في الماضي كان الهروب من الواقع إلى الخيال هو إفساد للواقع وتضييع للوقت، ماذا لو قلت لك إن الخيال الآن أصبح له واقع، وأن هناك طرق لتمرير الأحلام والخيالات للعالم الحقيقي لتتحول لأرقام جعلت البعض يكسبون ملايين الدولارات، لم يكسبوها في عالم الخيال فقط، وإنما استطاعوا تحويلها لأوراق مسكوها بأيديهم..
موضوعات مقترحة
في البداية، أعرف أن البعض قد يجد أن العالم الافتراضي هو نوع من الهزل، أقدر ذلك وأتفهمه، لكن اقرءوا السطور التالية بعقول مفتوحة، على الأقل لتفهموا ما وصل إليه العالم.
منذ إعلان مارك زوكربيرج تغيير اسم شركة فيسبوك لتصبح "ميتا" واهتمامه بالاستثمار في عالم الميتافيرس وهناك جنون في الاستثمار في هذا العالم، نتحدث عن آلاف المليارات التي تنفق الآن لبناء عالم جديد مواز للعالم الذي نعيش فيه، عالم بكل التفاصيل.
البداية كانت مع العملات الرقمية، البيتكوين كانت العملة الأولى، تم اختراعها من قبل مخترع مجهول في 2008 وفق نظام تشفير معقد مستحيل اختراقه، وبدأ بيعها في 2009 وتمت بالفعل أول عملية شراء باستخدامها في 2010، حيث دفع أحد الأشخاص 10 آلاف بيتكوين مقابل بيتزا ثمنها 25 دولارا، البيتكوين وقتها كان سعره زهيدا للغاية، لم يكن أحد يتوقع أن يصل سعره في أعلى موجة له تقارب 70 ألف دولار للبيتكوين الواحد، بحسبة بسيطة يمكنك أن تدرك أنها كانت أغلى بيتزا في التاريخ.
توسع الآن سوق العملات الرقمية ليصل عددها حوالي 18 ألف عملة ويقدر حجم السوق الخاص بها 3 تريليون دولار، التريليون يساوي ألف مليار، هذا التوسع والارتفاع الكبير في أسعارها خلق طبقة جديدة من الأغنياء، أغنياء العملات الرقمية، هؤلاء جمعوا ثرواتهم كلها بتداول عملة رقمية تصدرها جهة مجهولة، عملات لا علاقة لها بسيادة الدول، لها بورصة خاصة بها يتداول فيها ملايين البشر.
الآن هناك ثروات، ماذا بعد؟
عادة ما يستثمر الأغنياء أموالهم في أراض وعقارات، هنا بدأت تظهر عوالم افتراضية تبيع قطع أراض موجودة في العالم الافتراضي، العام الماضي تم شراء أراض افتراضية بأكثر من 500 مليون دولار، وهو سوق يتوقع أن يصل الاستثمار فيه هذا العام لأكثر من مليار دولار.
صندوق استثمار عقاري عالمي قرر استثمار 4.3 مليون دولار في شراء قطعة أرض افتراضية على منصة شركة "ساندبوكس" بالمناسبة فهذه القطعة عن طرحها للبيع للمرة الأولى كان سعرها 15 ألف دولار فقط لقفز السعر بعد أشهر قليلة، مغنى الراب العالمي سنوب دوج اشترى هو الآخر قطعة أرض على نفس المنصة بسعر 2.4 مليون دولار.
يوجد حاليا أكثر من 12 منصة تبيع العقارات في الميتافيرس، إلا أن أشهرهم وأغلاهم هم "ساندبوكس" و"ديسنترالاند" و"كريبتوفوكسيل" و"سومنيوم"، وهناك إجمالي 268645 قطعة أرض على المنصات الأربعة، ويلعب موقع القطعة دورا كبيرا في تحديد سعرها، مثل العالم الحقيقي تماما، مثلا لو اشتريت قطعة أرض بجوار مقر جوجل بالتأكيد ستكون أغلى بكثير من قطعة أرض في جزيرة بعيدة، قواعد العالم الحقيقي دخلت وأصبحت تلعب نفس الدور، هناك من حقق الملايين فقط لأن شركة كبيرة أو شخصية شهيرة اشتروا بالصدفة قطعة أرض بجانب قطعتهم أو تم افتتاح مركز للتسوق بالقرب منهم.
ولكن ماذا يمكن أن تفعل بهذه الأرض الافتراضية؟ كالعالم الحقيقي تماما، يمكنك فتح مقر لشركتك، واستقبال العملاء، إجراء الاجتماعات، وقت الإغلاق الكبير بسبب فيروس كورونا اعتدنا الاجتماعات على تطبيقات مثل "زووم"، بيل جيتس الملياردير الأمريكي الشهير صاحب شركة مايكروسوفت يقول: إنه في غضون ثلاثة أعوام ستنتقل الاجتماعات للعالم الافتراضي، هناك الاجتماعات أسهل، وأكثر حيوية.
أما بالنسبة لمراكز التسوق، فيمكنك الدخول لمتجر الكترونيات أو ملابس واختيار القطعة التي تريدها ودفع ثمنها من خلال محفظتك الموجودة في العالم الافتراضي وتسجيل عنوانك الحقيقي لتصل حتى منزلك، في الميتافيرس سترى الأشياء مجسمة ويمكنك تجربة استخدامها بشعور قريب من الشعور في العالم الحقيقي، وبذلك فالتسوق هناك تجربة أمتع وأفضل من التسوق في المواقع الالكترونية على سبيل المثال.
بدأ استخدام "ميتافيرس" في الصناعات ذات بيئات العمل الخطرة، حيث يجري استخدام الواقع الافتراضي لتدريب العمال على تشغيل الماكينات وبروتوكولات السلامة، وفي مجال الرعاية الصحية، تم استخدام هذه التقنيات بالفعل في وحدات العناية المركزة أثناء الجائحة لجلب خبرة إضافية دون المخاطرة بالتعرض لفيروس "كوفيد-19" كما تم الإعلان عن أول عيادة افتراضية في الميتافيرس أنشأتها شركة إماراتية ناشئة.
هناك استخدامات أخرى، هناك من بنوا في الميتافيرس قاعات للحفلات والأفراح، هناك مغنون عالميون أحيوا حفلات بالكامل في العالم الافتراضي، مثلا مغني الراب الأمريكي الشهير ترافيس سكوت أحيا حفلا حضره 12 مليون مستخدم، هناك أفراح أقيمت هناك، تخيل بدلا من التكاليف الباهظة لحفل الزفاف تقيمه في الميتافيرس وترسل دعوات لأصدقائك من كافة الأنحاء والذين سيحضرون دون تكبد عناء السفر أو الانتقال لك، يمكن أن تختار مطربك المفضل والذي سيدخل ليحيي لك الحفل ويمكن أن تعطي هدايا للعروسين في شكل عملات رقمية أو رموز غير قابلة للاستبدال أو ما يعرف اختصارا NTFS .
ما هى تقنية الـNTFS؟
في العالم الحقيقي يمكنك أن تشتري لوحة أو قطعة فنية لاقتنائها، وحسب مقدرتك يمكنك شراء لوحة لواحد من كبار الفنانين والتي يصل سعرها لعشرات الملايين من الدولارات، سعر اللوحة يتحدد من قيمة العمل ومن كونه أصليا، ولكن في العالم الافتراضي يمكن نسخ اي شيء، وقتها كيف يمكن تقييم سعر اللوحة؟ هنا ظهرت تقنية NTFS وهي اختصار لنظام ملفات التكنولوجيا الجديدة “New Technology File System”، وهو نظام ملفات الجيل الجديد الذي طورته شركة Microsoft، ويتميز هذا النوع من الفن بتفرده، بمعنى أنه غير قابل للاستبدال أو الاستنساخ، وبالتالي فعند شرائك للوحة أو للمقطوعة الموسيقية يتم تكويدها بطريقه من المستحيل نسخها، وهذا الكود هو الشهادة لك بأن هذه القطعة أصلية.
نتحدث عن صور تم بيعها بحوالي 70 مليون دولار، ونتحدث عن سوق بلغ حجمه العام الماضي فقط 18 مليار دولار، هناك صورة لليونيل ميسي تم تكويدها وبيعها بأكثر من 12 مليون دولار، فنانة أمريكية تدعى ياسمين بويكينز كانت تنشر أعمالها على الانترنت مجانا، ياسمين عمرها 20 عاما فقط وكانت تكسب القليل من المال وبعد علمها بالتقنية الجديدة دخلت هذا العالم لتحقق أكثر من 10 آلاف دولار شهريا.
ففي شهر مارس الماضي أعلن جاك دورسي الرئيس التنفيذي لتويتر طرح أول تغريدة على الإطلاق على منصة تويتر للبيع، باعتبارها فنًا رقميًا قائمًا على الرموز غير القابلة للاستبدال NTFS وقد بلغ أعلى رهان عليها 2.5 مليون دولار.
في النهاية، يتوقع الخبراء أن يحقق الاستثمار في الميتافيرس عائدا بمقدار تريليون دولار في السنوات القليلة المقبلة، وتقول مجموعة "جيفريز" المصرفية الاستثمارية الأميركية: "إن الاستثمار في (ميتافيرس) سيكون مثل الاستثمار في الأيام الأولى للإنترنت، والتي أثبتت مع السنين عن تشكيل شركات التكنولوجيا العملاقة التي غيرت مجرى التاريخ، وأصبح اعتماد العالم عليها حتمياً في نواحٍ عديدة من الحياة".