يكره الأهل دومًا خذلان أولادهم خاصة عند الأزمات.. ويرتبط كثيرًا دعم الأبناء والبنات عند الرسوب أو الحصول على تقدير دراسي منخفض بالكثير من التصرفات التي يقدمها الوالدان "وكأنها" أفضل درجات المساندة؛ والمؤسف أنها الخذلان بعينه..
فمن يحب ابنه حبًا إيجابيًا لا يفعل التصرفات التالية، والتي كثرت مع الأسف الدعوات إليها عبر الفضائيات ووسائل التواصل "رحمة" بالراسبين وبالحاصلين على الدرجات الدنيا؛ وهي دعوات تخالف الصواب، وتتسبب في زراعة بذور الفشل واعتياده..
نرفض وندين كل المطالبات التي تتزايد سنويًا، خاصة عند إعلان نتائج الثانوية العامة والتي "تبالغ" في الدعوة للتعاطف مع الراسبين أو من حصلوا على مجاميع منخفضة..
نستثني بالطبع من بذل مجهودًا حقيقيًا وتعرض لأزمة صحية أو لوفاة أحد المقربين؛ فهذا عذر مقبول، أما من لم يقم بواجبه بالمذاكرة وأهمل طوال العام، أو استهتر في المراجعات؛ فلابد من وقفة "حازمة" معه؛ والحزم لا يعني العقاب البدني، ولا المعايرة أمام الناس ولا أمام إخوته، ولا العقاب المادي المبالغ به، ولا حبسه بالمنزل ولا تهديده بالحرمان من إكمال التعليم؛ فأسوأ ما يفعله بعض الأهل التهديد بما يعرفون أنهم لن يفعلوه أبدًا..
الحزم يعني الكلام معه بعيدًا عن إخوته والاستماع بصبر وبهدوء - ما أمكن - لمعرفة أسباب فشله وقراءة تعبيرات وجهه مع التركيز على انفعالاته؛ فبعض الأبناء والبنات عندما يرون غضب الأهل الشديد يسارعون "بتمثيل" الندم والبعض يدعي الإغماء أو المرض أو يبالغ بالبكاء "لابتزاز" الأهل..
عند التأكد من "صدق" الندم لا يجب المسارعة بإغلاق الصفحة والتعامل مع رسوبه وكأنه لم يحدث، ولا نبالغ أيضًا بالعتاب؛ فيفقد جدواه فالاعتدال مطلوب دومًا..
أما الدعوات الغريبة بأن الحزن يكسر القلب، والتوتر يسبب الجلطات وربطها بالفشل الدراسي وحده؛ فقليل من الحزن مطلوب "بشدة" عند الفشل؛ فإن لم يحزن الطالب فكيف سيعوض ما فاته؛ وهل نتوقع من طالب قابل فشله باستهتار أن ينجح في حياته؟ وهل هذا الطالب لن يحزن بعد فشل قصة حب؟
المبالغة في التعامل مع الأبناء والبنات وكأنهم قطع من البسكويت الهش لا تبني أي شخصيات ناجحة في كل تفاصيل الحياة وليس بالدراسة وبالعمل فقط والعكس صحيح.
مرفوض أيضًا المسارعة بإغلاق صفحة الرسوب أو الحصول على مجموع ضئيل، بالقول أن النجاح بالدراسة ليس كل شيء في الحياة، وليس مقياسًا للنجاح بها، وهو قول حق "يُساء" اختيار توقيت قوله..
النجاح بالدراسة يأتي بعد مثابرة وبذل مجهود وتركيز وإدراك بأهمية المذاكرة والتخلي طواعية عن كل "المغريات" التي يمكن أن تبعد الطالب عنها، وامتلاك الإرادة لتفضيل المذاكرة وصنع مستقبل جيد، وكل ذلك من مقومات النجاح والتي إن تمسك بها صاحبها بعد النجاح الدراسي؛ سيتمكن من تحقيق قدر جيد من النجاح بالعمل مع امتلاك مهارات التعامل مع الزملاء والرؤساء "واستمرار" السعي بالتفوق والرغبة بالتميز دائمًا.
نحذر من الحماية الزائدة للأبناء عند الفشل الدراسي؛ فهذا ليس حبًا بل إيذاء لهم؛ فسيتوقعون عند أي أزمة أو فشل بالحياة وجود من يسارع "بتدليلهم" وبتقبل هزائمهم "والدفاع" عنها؛ ولن يجدوا ذلك، ليس لأن من حولهم يتصفون بالبشاعة والقسوة، ولكن لأن هذا غير واقعي "وسيضطرون" لمواجهة الخسائر وأشكال العقوبات وعندئذ ستصيبهم المشكلات النفسية؛ لأنهم لم يتعودوا مبكرًا على دفع "فواتير" إهمالهم.
من الخطأ تبرير الفشل بصعوبة الامتحانات؛ فلو نجح طالب واحد بتفوق فمرفوض استخدام هذه الشماعة، والأسوأ الكذب بإعلان مجموع أكبر مما حصل عليه، والأشد سوءًا القول بأن ما حدث نصيب أو ابتلاء!!
والأصعب القول بأن هذه قدراته ونحكم عليه بالسجن "الاختياري" في طاقات ضيقة، والمؤكد أن المذاكرة لا تحتاج لعبقرية، وكما قال أديسون فإن العبقرية 99% منها مثابرة؛ فماذا عن التركيز في فهم دروس واستذكارها؟!
يرفض البعض محاسبة الأبناء عند الفشل هربًا من النكد والغم؛ وكأن الهرب من إطفاء نيران مشتعلة سيجعلها تنطفئ من تلقاء نفسها، وكأن التأخر في إطفائها لن يضاعف الخسائر، فلنتدبر المثل الرائع: "وجع ساعة ولا كل ساعة".
يخطئ الأهل عندما يقولون للراسب: ما دمت فشلت مرة فستفشل دائمًا، ومن الخطأ توهم أنه عندما يرى زملاءه الناجحين وقد سبقوه فسيتعلم "وحده" تعويض ما فاته؛ فلا يحدث ذلك إلا في حالات نادرة جدًا، والاستثناء لا يقاس عليه؛ فمن يفعل ذلك يكون متفوقًا طوال عمره وتأخر بسبب مرضي أو لاستهتار غير مقصود بالمراجعات في نهاية العام.
من السيء المبالغة بالتركيز على الصفات الجيدة في الراسب كطيبة قلبه وحسن أخلاقه أو جمال البنت ورقتها؛ فما علاقة ذلك بالنجاح والرسوب؟!
إذا أردنا ألا يفقد الثقة بنفسه فلنقل: كما تمتلك هذه الصفات الجيدة ونذكرها له فتستطيع أيضًا النجاح ولديك القدرات، وينقصك فقط الرغبة والجدية والمثابرة..
لا نوصي بترك الراسب "يغرق" في الحزن، ولكن لابد أن يعرف أنه أخطأ في حق نفسه، وأنه "يستطيع" التفوق؛ حتى لا يعتاد الخسائر.