حماية المرأة من العنف ومعالجة آثاره من أهم الخطوات التي تحتاجها المرأة في حال تعرضها إلى العنف، وتحتاج إلى مكان آمن يستوعبها ويعالج الآثار النفسية والصحية الضارة التي تعرضت لها، ويقدم لها خدمات شاملة طبية واجتماعية وقانونية وهذا ما تهدف إليه «عيادات المرأة الآمنة» التي أسسها المجلس القومي للمرأة الفترة الأخيرة بعدد من الجامعات ومعكم نتعرف تفاصيلها.
موضوعات مقترحة
عيادات المرأة الآمنة أطلقها المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة، وافتتحت أخيرًا أربع عيادات جديدة بمستشفيات جامعة المنيا وبني سويف وبنها و ٦ أكتوبر، وتمت تحت إشراف رؤوساء الجامعات وكبار الطاقم الطبي بالجامعات.
تقدم العيادات خدمات شاملة للنساء اللاتي تعرضن للعنف، بما في ذلك الخدمات الطبية والإحالة للخدمات القانونية والاجتماعية بالتنسيق مع المجلس القومي للمرأة، ووقع بروتوكولات تعاون مع الجامعات لإنشاء وحدات استجابة طبية في مستشفيات الجامعات، وكانت أولى العيادات بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان والأمانة العامة للصحة النفسية بمركز أهالينا الطبي بالقاهرة.
ملاذ آمن للفتيات
الفتيات أكدن أنه بعد تعرض أي فتاة للعنف تحتاج إلى رعاية ومكان آمن يمكنها من العودة إلى حياتها الطبيعية، وتحتاج إلى أطباء متخصصين يساعدونها في تجاوز الفترة الصعبة بعد تعرضها للعنف.
سعاد علي فتاة تعرضت لحالات تحرش متكررة بالمواصلات العامة تقول: «التحرش ده من أصعب المواقف التي تتعرض لها البنت، ومع كل مرة كنت أَمُرُّ بحالة نفسية سيئة وأرفض الحديث مع أي شخص وأخاف من النزول من المنزل، وفي المرة الثانية قررت ألا أستسلم وتواصلت مع أحد الأطباء النفسيين، واستطعت الخروج من الحالة النفسية التي كنت فيها، وبعدها أصبحت جاهزة لأخذ موقف ضد أي شخص عديم الأخلاق يعمل هذا الفعل المشين».
وتقول ياسمين علي طالبة بالفرقة الثالثة بكلية التجارة: إن أهم ما تحتاجه البنت بعد تعرضها للعنف مكان وأشخاص واعون يحافظون على خصوصياتها وأسرارها، وبخاصة أن العنف ما زال يمارس ضد الفتيات سواء بتحرش أم ختان أم حتى تنمُّر ويكون من أقرب الأشخاص، وهذا يضعف البنت ويجعلها تفقد الثقة في نفسها، وهذا ما تعرضت له من أصدقائها لزيادة وزنها، ولكن لم تستسلم ولم تجعل هذا يؤثر على نفسيتها وقررت أن تواجه محاولات التنمُّر ضدها.
وترى أن العيادات الآمنة من أهم الخطوات التي يجب أن ترعاها الدولة لتكون ملاذا آمنا للفتيات اللاتي يتعرضن للعنف؛ حتى يتمكنَّ من مواجهة المجتمع وتحقيق التوازن النفسي، وبخاصة أن الكثيرات من الفتيات لا يملكن القدرة على مواجهة ذلك بمفردهن، ويحتجن إلى مكان آمن يقدم لهن المشورة الصحيحة.
التوعية للأهل
وحول الدور المهم للعيادات الآمنة في تجاوز الفتيات فترة ما بعد التعرض للعنف يقول أستاذ الطب النفسي أحمد البحيري: إن العنف الذي تتعرض له الفتاة من أكبر المواقف التي تواجه أي فتاة سواء من الأهل أم المدرسة أم العمل أم من الزوج، وكثير من الحالات تحتفظ بهذه المواقف، ولا يمكنها تجاوزها، وتؤثر على توازنها النفسي وشخصيتها؛ لذلك من أهم سبل مكافحة العنف هو توعية الأهل باستيعاب الفتيات، وألا يكونوا سببا في العنف ضدهن وأن يفتحوا باب الثقة مع بناتهن حتى يعرفوا كل حاجة عنهن.
ويشجع بشدة الهدف من العيادات الآمنة؛ لأن المشرفين عليها من المتخصصين في مجال المرأة، ومن الدكاترة المتخصصين الدارسين داخل الجامعات المتخصصة، حتى لا تقع الفتيات ضحية لمراكز وهمية، وهذا يحتاج إلى دعم دائم من الدولة، ونتمنى أن يكون بكل الجامعات عيادة آمنة للفتيات.
مساحة آمنة
وحول تفاصيل الفكرة تؤكد الدكتورة مايا مرسي - رئيس المجلس القومي للمرأة - الدور المهم الذي يلعبه القطاع الطبي في الاستجابة لحالات العنف ضد المرأة، موضحة أن الأطباء والممرضات هم أول نقطة التقاء مع النساء والفتيات اللاتي يتعرضن للعنف.
وتوضح أن الوحدة تعد بمثابة مساحة آمنة تتيح للنساء الإفصاح عن تعرضهن للعنف مع مراعاة الخصوصية وسرية البيانات، مضيفة أنه تم بالفعل التنسيق وإحالة عدد من النساء اللاتي ترددن على الوحدات التي تم افتتاحها في عام 2020 (قصر العيني- عين شمس- أسيوط والمنصورة) إلى مكتب شكاوى المرأة بالمجلس ولجهات قانونية متخصصة.
وأكدت الدكتورة مايا مرسي أن الوحدات تقوم بتقديم الخدمات على أيدي أطباء وهيئة تمريض مدربين على كيفية تقديم الدعم النفسي الأولي والإحالة للجهات الداعمة والعاملة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة.
وأوضحت فريدريكا ميير- ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر- أن شراكة الصندوق غاية في الأهمية مع المستشفيات الجامعية للقضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات، مضيفة أنها تأمل في أن تكون هناك في نهاية المطاف عيادات المرأة الآمنة في كل محافظة.
وقالت: «نحن فخورون بالعمل جنبًا إلى جنب مع المستشفيات الجامعية لتمكين الأطباء والممرضات والمرضى للوقوف ضد جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات. كما نفخر بالتنسيق بين الوزارات المعنية وأصحاب المصلحة الحكوميين والشركاء والمؤسسات لمواصلة جهودنا المشتركة في هذا الشأن، مؤكدة أننا على يقين من أن هذا هو الاتجاه الصحيح للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات».
أكدت الدكتورة أمل فيليب - مستشارة وحدة مناهضة العنف ضد المرأة للجانب الصحي والاجتماعي بالمجلس - أهمية دور المجلس والخدمات التي يقدمها لدعم الجانب الصحي للمرأة من خلال استراتيچية مناهضة العنف ضد للمرأة، ومحور الحماية فى الاستراتيچية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، ودور وحدة مناهضة العنف بالمجلس فى التعامل مع قضايا المرأة، موضحة أهمية الدور الذى سوف تلعبه الوحدة فى دعم المرأة المعنفة وفقا لنظام الإحالة الفعال بين الجهات المعنية.
وأوضحت أن هناك تدريبا مخصصا يستهدف توعية الأطباء بسبل اكتشاف معاناة النساء والفتيات ضحايا تلك الجرائم، والتعامل معهن في أثناء الفحص عليهن أو تلقى الشكاوى الصحية منهن، مما ينعكس على تقديم الدعم النفسي والصحي الكامل للضحايا.
وأكد الدكتور ناصر الخولى- أستاذ أمراض النساء والتوليد وخبير الصحة الإنجابية بالأمم المتحدة –ضرورة الدعم الصحي والنفسي للنساء والفتيات ضحايا جرائم العنف، وتوعية الكوادر الطبية وتدريبهم على الخدمات الصحية والقانونية والاجتماعية للنساء والفتيات المُعنَّفات.
وطالب بضرورة تعزيز التوعية بالمدارس، وتنظيم الندوات والمؤتمرات للأطباء والطبيبات وطلاب وأساتذة الطب بالجامعات عن الجوانب القانونية الخاصة بتعرض أي فتاة للعنف.