"رأس المال الإفريقي"..أو رأس المال البشري في إفريقيا، هذا المورد فائق الأهمية في القارة كثيفة هذا المورد مقارنة بقارات العالم، يظل هو الأساس لكل تحرك نحو إقالة القارة من عثرتها الطبيعية بسبب التغيرات المناخية، ومن عثرتها المفتعلة التي تسبب فيها الاستعمار.. إذ، إفريقيا هي المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول به، جوارًا وطبيعة وموارد.
أسباب عديدة تواجه القارة، تضاف إلى ما نحن بصدده اليوم، أهمها أن غالبية الموارد الطبيعية، تأتي من إفريقيا وتعتمد معظم دول العالم على موارد طبيعية نادرة تأتي من إفريقيا، فضلا عن وقوعها في قائمة أعلى المناطق المرشحة للتأثر الاقتصادي الأسوأ بالتغير المناخي، كما أن الاحتباس الحرارى يهدد بارتفاع الوفيات فى إفريقيا 9 أضعاف على ما هي عليه اليوم.
ولعله حان الوقت اليوم لتفعيل مبادرة تعالج هذه العثرات، الماضية والحالية والمستقبلية للقارة، وهي مبادرة "إفريقيا الخضراء" والتي تتزامن فرص تحقيقها مع مؤتمر الأطراف الدولي المرتقب المناخ "COP27"، والذي يعقد في إحدى مدن القارة، شرم الشيخ المصرية، وهو ما دفع علماء وخبراء لطرح مبادرات مهمة لإمداد القارة السمراء بـ أفكار للإنقاذ وللتنمية المستدامة عبر "التمويل الأخضر".
"عمليات التعلم والتعليم، في ذاتها، تخلق، حوافز للإصلاح"، هذا ما يراه جيم يونج كيم رئيس مجموعة البنك الدولي بالأمم المتحدة، والذي يشير إلى أن "التعليم والتعلم" يرفعان التطلعات ويضعان القيم ويثريان الحياة، ويؤكد أن البلد الذي ولدت فيه، "كوريا الجنوبية"، هي مثال جيد على كيف يمكن للتعليم أن يلعب هذه الأدوار المهمة، مضيفًا أنها مثال، لكي نرى الآثار المفيدة للتعليم في العديد من الدول، حيث الاهتمام بالتعليم "رأس المال البشري" الذي يُنشئه جيدًا، له فوائد عديدة للاقتصاديات والمجتمعات، وأيضا للأفراد، حيث يعزز التعليم والتوظيف والأرباح والصحة، كما يدعو للتفاؤل والفخر، وبالنسبة للمجتمعات، فإنه يفتح آفاقًا جديدة، ويقود النمو الاقتصادي طويل الأجل، ويحد من الفقر، ويحفز الابتكار.
ويتساءل كيم، عبر كلمته في تقرير له بالأمم المتحدة: لكن توفير التعليم وحده لا يكفي، والمهم ما يولد عائدًا حقيقيًا على الاستثمار وهو التعلم واكتساب المهارات.. فهذا هو حقًا ما يبني رأس المال البشري، والتعليم دون تعلم هو إهدار هائل للموارد الثمينة والإمكانات البشرية، والأسوأ من ذلك، إنه ظلم، وبدون التعلم، سيواجه الطلاب العزلة في حياة يحدها الفقر والإقصاء، والأطفال الذين تفشل مجتمعاتهم أكثر من غيرهم.. هم في أمس الحاجة إلى تعليم جيد لتحقيق النجاح في الحياة.
أيضًا، فإن التعليم يعمل بقوة على، إنهاء الفقر، وتعزيز الرخاء المشترك، باعتبار أن طلاب اليوم سيكونون مواطنين غدًا وقادة وعاملين وأولياء أمور، لذلك فإن التعليم الجيد هو استثمار له فوائد مستدامة، وينهي رئيس المجموعة كلمته أن هذه النواقص، تهدد التنمية وتهدد مستقبل الناس ومجتمعاتهم في الوقت نفسه.
وكثيرًا ما يتصدر الحديث عن مواجهة التغيرات المناخية، والحلول الصفرية للغازات الكربونية، بإعطاء الأولوية للتمويل والدعم المالي، قبل المورد البشري أو الطبيعي، وهو ما ينبه إلى تصحيحه الدكتور حسين أباظة المستشار الدولي للتنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، مؤكدًا ضرورة تفادي هذا الخلل الشائع، وألا يتصدر التمويل أولويات العمل البيئي أو المناخي، والأصوب هو أن رأس المال البشري والبحث العلمي هو الأساس وهو المحرك لكل الأهداف المرجوة مستقبلا، وهذا التوجه لابد وان يحاكي ما يحدث مع "التنمية المستدامة" التي هي المحور، وهذه التنمية لا ولن تتم إلا بالاستثمار في التنمية البشرية والطبيعية، فالاتحاد الأوروبي يعمل ككتلة واحدة، والمطلوب أن يتم ذلك مع القارة الإفريقية، التي تضم حوالي 5 كتل إقليمية واقتصادية، ومن المهم التنسيق فيما بين هذه الكتل، وفيما بينها كدول، بهدف توفير أرضية إفريقية مشتركة، وهنا يأتي الدور المصري الذي يشكل المنسق أو الموجه، لتنسيق التكامل الإفريقي وتفعيله بين دول القارة في مجال التعليم والتنمية البشرية والبحث العلمي، وهذا هم الأساس الدائم والضامن والقوي للتنمية المستدامة، التي تتركز وتنشأ على مبدأ "الاستثمار في التنمية البشرية والطبيعية".
نعم..لن نتمكن من مواجهة التغيرات المناخية دون الاهتمام بالبحث العلمي والتنمية البشرية، وهنا يأتي دور الدولة، أما المجتمع المدني، فيجب ألا يركز على البعد البيئي فقط، بأن يضع في أولوياته الاهتمام بالبعد البشري والدور الاجتماعي، ثم البعد البيئي.
والتوجه للعالم عبر الكتلة الإفريقية بات ملحًا وضروريًا، كما أوصى مسئولون وخبراء، خلال مؤتمر للتوعية بآثار التغير المناخي في إفريقيا، عقدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية بالقاهرة مؤخرًا، بزيادة "التمويل الأخضر" الموجه إلى إفريقيا للإنفاق على بناء القدرات المؤسسية والبشرية القادرة على تخطيط وتنفيذ المشروعات الخضراء لمواجهة تغير المناخ، حيث تحتاج القارة إلى استثمارات سنوية نحو 25 مليار دولار في الطاقة، وعل بناء القدرات المؤسسية والبشرية القادرة على تخطيط وتنفيذ المشروعات، وهو ما يتطلب حوارا وتواصلا، بين الدول الإفريقية، ولعل القاهرة تشكل المنطلق لإدارة هذا الحوار والتعاون البناء.
وإذا كانت إفريقيا ضحية انبعاثات القوى الاقتصادية والصناعية الكبرى في الماضي، فهل سيوافق أهلها لكي تظل الضحية مجددا للمتغيرات المناخية والمجتمعية والبشرية مستقبلا..
[email protected]