راديو الاهرام

شهر الكوارث والأحزان في اليابان

8-8-2022 | 12:43

في شهر أغسطس من كل عام، تسود حالة من الكآبة والحزن في اليابان، ترتبط بإحياء ذكرى الراحلين عن هذا العالم، واعتقاد عائلاتهم وأحبائهم بعودة أرواحهم للأرض، مما يستوجب الترحيب بهم، وتكريمهم في منازلهم، أو بزيارة قبورهم.
 
هذه الحالة الكئيبة يطلق عليها مصطلح "أوبون"، ومعناه باللغة العربية "مقلوب رأسًا على عقب"، للدلالة على معاناة أرواح الأسلاف الراحلين، الذين أخطأوا في الدنيا، وسقطوا في الجحيم، لذلك تقام لهم الصلوات لمساعدتهم، ومسح خطاياهم!
 
تختلف توقيتات إحياء الـ "أوبون" من منطقة لأخرى في اليابان، حيث تجري مراسمها الشعبية الواسعة لمدة أربعة أيام، إما في الفترة من 13 إلى 16 يوليو، وفقًا للتقويم القمري القديم، أو من 13 إلى 16 أغسطس، حسب التقويم الميلادي.
 
تتزامن هذه الحالة الكئيبة مع غضب الطبيعة التي تكشر عن أنيابها للسكان الآمنين، فتسقط كميات هائلة من الأمطار والسيول الجارفة، فضلا عن وقوع أعاصير موسمية مروعة، في مناخ شديد الرطوبة، تصل معدلاتها إلى نحو 80%.
 
عشت هذه التجربة القاسية خلال مهمتي مراسلا لـ الأهرام في طوكيو، 2001-2005، ولا زلت أذكر بعض مظاهر الـ "أوبون"، الطريفة، ومنها، أن إحياء ذكرى الأموات يأتي في توقيت متزامن مع انطلاق صوت جنائزي مهيب في جميع أرجاء اليابان -ليلا ونهارًا ولمدة 6 أسابيع، تطلقه حشرة شبيهة بالذبابة تسمى "سيمي".
 
أيضًا، يستعين السكان بنوعين من الخضراوات، يسهل الحصول عليهما صيفًا، هما الخيار والباذنجان، حيث يجري "رشق" عيدان الطعام في الخيار ليمثل صورة الخيل، والطريقة نفسها مع الباذنجان ليمثل صورة البقرة، باعتبارهما وسيلة آمنة لنقل أرواح الموتى من العالم الآخر، ومساعدتها للهبوط على الأرض بسلام.
 
في شهر أغسطس، تأخذ حالة الحزن والكآبة أقصى درجاتها، عندما تقام في اليابان -غدًا الثلاثاء بمدينة ناجاساكي- مراسم إحياء الذكرى الـ 77، لمقتل 74 ألف شخص، حصدت أرواحهم القنبلة الذرية، التي أسقطها الأمريكيون، بعد مرور ثلاثة أيام -فقط- من هجوم مماثل دمر هيروشيما، وأسفر عن مقتل 140 ألف شخص، ولقي آلاف أخرون حتفهم –لاحقا- بسبب الإصابات الناتجة عن الإشعاع الذري.
 
يوم السبت الماضي، وبمناسبة إحياء ذكرى القصف الذري لمدينتي هيروشيما وناجاساكي، وجه عمدتا المدينين الدعوة لزيارتهما ولمشاهدة فظائع استخدام الأسلحة النووية بأعينهم على الطبيعة.
 
أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، الذي حضر المناسبة لأول مرة، كان قد حذر –في وقت سابق- من أن العالم يواجه خطرًا نوويًا لا مثيل له، وأنه على بعد سوء تفاهم واحد، أو خطوة واحدة -غير محسوبة- من الإبادة النووية.
 
أشار جوتيريش إلى وجود حوالي 13 ألف قطعة سلاح نووي مخزنة، ضمن ترسانات في مختلف أنحاء العالم، منوها إلى أزمات متفاقمة في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية وأوكرانيا.
 
موسكو وواشنطن تمتلكان وحدهما 90% من الترسانة النووية في العالم، ولا تزال روسيا أكبر قوة نووية بعدد 5977 رأسًا حربيًا، منها 1600 جاهزة للإطلاق، فيما تمتلك الولايات المتحدة 5428 رأسا حربيًا، منها 1750 رأسًا منتشرًا، إضافة إلى ترسانات نووية في: بريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية.
 
اليابان تقع في مرمى التهديدات النووية الكورية الشمالية، وقد تغتنم بيونج يانج فرصة الخلافات الراهنة بين واشنطن وبكين للمغامرة بإجراء تجربة نووية سابعة.
 
وسائل الإعلام في كوريا الجنوبية توقعت صعوبة تراجع التوتر الحالي بين واشنطن وبكين على المدى المنظور، ومن ثم قد يتحول الشرق الأقصى كله، بما فيه اليابان، إلى ما يشبه "برميل البارود" مع زيادة احتمالات نشوب صراع مسلح بين الجانبين، وتحديدًا، في مضيق تايوان، عقب زيارة نانسي بيلوسي للجزيرة.
 
من أخطر التداعيات الإقليمية لزيارة بيلوسي لجزيرة تايوان الصينية، إعلان وزير الدفاع الياباني، كيشي نوبوؤ، أن خمسة صواريخ باليستية، أطلقتها الصين خلال مناوراتها العسكرية الأخيرة، سقطت داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان.
 
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشو نيننج، عقبت على تصريحات الوزير الياباني قائلة: "بما أن الصين واليابان لم تقوما –بعد- بترسيم الحدود البحرية في المياه ذات الصلة، فإن الصين لا تقبل بمفهوم ما يسمى منطقة المنفعة الاقتصادية الحصرية لليابان".
 
أيضًا، وفي يوم 15 أغسطس من كل عام، تحيي اليابان الذكرى السنوية لنهاية الحرب العالمية الثانية، وتقام المراسم، بحضور رأس الدولة وكبار الشخصيات وعدد من الناجين، في "صالة نيبون بودوكان" وهي أكبر قاعة بالعاصمة، طوكيو.
 
هذه القاعة، نيبون بودوكان، سوف تستضيف في يوم 27 سبتمبر المقبل مراسم الجنازة الرسمية التي ستقام لرئيس مجلس الوزراء الراحل، آبي شينزو، لتصبح ثاني جنازة رسمية لرئيس حكومة سابق، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
 
ولا تزال أجواء الحزن تلقي بظلالها في اليابان، بعد إطلاق الرصاص على آبي في 10 يوليو الماضي، فيما كان يلقي خطابًا بمدينة نارا، ويوجه الاتهام إلى شخص يدعى "ياماجي تيتسويا"، يتردد أنه ارتكب الجريمة لصلة آبي بمجموعة دينية؛ لأن المتهم يلقي باللائمة على الجماعة الدينية في انهيار أسرته، فقد علت الأصوات في الحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني الحاكم، وأحزاب المعارضة، لإجراء تحقيق في صلات أعضاء الحزب الحاكم بالجماعة الدينية "كنيسة التوحيد سابقًا".
 
في مقالي المنشور بتاريخ 25 يوليو الماضي بعنوان "أيام لن تنسى في تاريخ اليابان"، ذكرت أن الأيام والتحقيقات ربما تكشف عن حقائق مذهلة تسببت في اغتيال آبي شينزو، وها هي الأصوات -المؤيدة والمعارضة- قد علت بالفعل.  
 
تلك هي نظرة سريعة على الأجواء المقبضة السائدة في صيف اليابان شديد الحرارة، والرطوبة، يزيد من تفاقمها تحقيق رقم قياسي عالمي في الإصابات بفيروس كورونا الأسبوع الماضي، وهطول الأمطار الغزيرة، وبمستويات غير مسبوقة، مما تسبب في حدوث فيضانات للأنهار وانزلاقات أرضية وصواعق.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: