Close ad

إفريقيا الخضراء.. «2- 3»

7-8-2022 | 11:50

على مدى الأسبوعين الماضيين، وضع المناخ بصمته على الكوكب عبر موجة الحر الأخيرة، التي خيمت على سمائه من شرق الكرة الأرضية إلى غربها، ولم ينج شمالها وجنوبها من هذه الموجة الحارة الجديدة والمتجددة.

فقد تعرضت أوروبا إلى حرائق مدمرة، وتوفي أكثر من 2000 شخص بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وكانت العواقب قاسية على مدينة أشبيلية الإسبانية، كما اشتعلت الحرارة الشديدة في الصين، واجتاحت السيول مناطق في اليمن والإمارات، وتعرضت السعودية إلى الأمطار والصواعق، وقتلت الفيضانات 16 شخصًا وشردت الآلاف في الهند، وضربت الأمطار عدة مناطق في الإمارات، وتعرضت  قطر إلى هطول أمطار رعدية وأمواج عالية، وفي بداية الأسبوع الحالي، عاودت الأمطار إلى السقوط مجددًا، أمس "السبت"، في منطقة عسير بالسعودية.

مشهد قصير للمناخ، حدث على مدى 15 يومًا فقط من الموجة شديدة الحرارة، وهي إحدى ظواهر وأعمال التغير المناخي المدمرة، والأخطر إتلافها لعمليات إنتاج المحاصيل وأنماط النمو والثروة الحيوانية،  كما ترتفع أسعار المحاصيل الأساسية مثل الأرز والقمح نتيجة ارتفاع الحرارة، فضلا عن القيود المفروضة على الموانئ وعمليات التصدير، وتوقف العمليات اللوجستية للواردات الزراعية وأهمها القمح بسبب الحرب في أوكرانيا، وهذا بدوره يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر، علي ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

لقد أصبح، واضحًا أكثر من أي وقت مضى، كيف أن هذه الأزمات ترتبط ارتباطًا جوهريًا، بل هي متشابكة مع بعضها البعض، إلا أن هذا الترابط  السلبي يعني على الجانب الآخر، أن الحلول يمكن أن تكون إيجابية من حيث تشابكها، ولذلك عندما يتعلق الأمر بالمناخ، فقد فات الأوان للاسترخاء، لأن وقت ترتيب الأولويات قد حان، لإنقاذ أنفسنا والعالم.

المؤكد أن لدينا فرصة لتحقيق وتنفيذ الالتزامات الدولية التي أقرها مؤتمر المناخ الماضي COP26، بأن نتمسك ونصر على تحقيقها نهاية العام الحالي في شرم الشيخ، والتحول للاقتصاد النظيف، الذي يوفر فرصًا ووظائف جديدة، قبل أن  يصل العالم إلى حافة الهاوية، ليس في مجال البيئة والتغير المناخي فحسب، بل في الجانب الاقتصادي وتداعياته الغذائية والصحية والاجتماعة، وأيضًا الأخلاقية والسلوكية.. 

وقد أضفنا التداعيات الأخلاقية والسلوكية، للمخاطر الاقتصادية، لأن عدم التحول للاقتصاد الأخضر يؤدي إلى تجفيف فرص العمل، وانهيار المنظومة القيمية والسلوكية لدى الأمم والمجتمعات؛ بسبب تفاقم البطالة وارتفاع الأسعار وندرة الغذاء.

ما هو الممكن، وكيف نصل إلى المتاح من الموارد والثروات في قارتنا الإفريقية، حيث يرى الدكتور حسين أباظة المستشار الدولي للتنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، أن العمل المناخي يتقاطع مع كل الأنشطة والقطاعات ولا يحدوه وقت، ولا يعيقه زمن، ولذلك فمن الضروري أن نكون أكثر تحديدًا ووضوحًا في معالجة قضاياه وتحدياته؛ بمعنى أن كل الحلول لمعالجة التغيرات المناخية ممكنه، وفيها من الإيجابيات الكثير، إلا أننا لابد من الانطلاق من رؤية أكثر وضوحًا وواقعية، ولابد من التركيز اليوم على البعد الإفريقي الأقرب لنا وللحلول المناخية، فهو الأكثر سخاءً في الموارد، والمردود البيئي والاقتصادي، فضلا عن أهمية التعامل مع استحقاقات تاريخية وحضارية وجغرافية لنا، معها خبرات إنسانية مشتركة مع القارة.

نعم.. هناك ضرورة إلى مبادرة مرنة للوصول إلى إجماع قاري تحت المظلة الدولية. 

ويستطرد المستشار الدولي قائلًا، إن هذا الإجماع عنوانه: لا مفر من التعاون والتكامل والتنسيق داخل الكيان القاري الأقرب إلينا وهو قارة إفريقيا، بهدف البحث عن سبل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتحويل القارة الإفريقية إلى قارة خضراء تشكل محيطًا حيويًا للنظم الإيكولوجية البيئية، وكذلك تنمية أسواق ائتمان الكربون والاقتصاد الأزرق، وتطوير إدارة المياه والمدن النظيفة في أرجاء القارة.

تنامي التحديات المناخية الراهنة تلاحقنا في كل وقت ومكان، كما يرى د. أباظة، ويضيف، أنه من المنطقي استثمار "القاهرة" لإطلاق مبادرة "إفريقيا الخضراء"، منطلقًا من اختيار العالم لمصر وثقة بها لاستضافة القمة القادمة "COP27" للمناخ  باسم القارة الإفريقية، ولتكن هذه القمة "ورشة عمل" لإنقاذ العالم من شرور المناخ وتداعياته شديدة التدمير؛ لأن تكلفة العمل المناخي والحد من تأثيراته على الحياة، في الحاضر والمستقبل، هي تكلفة عالية، إلا أن الأعلى تكلفة منها هو الإهمال والاستخفاف عن مواجهتها ومعالجتها.

والعالم اليوم يواجه مستويين من المعالجة والتفاعل مع المناخ، الأول أن جميع الدول مطالبة بتقليل انبعاثاتها والبحث عن سبل للتكيف مع متغيراته، المستوى الثاني ضرورة توافر الموارد والتكنولوجيا المتطورة لتمكين الدول النامية من تحقيق خطوات إلى الأمام في العمل المناخي، فإن أحد أهم ملامح مواجهة التغيرات المناخية هو تطبيق أنظمة الطاقة الجديدة والمتجددة، وهو ما يتطلب موارد مالية لا تستطيع الدول النامية القيام بها منفردة، وفي المقابل، فإن الدول الغنية تمتلك التمويل لهذه الطاقة النظيفة التي تستفيد منها بشكل مباشر في إمدادات الطاقة، وبشكل غير مباشر عبر تخفيف حجم الاحترار العالمي والانبعاثات الكربونية.

نعم.. لم يعد أمام الدول الصناعية المالكة للخبرات والموارد والتقنيات، خيار لتمويل عمليات مواجهة المناخ في القارة، وأن تزيد الدول المتقدمة من الدعم لتخفيف آثار المتغيرات المناخية، فالظواهر المناخية الحادة وموجات الحر الشديدة والفيضانات المدمرة، أصبحت هي القاعدة على الكوكب.. مستمرة في مفاجآتها وطالت قمم الجبال، ولم تنج منها أعماق المحيطات، لتعرض النظم الإيكولوجية والمجتمعات، بمختلف فصائلها، الي الفناء.. فكيف تشكل القارة الخضراء طوق النجاة للعالم..؟                             
                        
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: