كان هذا شعارًا ظريفًا؛ نقوله ونحن صغار؛ سخرية من الغش؛ وليس تشجيعًا عليه؛ فقد كانت المذاكرة والمثابرة عليها؛ السبيل الأمثل لتحقيق النجاح؛ وكنا ونحن صغارًا؛ نتميز فيما بيننا بمدى ما حققناه من مذاكرة؛ ولم نكن نسمع أو نعي أن هناك لجانًا للغش؛ كما بدأنا نعرفها من وقت قريب.
وكانت تلك الظاهرة انعكاسًا لبدايات ظهور عالم الفساد الذي شوه الواقع بشكل مخيف؛ واخترع أن الوصول للغاية يبرر الوسيلة؛ وهنا كانت الوسيلة الغش؛ والغاية الحصول على مجموع كبير في الثانوية العامة؛ يمكن من الالتحاق بكليات القمة؛ لذلك تزايدت أشكاله؛ وأضحى ينمو رويدًا رويدًا؛ كما أضحت أشكاله تتباين هي الأخرى.
لا نحتاج لشرح طويل ولا مجهد لتبيان الحقائق؛ فهي واضحة بشكل تام؛ لا يوجد ذرة من غبار عليها؛ الغش ما زال زاهيًا مزهوًا بنفسه؛ وما زال الغشاشون يأخذون الدرجات الأعلى؛ كان ذلك قبل الولوج في مرحلة تطوير التعليم؛ التي حملت شعارات براقة؛ كان على رأسها أنه لن يكون هناك غش على الإطلاق؛ ويسهل الرجوع لتلك الشعارات؛ ففي عالم التطور الإلكتروني؛ من المستحيل إخفاء التصريحات أو محوها.
ومرت الأيام؛ وشُغل الناس؛ بمتابعة تنفيذ أبجديات التطوير؛ وانشغل الطلاب أكثر بشكل التطوير؛ وكانت أهم مميزاته؛ تنوع الامتحان؛ بحيث لا يمكن للجنة واحدة أن تمتحن امتحانًا واحدًا؛ وذلك يرسخ لفكرة صعوبة الغش؛ بل استحالته!
فما الذي حدث؟
ما زال هناك غش؛ والأٌمر من المر أن مرارته مكتوب على الناس تذوقها؛ والجديد أن هناك جهرًا بالغش؛ لم يكن يحدث من قبل؛ فجولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ كفيلة بإظهار باطن كان مستترًا لسنوات طويلة؛ إلا أن الجديد خروج ذلك المستتر للعلن؛ وفق أريحية عجيبة وغريبة؛ كما ذكرنا تُجبر الناس على تذوق المر.
وإن شئت أم أبيت أن تقبل أو ترفض الغش؛ فهو باعتراف المسئولين عن التعليم موجود؛ وباعترافهم يحاولون منعه؛ ولكن يبدو أنهم لم ينجحوا في ذلك حتى الآن.
المصيبة ليست في النجاح في منع الغش؛ بل المصيبة في استقرار آلية الوصول للحصول على مجموع كبير من خلال الغش؛ ذلك الاستقرار الكامن في نفوس نفر ليسوا بالقليل؛ يزعمون أن لهم من السطوة والنفوذ؛ ما يجعل هناك لجانًا كاملة مشهورة بالغش في الثانوية العامة؛ تلك اللجان كانت معروفة لعدد من الناس في السابق؛ والسؤال الذي يفرض نفسه الآن؛ هل انتهت تلك اللجان وانتهى زمانها؛ أم أنها راسخة وشامخة شموخًا يصعب كسره؟
هنا السؤال ليس للمسئولين؛ فهم مثلنا يحاولون القضاء على الغش؛ ولكنه سؤال يحوي دائرة أشمل وأوسع؛ سؤال لكل الناس دون تخصيص؟
أثق أن الإجابة قد يكون متفق عليها؛ أن الغش لم يتم القضاء عليه؛ وذلك يعني أن التطوير الذي حدث للتعليم "فاشل" ولم يحقق المرجو منه.
أهكذا بكل بساطة؛ لعدم القدرة على منع الغش؛ يمكن القول بأن التطوير فشل؟
نعم.
لماذا؟
لأن هناك تجارب لدول أخرى؛ استطاعت منع الغش؛ ولنا في الثانية الإنجليزية عبرة ودرس مهم؛ وهذا النظام تدرسه مصر بشكل رسمي في عدد من المدارس؛ وهذا دليل على قناعة الحكومة بجدواه؛ ومع ذلك لم تستفد منه بالشكل المناسب.
باق ملاحظة هي غاية في الأهمية؛ كفيلة بتأكيد فشل التطوير؛ وهي خاصة بإحدى الطالبات الأوائل على الجمهورية في الثانوية العامة؛ حينما أكدت أن سبب تفوقها اللافت؛ عدم ذهابها للمدرسة على الإطلاق؛ لأنها بحسب قولها كانت تضيع وقتها؛ والسبب الآخر التركيز التام مع مدرسي الدروس الخصوصية!
وهذا يعني إمكانية تحقيق التفوق بدون الحاجة للمدرسة؛ أليس هذا يؤكد فشل منظومة التطوير.
فإذا كان من المتاح واليسير تحقيق التفوق من خلال تجاهل المدرسة؛ فأين قيمة وقامة المدرسة كركن أصيل في منظومة التعليم في مصر؟
أمر أخير؛ كيف يمكن لطالبة لم تحضر للمدرسة أن تمتحن بشكل طبيعي مع أقرانها الحاضرين؛ وكأن عدم الحضور أمر عادي ومقبول؟
وفي مقال قادم نكمل إن شاء الله
،،، والله من وراء القصد
[email protected]