبة للطالب.