راديو الاهرام

النجاح والانتصارات الزائفة

6-8-2022 | 08:01

يُقال إن النجاح هو إدراك الغاية أو الهدف؛ فهل يمكن أن يكون هدف أي إنسان بالكون الحصول على أشياء زائفة؛ بلا قيمة بالواقع وإن بدت لامعة. 

يُقال انتصر فلان أي حقق الفوز على خصم أو تمكن من تخطي صعوبات أو حارب لينتصر على كل ما يعطله أو يحاول النيل منه.

يتسع مفهوم النجاح ليشمل تحقيق أفضل ما يمكن وأكبر قدر من الأحلام والأهداف في الحياة، ولا يقتصر على النجاح بالدراسة وبالعمل كما يعتقد الكثيرون. 

يُقال زيف يزيف فهو مُزيف؛ أي غشاش؛ وقد نفهم ولا نقبل بالطبع أن يحاول البعض غش الآخرين وهو سلوك مرفوض دينيًا ودنيويًا ويجلب لصاحب الخسائر بالدارين؛ ولكن يصعب فهم فضلا عن تقبل كيف يغش الإنسان نفسه؟ كيف تهون عليه حياته ويضع بها "بذور" الغش ويتوهم أنه يصنع انتصارات؟!

مع الأسف "يضيع" الكثيرون من الجنسين وبكل الأعمار أعمارهم سعيًا وراء انتصارات زائفة ويرونها نجاحات غير مسبوقة،  ينبههم غالبا بعض المخلصين من معارفهم ولكنهم يرفضون ذلك ويواصلون "غش" أنفسهم؛ حتى يصبح عادة ثم تتحول لمكون من شخصياتهم..

نرفض القسوة على الناس وبالوقت نفسه نحترم أعمار الجميع؛ لذا ننبه بكل الود والاحترام لمن "يرغب" في انتشال نفسه من الانتصارات الزائفة وصنع نجاحات "حقيقية" تليق به وندعو له بها..

توفي "فالدير سيغاتو" لاعب كمال الأجسام البرازيلي بعد إعطاء نفسه جرعة زائدة من حقنة  لتنمية العضلات في عيد ميلاده الخامس والخمسين..
المؤلم أن من يرى معظم صوره يجده غير سعيد وكأنه "يلهث" دائمًا؛ مع أنه حقق بطولات ولكنه كان يريد التشبه بملاكم وممثل مشهور؛ والناجح "والمنتصر" لا يلهث وراء الآخرين ليكون نسخة "مقلدة" منهم أبدًا، ولا يبالغ بوضع نفسه تحت ضغوط "صحية" ونفسية قد تكلفه حياته وهو ما حدث معه مع الأسف؛ فقد حذره الأطباء أن استمراره في تضخيم عضلاته  سيعرضه لخلل بالأعصاب أو البتر؛ فرد أنه ضاعفها مرتين ويريد الأكثر!!

نحترم الطموح ونشجع اختياره "رفيقًا" لعمره؛ بشرط أن يكون لصنع نجاح حقيقي وليس زائفًا؛ 

فمضاعفة العضلات بمبالغة زائدة لن تضاعف قوته وستقلل منها وستضره وهو ما حدث..
 لقد آذى نفسه بأضعاف ما كان يمكن لخصومه إيذاؤه، وهو ما يفعله كل من يبحث عن لفت الأنظار ويراه انتصارًا ونجاحًا؛ فنرى من يبحث عن أي نقاط ضعف لدى الناجحين والجميع لديه نقاط ضعف، ويشهر بها ويقضي أوقاته في التحدث عنها ويتجاهل أنه "يبعثر" كنزه الخاص؛ أي عمره بالتنفتيش عن نقائص غيره، والأذكى الاهتمام بما يصنع نجاحه..

تقليد الناجحين في مظهرهم وطريقة الكلام أسوأ غش للنفس؛ فمن يفعل ذلك يتوهم أنه بلفت الأنظار سيكون ناجحًا؛ والحقيقة أنه يبدأ "بكامل" وعيه طريق الفشل الحقيقي؛ إذ يتوهم النجاح "ويكتفي" به ولا يحاول صنع النجاح الحقيقي.

من الانتصارات الزائفة أخذ أقوال الغير ونسبها للنفس في الواقع وعبر وسائل التواصل، والأسوأ الادعاء على بعض الأدباء والحكماء "بدس" كلام لم يقولوه ولا يتناسب معهم ويعود لمن يفعل ذلك؛ ولكنه يريد "ترويجه" بنسبه لمن يثق الناس بهم ويتوهم أنه ناجح ومنتصر، والواقع أنه "يهزم" نفسه ويخونها أسوأ خيانة؛ فمن يثق أن رأيه جيد لن يسعى "للتدليس" لنشره وسيفتضح أمره ولو بعد حين..
الأذكى أن يواجه نفسه بما "يجيد" فعله فليس مطلوبًا من جميع البشر الاتصاف بالحكمة، والحكيم حقًا هو من عرف طاقاته وقدراته وسعى لتنميتها بتدرج وبيقين بأنه سيكون أفضل.

يفتخر البعض بأنه حضر دورات التنمية البشرية وأنه أفضل من غيره لهذا السبب!! وقد يضيف "متفاخرًا" بأنه سار على جمرات النار أيضًا ولم تحترق قدماه..

والناجح هو من استفاد من الخبرات بالحياة وليس من دورات فقط، والسير على الجمرات لبعض الثواني ليس مقياسًا لأي نجاح؛ فالمهم  هو كيف يعيش حياته وماذا "صنع" بها؟ وأين مكانه الحقيقي بالدنيا وليس ما يتحدث عنه؟

من الانتصارات الزائفة افتعال المعارك مع الأفضل والنيل منهم ومضايقتهم بدلا من الاستفادة من خبراتهم. 

نتوقف عند افتعال "صارخ" للانتصار؛ فقد قام رجل فنلندي بتفجير سيارته بعد ضيقه من دفع أموال كثيرة في إصلاحها؛ فوضع بها 30 كيلو من الديناميت "ودمية" تمثل المدير التنفيذي للشركة المنتجة للسيارة؛ وتفحمت سريعًا وصور ذلك ونشره، وأعلن عن سعادته لأنه صنع بعض التاريخ؛ فهو أول من يفجر سيارة من هذه الماركة غالية الثمن..

كان يمكنه بيعها ولو "خردة" والاستفادة بثمنها ولكنه "اختار" غش نفسه؛ فسينساه الناس أو سيتذكرونه بما لن يسعده أبدًا..

النجاح الحقيقي هو مواصلة السعي لأخر لحظة بالعمر للانتصار الحقيقي على كل ما يعطلنا في الحياة وما يتسبب في سرقة "زهوتنا" وصحتنا النفسية ولياقتنا العقلية، وعلى كل ما يؤثر على نقاء قلوبنا وسلامتها، والاحتفاظ بإنسانيتنا ومبادئنا ما حيينا والاجتهاد ليكون كل يوم أفضل مما سبقه، ومساعدة كل من "يرغب" بود واحترام وتجديد الاستعانة بالرحمن والتبرؤ من حولنا وقوتنا وتنمية الشكر والخضوع والتسليم "برضا" للوهاب دائما وأبدًا..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
أولادنا وبناتنا والبلطجة

تزايدت شكاوى الأمهات والآباء من سوء تصرفات البنات والأولاد وتعمد الكثيرون منهم سوء التعامل مع الأهل والرد بحدة وبكلمات غير لائقة، ورفض محاولات الأهل

رمضان والاستعداد النفسي لشهر الصيام

ما لا نستعد له جيدًا يصعب علينا الفوز بأفضل ما يمكننا منه، وقد نبذل الجهد الأكبر وتتشتت جهودنا ونحصد نتائج لا تسعدنا، وما نتوقعه يحدث ليس لأننا أحسنا

الأكثر قراءة
خدمــــات
مواقيت الصلاة
اسعار العملات
درجات الحرارة