من أسوأ ما يلحق بأي كاتب أو فنان أو شخصية تتمتع بقدر من الشهرة التعرض لحياتهم الخاصة بشكل غير محسوب؛ حيث يتناولها البعض من قبيل أنهم نجوم وحياتهم تهم جمهورهم، وأنهم طالما قبلوا أن يكتب عنهم كمشاهير، فحياتهم لا بد أن تكون متاحة لجمهورهم، وهو اعتقاد خاطئ جدًا، إذ تظل حياة أي إنسان ملكًا له، سواء كان مشهورًا أو عاديًا، ليس من حق أحد اقتحامها والعبث في تفاصيلها، وإن كان هو طرفًا فيها فليحافظ على خصوصية الطرف الثاني.
كنت من المقربين جدًا للكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة رحمه الله، وعلمت في سنواته الأخيرة بأن حدثًا خاصًا يمر به، وطُلب مني أن أسأله عن "زواجه"، ترددت في طرح السؤال، وأدرك هو ما بداخلي؛ لأنه كان ذكيًا ولماحًا، وابتسامته دائمًا تسبق كلامه، فبدأ يتحدث عن الخصوصية، وأنه لا يجب أن يحاسب أحد الآخرين على حياتهم، ومن حقهم أن يستمتعوا بما ينتجه من أفكار وأعمال، وكان الكلام عن نيته في كتابة عمل فني عن "الملك فاروق"؛ لأن له وجهة نظر خاصة في فترة حكمه، رافضًا أن يعاد كتابة التاريخ الملكي على حد قوله، واصفًا فترة حكم الملك فاروق بالسيئة، وكان كتاب آخرون يرون أهمية تقديم أعمال يمجدون فيها فترة حكم الملك فاروق، ولا يجب أن يكتفي بظهور شخصيته في أعمال فنية بمشهد أو مشهدين، كما حدث في أعمال تاريخية كثيرة.
ما حدث منذ أيام من تصريحات للفنانة عبير منير، بأحد البرامج تحدثت حول زواجها من الراحل أسامة أنور عكاشة، ليس جديدًا، ومن حقها أن تحكي في حدود علاقتها هي به، وليس عن حياته هو، فلا يحق لأحد الدخول في تفاصيل تخص عائلته أو أولاده، كان نجله الراحل هشام عكاشة دمث الخلق، ويحلم أن يقدم أعمالًا كثيرة، ولم يسعفه القدر أن يواصل مسيرته كمخرج ومبدع، إن سألته عنه ينصحك بالاتصال به لمعرفة ما تريد منه هو، وستظل سيرة أسامة أنور عكاشة هي الأبقى من كل الكلام الذي يتردد عن زواج أو خلافات، مبدع احترم قلمه، وكانت له شروط حتى مع كبار المخرجين بأن يلتزم كل من يقدم عملًا لأسامة أنور عكاشة بما كتب، حضرت تصوير مشاهد من أجزاء «ليالي الحلمية»، وكم كان المخرج إسماعيل عبدالحافظ يحذر من خروج أي ممثل عما كتب في الحوار، وهو ما لم يحدث مع مخرجين آخرين، فحدثت خلافات بينه وبينهم، ويعد الخلاف الأكبر بينه وبين المخرج جمال عبدالحميد في «زيزينيا»؛ بسبب ترشيحات بعض الفنانين، وليس لخلافات في النص.
حياة أسامة أنور عكاشة تخصه هو وأسرته، ليس من حق أحد اقتحامها، وقد قرأت البيان الصادر من أسرته، وفيه كلام عاقل لم تتعرض فيه الأسرة بأي علاقة من قريب أو بعيد بأحد، حتى إنهم لم يذكروا اسم الفنانة عبير منير صراحة، وهو إنما يدل على احترامهم لخصوصيات والدهم، الذي عاش بين الناس، وكتب عن البسطاء، ودافع عن حقوق الغلابة، في ظروف كنا نخشى عليه من جرأته وتناوله في الجزء الأخير من «ليالي الحلمية» لأوضاع كانت تخص فترة قريبة.