يصادف اليوم العاشر من محرم يوم عاشوراء.. اليوم الذي نجى الله سبحانه وتعالى فيه سيدنا موسى عليه السلام من فرعون، وهو نفسه ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وأهل بيته وأصحابه الأبرار في معركة كربلاء، التي استمرت لمدة ثلاثة أيام، وقد لا تقوى نفوسنا على التذكر والتخيل كلما أحبت أن تسترجع أحداثًا مرت في التاريخ البعيد والقريب، خاصة إذا كان مشهد الدماء المراق بلا ذنب هو البطل لكنه بطل بلا نخوة، وجه سلاحه الخائن لقلب نقي تقي داع للخير والسلم فكان جزاؤه أن طُعن غدرًا، ذلك هو المشهد المؤسف في تاريخنا الذي تأبى الروح المحبة أن تستعيده ولو بتخيل، لكن التاريخ لا يترك السجل شاغرًا، ليسطر ما كان فاجعة ونقطة داكنة في قلب الأمة التي فقدت سيد شبابها مضرجًا بالدماء شهيدًا في واقعة لا تُمحى من كتاب الأرض.
ولم تزل تلك المعركة يتردد صداها كل عام حتى الآن، إذ تتعلق بابن بنت نبى الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي تعلقت بحبه أفئدة المسلمين الذين يحبون آل بيت رسول الله، وخصوصًا أهل مصر الذين يحتفون بذكرى مولده مرتين كل عام، الأولى في شهر شعبان، وهي ذكرى يوم ميلاده الشريف في 3 من شهر شعبان عام 4 للهجرة، والثانية في الأسبوع الأخير من شهر ربيع الآخر، وهي ذكرى وصول رأسه الشريف من عسقلان في فلسطين إلى مصر واستقرارها بها.
ولأن محبة أهل بيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استقرت في قلوب المصريين استقرارًا بلا غلو ولا تفريط، وإنما تعلق القلوب بمحبة آل البيت الذي احتضنت مصر كثيرًا من مقاماتهم، حيث لجأوا إلى مصر بعد معركة كربلاء التي استُشهد فيها سيد الشهداء الإمام الحسين، وكسائر هؤلاء المحبين أحببت الحسين بشكل خاص وأحببت محبيه، الذين دائمًا ما أكرمني الله بفضله وأعانني في تجهيز الطعام والذهاب لهم ولكل مريدي المقام الطاهر، وهي عادة أحب أن أؤديها من حين لآخر، حيث الذهاب لمحبي آل رسول الله، لأحضر حلقات الذكر ومدح النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته بمسجد الحسين، وكم كنت أشعر بالراحة والطمأنينة والسكينة أثناء وجودي في هذه الحلقات الطيبة التي تمتلئ بعبير المحبة الزكي، وتطيب النفس برؤية المحبين وذكرهم الشجي، حتى لأشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته بيننا، وأن سيد شهداء الجنة حي في قلوبنا، تملأ محبته الوجدان، الأمر الذي دفعني لتسمية ابني الأكبر أول من رأت عيني الحسين تبركًا بالاسم وإزكاءً لنور هذا الحب، للحسين بن علي الذي أخذ من جده المصطفى كثيرًا وكان شديد الشّبه به متصفًا بصفاته الخَلقيّة والخُلقيّة، فقد كان الحسين شديد الحسن والجمال، وعندما استُشهد وجيء برأسه الكريم عند يزيد بن معاوية تعجب من شدّة حسنه وشبهه بالنبي، حيث كان شديد البياض، والنور يتلألأ من وجهه فكان كالبدر في بهائه وهيبته، كما كان مثالاً للكمال في تقواه وإيمانه، شديد التّقوى وصابرًا متوكلاً على الله تعالى في جميع أموره، وهو الأمر الذي ظهر جليًا في معركة كربلاء، إذ كان في وسط المعركة يدعو الله بالثبات والصّبر، وكان شجاعًا مقدامًا لا يخاف في الحق لومة لائم، وكذا كان عالمًا وفقيهًا ومفتيًا للمسلمين في شئونهم، وعلى الرغم من أنه استشهد في المعركة، فإنه انتصر من خلال مبادئه، ولعلنا جميعًا نعتبر من قصة استشهاده التي تضمنت الكثير من العبر والدروس فكان فيها الخيانة، لكن سبقها العديد من الخصال الإنسانية، كالوفاء والصدق والزهد والعلو والرفعة والصبر والإيثار والتسامح والشجاعة.
ولو أن الإمام الحبيب الشهيد بيننا اليوم، لطعن مجددًا، ولكن هذه المرة في روحه ونفسه، وهو يرى ما يدور الآن في بلاد الرافدين التي عاد إليها شبح الاقتتال المقيت الذي شق الصف بين أبناء أمة كنا نباهي بها الدنيا فدخلت في دوامة كبيرة من التناحر، وهو الوطن الذي لم يزل في طور التخلص من شوائب ماض قريب أليم، لم يخلُ من طائفية لعينة وفرقة كانت سببًا في مشاهد الدماء المراقة دون وازع من عقل أو ضمير على تراب وطن يبكي بعد أن كان قد اقترب من الاستقرار وإعادة البناء ولم الشمل.. وليت ابناؤه وضعوا إزاء أعينهم دم الحسين الذي سال بيد الخيانة والفرقة، ليتهم تعلموا من التاريخ، ليعيدوا كتابته مستندين إلى الدروس المستفادة من الماضي حتى لا يكرروا أخطاء الماضي بصورة تودي بوطنهم إلى عصور من الوهن.
والأمة الآن في صحوة جديدة وإعادة بناء وترميم لما تشقق من روح الوطن، فلا سبيل إلى الحفاظ عليه سوى بالوحدة والتماسك، ولنلقِ خلف ظهورنا الشقاق والفرقة، فدمنا واحد ووطنا واحد ومصيرنا واحد، ولتكن هذه رسالتنا التي نستمدها من قصة استشهاد الحبيب الحسين، إلى الأجيال الحالية والقادمة من شباب العراق والأمة ورجالاتها في مستقبل آمن ملؤه السلام والمحبة.