تاريخيا، تعتبر صحيفة "الغد" التي صدرت في قرية سندوب بالدقهلية خلال ستينيات القرن الماضي، أول صحيفة في مصر والوطن العربي؛ لمحاربة الأمية والتوعية الريفية، فالصحيفة التي أسسها الشهيد الطبيب أحمد حجي في قريته، والذي أسس فصولاً لمحو الأمية، كانت تستقطب المتحررين والمتحررات من الأمية، وكانت تلك المجلة تُعلق على حوائط وجدران القرية.
وتنشر "بوابة الأهرام"، تاريخ هذه الصحيفة نقلاً من مقال كتبه الطبيب أحمد حجي في مجلة "الطليعة" عام 1968م، حيث أظهر المقال أهمية صحافة الحائط الجماهيرية في محو الأمية.
بدوره، أكد حجي في مقاله، أن صحيفة الحائط جريدة جماهيرية يُشرف على تحريرها مجموعة من المثقفين، وبعض الفلاحين والعمال الذين تحرروا من الأمية ، وبعض المتحمسات من النساء، وهى جريدة لا تزيد عن ورقة واحدة تُلصق على الحائط، فالصحيفة لا تُطبع في مطبعة، ولكنها تُكتب بخط اليد، وتُوضع في مكان عام، حيث يتجمع الناس ويوجدون.
وُلد أحمد حجي في عام1941 م بالدقهلية لأسرة مصرية بسيطة، وقد عاش سنوات عمره الأولى في ظل بلد يتطلع إلى الحرية من الاستعمار، وساند ثورة 23 يوليو 1952م؛ من أجل تغيير حياة طالما عانى منها البسطاء في مصر، وقد عاش الحلم الناصري في صباه.
اختار حجي أن يُمارس نشاطاً اجتماعياً في قريته الصغيرة بالمنصورة، ففتح مدرسة لمحو الأمية في أواخر الخمسينيات، وتطلع لأن يكون أبناء قريته على قدر كبير من العلم والثقافة، راسل مجلة "الطليعة" وله فيها مقالات عديدة في الثقافة والفنون، بل صدر له لاحقاً كتابان هما "الكلمات والبارود" و"الفلاحون والعمل السياسى".
لا تحتاج صحافة الحائط لكاتب ومحرر مُتخصص كما يؤكد حجي، غير أنها تحتاج لمن يقوم بمعالجة مشكلات الفلاحين، كما أن الصحيفة تأخذ شكلاً معينًا، سواء في الكتابة أو الكاريكاتير، أو حتى المانشيت للمواضيع، فالأمية في قرية سندوب كانت تتخطى حدود الـ70 % من سكان القرية؛ لذا كانت الرسومات التي توضع على صحيفة الحائط هي الغالبة؛ ولأن لغة الصحيفة تتوجه للقارئ العادي وتعليمه وتثقفيه؛ لذا كان المحررون ينتقدون بعضهم البعض في الصحيفة لتعليم القراء كيفية إبداء الرأي العام، بل كان كتاب الصحيفة يتبادلون مع القراء وجهات النظر.
ويوضح حجي، إذا كانت صحيفة الحائط تصدر في منطقة بها نسبة أمية مرتفعة يستحسن أن تكون الصور والرسومات هي الغالبة، أما إذا كانت تصدر في منطقة ذات مستوى مرتفع من العلم والثقافة يستحسن أن تكون السمة الغالبة لها المقالات الكتابية.
ومن سمات صحافة الحائط، أن محتوياتها لا تستغرق من القارىء وقتا طويلا، للقراءة، كما لا تستغرق كثيرًا من الأفكار والمشاكل؛ والسبب أن القارىء للحائطيات على عجلة من أمره، حيث يقرأ الجريدة وهو يمر في الطريق، أو أثناء الراحة، فيتوقف أمامها للحظات؛ لذا لابد أن تنحاز صحيفة الحائط لقضايا الجماهير ، وأن تكون خالية من الزخارف اللفظية، فلكل كلمة معنى محدد.
ويؤكد حجي أن قرية سندوب تصدر صحيفة حائط باسم "الغد"، وهى من خمس نسخ ليتم تعليقها على خمسة مقاهي بقرية سندوب، وقد أثارت صحيفة الغد الكثير من القضايا، فأثناء صدور قرار بتشكيل لجنة نسائية في القرية خرجت الصحيفة بعدد يحوي كاريكاتير عن رجل يرفض خروج المرأة، ويخاطب صديقه بقوله:" لا ياعم أنا مراتي ماتخرجش من البيت"، فقد أخذ الكاريكاتير بقلوب الناس، وأحدث ضجة في مجتمع قرية سندوب.
وتعد قرية سندوب من أقدم القرى بالمنصورة ، وقد ذُكرت في عدد من الكتب الجغرافية القديمة، ويؤكد حجي أن القرية تضم 150 سيدة فلاحة داخل اللجنة النسائية ونتيجة إثارة الرأي العام والكاريكاتير الساخر، كان هناك تبادلا للآراء وأفضى ذلك لنتيجة أن كل إنسان مسئول على حماية مكاسب المرأة.
وتناول عدد آخر من الصحيفة تحقيقا مع الأميين، وقد كتبت بخط كبير آراء الناس، ونتيجة لذلك حضر 130 فلاحا للتعليم في الفصول الليلية، وحين تعلموا صاروا يكتبون مقالات في المجلة، بل كانوا يقرؤونها للناس في المقاهي، وصارت الصحيفة مدرسة للشباب الذين عرفوا من خلالها ماذا يريد الناس البسطاء، وماذا يقرؤون.
يعترف أحمد حجي أن المثقفين في مصر مشغولون بقضايا لا تشغل الناس، فالمثقف الذي يعلن أنه يكتب للجماهير، لم يحتك بالبسطاء، فالمشكلة الأساسية هي الأمية ولا يجوز أن ندرس الأدب والفن من جهة نظر واحدة، فالمثقف المصري عليه أن يلتفت للبسطاء، مؤكدا أنه يحلم بتأسيس دار نشر في القرية؛ لإصدار الصحف ولا بد أن يكون لكل قرية صحيفتها المعبرة عنها وعن مشكلاتها، بل إن تعليم الناس النقد الذاتي لا يقوم إلا من خلال صحافة، وأن انتشار الصحافة في القرى والمصانع والمستشفيات لدليل على يقظة الرأي العام، ومن خلال الصحافة القروية يمكننا أن نحدد مسار الثقافة والفن.
تخرج حجي في كلية الطب البيطري بعد هزيمة 1967م، وجُند بالقوات المسلحة عام 1968م في مكان آمن في القاهرة، لكنه تقدم بطلب لنقله إلى الجبهة، فُنقل وتولى بعض الأعمال والمهمات في الشئون الطبية في الكتيبة التي خدم بها بمنطقة القناة، وهناك وثق الشهيد بمداد من الدم والعرق قصص جنود مهدوا ببطولاتهم في حرب الاستنزاف للعبور العظيم في حرب أكتوبر، وهى مذكرات جندي مصري في قناة السويس، وهى تضم صورة حقيقية لبطولات حرب الاستنزاف.
صحيفة الطليعة صحيفة الطليعة