Close ad
11-8-2022 | 12:50

كثيرًا ما يطرح هذا السؤال ونحار في الإجابة بشكل يعطي للوطن التعريف اللائق به؛ لكن بتطوافة  سريعة للتفتيش عن معناه وماهيته  التي ارتضاها الكتاب والشعراء والفلاسفة، نختار بعضها على سبيل المثال؛ فنجدنا أمام  كلمات ساقها محمود درويش نستشعر فيها معاناته لجمع حروف الكلم ليصوغ كلمة وطن حين قال:
أَنَا مِنْ هُنَاكَ. وَلِي ذِكْريَاتٌ. وُلِدْتُ كَمَا تُولَدُ النَّاسُ. لِي وَالِدَهْ
وبيتٌ كثيرُ النَّوافِذِ. لِي إِخْوَةٌ. أَصْدِقَاءُ. وَسِجْنٌ بِنَافِذَةٍ بَارِدَهْ.
وَلِي مَوْجَةٌ خَطَفتْهَا النَّوارِسُ. لِي مَشْهَدِي الخَاصُّ. لِي عُشْبَةٌ زَائِدَهْ
وَلِي قَمَرٌ فِي أقَاصِي الكَلاَم، وَرِزْقُ الطُّيُورِ، وَزَيْتُونَةٌ خَالِدَهْ
مَرَرْتُ عَلَى الأَرْضِ قَبْلَ مُرُور السُّيُوفِ عَلَى جَسَدٍ حَوَّلُوه إِلَى مَائِدَهْ.
أَنَا مِنْ هُنَاكَ. أُعِيدُ السَّمَاءَ إِلَى أُمِّهَا حِينَ تَبْكي السَّمَاءُ عَلَى أمَّهَا،
وَأَبْكِيِ لِتَعْرفَنِي غَيمَةٌ عَائِدَهْ.
تَعَلّمْتُ كُلِّ كَلامٍ يَلِيقُ بمَحكَمَةِ الدِّم كَيْ أُكْسِرَ القَاعِدهْ.
تَعَلّمتُ كُلِّ الكَلاَمِ ، وَفَكَّكْتُهُ كَيْ أُرَكِّبَ مُفْرَدَةً وَاحِدَهْ
هِيَ: الوَطَنُ..

وعندما سئل الفيلسوف جان جاك روسو عن ماهية الوطن أجاب: 
الوطن هو  المكان الذي لا يبلغ فيه مواطن من الثراء ما يجعله قادرًا على شراء مواطن آخر، ولا يبلغ فيه مواطن من الفقر ما يجعله مضطرًا أن يبيع نفسه أو كرامته.. الوطن هو رغيف الخبز والسقف والشعور بالانتماء، الدفء والإحساس بالكرامة.. ليس الوطن أرضًا فقط، ولكنه الأرض والحق معًا.. فإن كانت الأرض معهم فليكن الحق معك.. الوطن هو حيث يكون المرء في خير..
 
أما الوطنية كمصطلح فيُعد حديث التداول كما نص على ذلك عباس العقاد في مقاله "معنى الوطنية"، قائلا : "الوطنية قوة حديثة لم تكن معروفة في الغرب ولا في الشرق قبل القرن الثامن عشر، فلما وجدت بمعناها الحديث أصبحت هي القوة العاملة في سياسة العالم، و لم تزل أقوى قوة فعالة في السياسة الدولية وفي سياسة كل أمة على حدة".
 
من قديم الزمان ثارت الأمم على الحكم الأجنبى، ولكن هذه قد تكون ثورة على ذلك الخضوع؛ وهو شعور غير مقصور على الوطنية.
 
يوجد في الإنسان الفرد شعور الوطنية، كما يوجد في المجاميع الإنسانية، وليس النفور من الذل هو كل ما في الوطنية لأنها تشمله وتزيد عليه كثيرًا.
 
لم يكن من المستطاع ظهور الوطنية في عصور الإقطاع، لأن الشعور بالإقليم في عهد الإقطاع أقوى من الشعور بالوطن كله، و لا نزال نذكر في "مصر" الجيزاوي والشرقاوي والبحيري؛ ألقاب نسبة إلى الأقاليم، بل مازلنا نذكر أن كلمة المصري كانت تطلق قبل مئة عام ويراد بها ابن القاهرة.
 
لم يكن من المستطاع ظهور الوطنية في عهد الملوك المستبدين لأن البلاد كانت ميراثًا ينتقل بالمصاهرة كما تنتقل الدار المملوكة، إنما نشأت الديمقراطية مع الإيمان بسيادة الأمة، و إنها دون غيرها مصدر السلطات، و منذ ظهرت الوطنية علم الملوك أنها خطر على دعواهم و اجتمعوا على محاربتها، و بلغ من سخط ملوك "روسيا" و"النمسا" و"ألمانيا" على الوطنية أنهم على كراهيتهم للدولة العثمانية؛ واتفاقهم على تقسيمها ترددوا في مساعدة الأمم الثائرة عليها، لأنها تثور بدعوى الوطنية أو بدعوى حقوق الشعب.
 
منذ عُرفت الوطنية التي تقوم على سيادة الأمة لم ينقطع المفكرون والسياسيون عن البحث في تعريفها وحصر شروطها ومعانيها.
 
وصفوة القول إن الوطنية للأمة كالشخصية للإنسان، فلا يلزم أن يتخلى الفرد عن شخصيته ليصبح عضوًا نافعًا في الأمة، ولا يلزم أن تتخلى الأمة عن شخصيتها لتصبح عضوًا نافعًا في البيئة الإنسانية، بل أن تكون الشخصية المحترمة مناط العمل النافع للأمة و لجميع بني الإنسانية!. 
 
وعليه فإن "الشخص الذي يسيء إلى وطنه أو إلى الإنسانية، يجب أن نقاطعه وأن نحمل عليه؛ و إلا اعتبرناه أحسن من الإنسانية أو الوطن!".
 
 أما  الانتماء للوطن فليس مجرد كلمة تقال في المحافل؛ أو على صفحات الصحف السيارة؛ ولكن يُستدل عليها بسلوكيات الأفراد داخل المجتمع؛ ومشاركاتهم الإيجابية في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية كافة؛ الأمر الذي يشعر معه المرء بالفخر والاعتزاز؛ ويأخذ مكانه ومكانته على رءوس الأشهاد من الشرفاء مشاركيه في الاتجاه والمسار نفسه؛ ووجوب حث الآخرين على مد يد العون معهم لمواجهة المشكلات واقتراح الحلول المناسبة لكيفية مواجهتها. 
 
ويبقى الهدف الأسمى والأساس في تعميق هذا الانتماء داخل الذات؛ هو ضرورة سعي الإنسان بتنمية مهاراته وقدراته؛ والعمل على إذكاء روح المنافسة الشريفة والإحساس بالمسئولية تجاه الوطن؛ والتغاضي ـ ولو مؤقتًا ـ عن المصلحة الوقتية الشخصية؛ التي قد تتعارض مع صالح المجموع؛ وليكن في ذهن الجميع أن غرس بذور الانتماء والولاء للوطن؛ تبدأ مع الخطوات الأولى للطفل في المدرسة؛ فالشعور بالانتماء يبدأ من مرحلة الطفولة؛ وهي التي تُعد من أهم المراحل العُمرية للإنسان. 
 
لنعيد للوطن أمجاده التي توارت بعض الشىء خلف ماديات العصر؛ ولنتغنى به مع الموسيقار محمد عبد الوهاب: حُب الوطن فرض عليَّا.. ومع كلمات مدحت العدل ولحن الراحل أحمد الحجار بصوت على الحجار الرخيم نتذكر : يعنى ايه كلمة وطن؛ يعني أرض حدود مكان واللا حالة من الشجن؛ واللا إيه واللا إيه واللا إيه!
 
* رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: